أيام عصيبة تنتظر عشاق كرة القدم
تاريخ النشر : 2022-12-21 14:06

غزة:
"سنشتاق للمونديال، وأيام المونديال، ولمّة العائلة، زوجي وأولادي حول التلفزيون، وأمامنا طبق الفوشار، والانشغال بتقشير البرتقال"، بهذه العبارة استهلت الشابة إسلام أبو عساكر الحديث عن يوميات المونديال.
قبل يومين فقط، خفتَ ضجيج المشجعين من المدرجات، وظلّت الأحاديث حول الساحرة المستديرة "كرة القدم" تسيطر على أحاديث الناس في البيوت والمقاهي وحتى في أماكن العمل.
شهر بأكمله انشغل الناس بمتابعة المباريات اليومية لأهم حدث رياضي عالمي، يتكرر فقط كل أربعة أعوام، يجمع العائلة والأصدقاء، وتكتظ المقاهي بالمشجعين والمشجعات، ولأول مرة يُنظم في بلد عربي هو قطر، ولم يخلُ من أحداث فارقة، سواء بصعود منتخب عربي لأول مرة إلى المربع الذهبي (المنتخب المغربي)، وأيضًا بالفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية.
شهرٌ كاملٌ ليست مدة بسيطة، سيطرت فيها كرة القدم على أحاديث الناس في كل لقاءاتهم، ثم توقف فجأة مع انقضاء البطولة، ما تسبب بحالة من الفراغ والملل للكثيرين، فيما بات يعرّفه أخصائيون "اكتئاب ما بعد المونديال".
عودة إلى الثلاثينية إسلام التي تكمل: "أظن أن اكتئاب ما بعد المونديال حالة طبيعية، فقد انشغلنا به لفترة ليست بسيطة، ومن الطبيعي أن تستمر أجواؤه لفترة، أنا وعائلتي كنا من مشجعي الأرجنتين، وهذا جعلنا نعيش حالة من الفرح".
تتابع: "ابنتي سارة عمرها 14 عامًا، لأول مرة تتابع المونديال، وحزنت كثيرًا حينما علمت أنه لا يتكرر سوى كل أربعة أعوام، ولكن أفضل شيء أن أبنائي كما أنا وأبيهم يشجعون الأرجنتين، لم أكن أحب رؤيتهم يحزنون على منتخب يخسر، خاصة كونهم صغار لم يعوا بعد أن المباريات مكسب وخسارة".
عادت إسلام إلى أجواء التدريس لأبنائها الأربعة، والتحضير للامتحانات مثلما كانت قبل المونديال، فلا شيء يجمع العائلات سوى الأجواء التي تحمل معها الطابع الاجتماعي مثل شهر رمضان والأعياد والمناسبات العامة.
أما الشاب محمد أبو طبق، وعند سؤاله عن "اكتئاب ما بعد المونديال"، أجاب ضاحكًا :"أولًا يجب أن تهنئوني بفوز ابني مهند وحصوله على سمّاعة فاخرة من أحد المحال التجارية الكبرى في محافظة الوسطى نتيجة توقّعه الصحيح لنتيجة نهائي كأس العالم".
أما عن الاكتئاب فيعتقد محمد إنه مسمى صحيح إلى حد ما، لأن الناس تنشغل فعلًا بالمتابعة فترة طويلة، وهذا يحدث فراغًا بعد توقّفه.
ويشرح: "أنا وعائلتي من مشجعي الكرة، متفقون بالنسبة للأندية الأوروبية ولكن بالنسبة للدوري المصري منقسمين، أنا أهلاوي وكذلك ابني الأكبر، لكن زوجتي زملكاوية هي وابني الثاني، هناك الكثير من المناكفات الجميلة التي تحدث مع كل مباراة".
يخلق المونديال بالمتابعة الجماعية حالة من الألفة بين أفراد العائلة، وفقًا لمحمد، الذي يجزم بأن أبناءه تابعوا معه بما لا يؤثر على دراستهم، وهناك الكثير من الأحداث التي وجدها حماسية ومثيرة في هذه النسخة، منها الأداء الكبير للمنتخب المغربي، وما شاهدناه من مباريات لمنتخبات مثل اليابان كان أداؤهم جديرًا بالاحترام، التعرّف على ثقافات شعوب أخرى من خلال المتابعة أيضًا كان شيئًا مهمًا.
وكان هناك صدمة بخروج مبكر ومفاجئ لبعض المنتخبات كما يؤكد محمد، فمثلًا البرازيل كانت مرشحة للقب لكنها خرجت من الدور 16، وهو مبكر جدًا بالنسبة لمنتخب مثلها، لكن الآن لا أحد يدري ماذا نتابع، غير أننا نحاول استعادة مقاطع المباريات، إلا أن الشعور بالفراغ موجود، ومتابعات دوريات أخرى يعتبر أقل حماسة وإثارة. 
الأخصائية الاجتماعية د.ختام أبو عودة تؤكد إن منظمة الصحة العالمية تحدثت عن اكتئاب ما بعد المونديال، بوصفه عرضًا يشبه ما يحدث بعد الإجازات الطويلة، إذ يشعر الإنسان بحالة من الملل والفراغ وعدم الرغبة في إثارة أحاديث مع الآخرين ما قد يحدث نوعًا من العزلة.
فأجواء المباريات الحماسية، وما يصاحبها من أجواء إعلامية مع وجود فرق عربية ورفع إعلام فلسطين، جذبت الجمهور نحو مواصلة المتابعة فأصبح لدينا برنامج يومي لا إرادي تشارك فيه العائلات.
ورأينا على مواقع التواصل الاجتماعي كيف ينشر الناس صور تواجدهم في المقاهي والصالات الرياضية، وكيف سيطر المونديال وأحداثه التي تحمل كل يوم جديدًا ومثير على حديث الناس، وخاصة المناكفات بين مشجعي الفرق المختلفة، تقول أبو عودة.
وتوضح أبو عودة إن هذه المتابعة تحدث نوعًا من التفريغ لدى الناس، فنشاهد أثناء المباريات صراخًا بصوت مرتفع جدًا مع كل هدف أو حتى فرصة هدف، هذه الانفعالات في حقيقتها تفريغ كبت تأتي على شكل انفعالات مع الأهداف والفرص.
وتكمل إن كل هذا خلق لدى الناس نمط حياةٍ يوميٍ على مدى شهر، فنجد الشخص غير راغب في التواجد بأماكن عامة أو الحديث مع الناس خاصة بالنسبة لمشجعي الفرق التي لم يحالفها الحظ حين يصبحوا محط سخريةٍ بسبب خسارة الفِرق التي يشجعونها، فالناس يتماهوا مع الفوز والخسارة.
لكن أبو عودة وجّهت نصائح بضرورة أن ينخرط الناس في أنشطة اجتماعية أخرى وممارسة عادات يومية مختلفة عما اعتادوه خلال الشهر، كأن يمارسوا رياضة المشي، ويقرأوا الكتب، ويذهبوا إلى تجمعات الأصدقاء حتى لو حملت نوعًا من "المناكفة" بسبب خسارة فرقهم، ولنتذكر جميعًا في النهاية إن كرة القدم "مجرد لعبة".