الاحتلال يطفئ أنوار الميلاد في عيون مسيحيي غزة
تاريخ النشر : 2022-12-24 08:32

غزة  :

لم تستطع الفلسطينية ساندرين إخفاء دموعها لدى حديثها عن حرمان الاحتلال الإسرائيلي لها من إحياء عيد الميلاد المجيد في مدينة بيت لحم مهد السيد المسيح، وأداء الصلاة داخل كنيسة المعد وزيارة أقاربها هناك.

ساندرين "اسم مستعار"، هي سيدة فلسطينية مسيحية من قطاع غزة، تحدثت لنوى عن استعداداتها لاستقبال عيد الميلاد في ظل اضطرارها لتغيير الطقوس التي كانت تعتزم ممارستها، بعد حرمانها كما غيرها الكثير من المسيحيين الخروج من القطاع.

تقول ساندرين :"تقتصر مظاهر الاحتفالات على ترانيم الصلاة داخل الكنيسة وإضاءة شجرة الميلاد والزيارات الاجتماعية للأقارب والأحبّة، أشتريت زينة العيد لبيتي وملابس العيد لأطفالي خاصة بابا نويل، والشوكولاتة وحلويات للعيد".

يعيش في قطاع غزة الواقع جنوب غرب فلسطين نحو 1000 مسيحية ومسيحي ينتمون للطائفتين الروم الأرثوذكس واللاتين، يتقدمون سنويًا بطلب تصاريح لدى الاحتلال الإسرائيلي لزيارة كنيسة المهد والأماكن المقدّسة في ذكرى ميلاد المسيح، وينتظرون الرد من إدارة الكنائس في القطاع، وهو رد يتحكّم به الاحتلال سواء بالقبول او الرفض، ما يثير حالة حزن لدى المسيحيين الذين ينتظرون هذه المناسبة الدينية لزيارة.

بحزن تقول ساندرين: "للعام السادس على التوالي أتقدم بطلب لزيارة الكنيسة ويصل الرد بالرفض الأمني، ما الذنب الذي ارتكبته لا أعلم، الكثير من الناس في العالم يستطيعون زيارة كنيسة المهد والصلاة فيها وأنا التي لا أبعد عنها أكثر من 74 كيلو مترًا محرومة من الوصول".

كوتة للمسيحيين

تزامنًا مع إعلان مدينة بيت لحم الأسبوع الماضي بدء الاستعدادات لاستقبال السيّاح والزوّار قبيل بدء الاحتفالات بأعياد الميلاد، أعلنت منظومة حقوقية إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت عددًا من مسيحيي قطاع غزة الحصول على تصاريح للمشاركة بهذه المناسبة بحجة أن التصاريح عبارة عن "كوتة" محددة لمسيحيي غزة.

موسى عياد "38 عامًا" هو واحد ممن حرمهم الاحتلال فرصة الذهاب إلى بيت لحم والصلاة هناك، يقول باستهجان:" إسرائيل وقّعت على اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية عام 1994، والمفترض أنها اعترفت بالسلطة، فلماذا تتحكم هي بمنحي تصريح لأتنقّل به داخل أراضينا؟ ".

منذ عدة سنوات يتلقّى عياد ردًا من الاحتلال مفاده الرفض الأمني، حتى إنه فقد الأمل بإمكانية قدرته على زيارة كنيسة المهد ذات يوم، ورغم توجهه للعديد من المؤسسات الحقوقية لتقديم شكوى، ولكن دون نتيجة.

يتابع: "نحن في قطاع غزة نحتفل سنويًا لنؤكد للعالم أننا باقون، ورغم سوء الأوضاع الاقتصادية هنا والحروب المتكررة والبيئة السياسية المعقدة يحدونا أمل الحرية، لدينا الكثير من الأنشطة خلال الأعياد، تشارك فيها كل الطوائف المسيحية".

ستضاء شجرة عيد الميلاد وتؤدّى الصلوات في الكنيسة وتتلى الترانيم وتقام المعارض الفنية والمسرحيات، سيوزع المسيحيون طبق البربارة الشهير ويوزعوه على الأقارب والأحبّة وخاصة الأصدقاء المسلمين الذين ينتظرونه سنويًا.

المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية كامل عياد يقول :"انخفض عدد المسيحيين في القطاع إلى 1027 فقط، ينتمون لطائفتي الروم الأرثوذكس واللاتين، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والحصار، الكثيرون هاجروا إلى أوروبا".

يتابع إن الاحتلال الإسرائيلي سمح فقط لـ650 مسيحية ومسيحي منهم بالذهاب إلى كنيسة المهد في بيت لحم من أصل 1000 تصريح تم تقديمها، تم رفض 200 و170 قيد الفحص دون رد بالقبول أو الرفض، وهذا مؤلم خاصة أن الكثير من المسيحيين يحتاجون التصاريح أيضًا لزيارة أقاربهم في الأردن بعد الانتهاء من الأعياد في بيت لحم.

يكمل عياد بان الاحتفالات في قطاع غزة خجولة، تبدأ يوم 25 ديسمبر وتستمر حسب التقويم الغربي اللاتيني، وبتاريخ 7 يناير حسب التقويم الشرقي الأرثوذكس، في تسعينيات القرن الماضي كانت تقام خارج إطار الكنيسة، فتضاء شجرة الميلاد في ساحة الجندي المجهول بحضور شخصيات رسمية، وبعد الانقسام أصبحت الاحتفالات محدودة.

يختم: "بالتأكيد الفرق في مظاهر الاحتفالات واضح بين الاحتفال داخل القطاع وفي بيت لحم، فهناك الكثير من البهجة والسرور خاصة أنه مكان مقدس، لكن نحن شعب يحب الحياة ونسعى لإيجاد أجواء جميلة لأطفالنا".

ومع حزن الكثيرين ممن حُرموا فرصة الذهاب إلى كنيسة المهد، ابتسم الحظ لإيهاب عياد "28 عامًا" والذي حصل على تصريح وذهب إلى بيت لحم.

إيهاب عياد من داخل كنيسة المهد لأول مرة

إيهاب تحدث هاتفيًا إلى نوى بصوت مرِح مليء بالحيوية:"منذ خمسة أعوام وأنا أنتظر هذه الفرصة، أخيرًا تمكّنت من الذهاب إلى هناك لأول مرة، الآن أنا داخل كنيسة المهد أصلي في مكان السيد المسيح، فكيف لا نفرح وقد أضاء السيد المسيح الدنيا من هنا، شجرة الميلاد هي رمز الديانة المسيحية"، مضيفًا إن مدينة بيت لحم مليئة بالشوكولاتة المميزة والزينة ومعظمها غير موجود في قطاع غزة.

وختم إيهاب بأنه أنهي خمس سنوات من البؤس قضاها محرومًا من زيارة الكنسية دون ذكر أسباب، والآن هو في غاية السعادة، لكن كل مسيحية ومسيحي في القطاع ينتظرون فرصتهم على أحرّ من الجمر، يعانون القلق خوفًا من الرفض، كما أن هناك من يحصل بالفعل على تصريح ولكن دون عائلته، وهذا ينغص فرحتهم، إلا أن أكثر ما يحبه المسيحيون هو لبس الأطفال لزي بابا نويل ورؤيتهم لشجرة عيد الميلاد، وإحياء الاحتفال الديني بعيدًا عن تعقيدات السياسة.