من ظُلمة السجن لنور السماء.. وداعًا ناصر أبو حميد
تاريخ النشر : 2022-12-20 12:45

رام الله:

شمخَت على عين الكاميرا جبلًا، وحمدت الله كثيرًا أن كتب ابنها مع الشهداء "كما تمنّى قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة". تقول لطيفة أبو حميد: "زرناه ليلة أمس، لقد جلس شقيقه بقربه وقرأ له آيات من القرآن، أما أنا فكنتُ أنظر إليه وأدعو الله طوال الوقت".

والدة الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي ناصر أبو حميد، الذي أُعلن عن استشهاده صباح اليوم، بعد معاناةٍ مع مرض السرطان، بدت صلبةً وهي تتحدث عن لحظة تبليغها بنبأ استشهاده: "المصاب جلل، لكن هذا قدرنا نحن الشعب الفلسطيني، وطالما وجد الاحتلال سيكون هناك شهداء".

وتابعت: "ناصر كان قويًا في حياته، وقويًا عند استشهاده، ومع كل حزني عليه، أدعو الله أن يتقبله شهيدًا، وما يؤرق قلبي فعلًا هو أبنائي الأسرى داخل سجون الاحتلال، كيف سيتلقون خبر استشهاد شقيقهم؟".

في تفاصيل مع جرى مع ناصر، فقد اكتشفت إصابته بسرطان الرئة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2021م، وسرعان ما تدهور وضعه الصحي حينها، ورغم ذلك، رفض الاحتلال الذي حكم عليه بسبع مؤبدات، الإفراج عنه، واكتفى بتقديم الرعاية الصحية له في الخارج رغم مضي 35 عامًا على اعتقاله.

نُقل أبو حميد ليلة أمس بشكلٍ عاجلٍ إلى من مستشفى سجن الرملة إلى مستشفى "آسوف هاروفيه"، إثر دخوله في غيبوبة، وتمت الموافقة على زيارةٍ عاجلةٍ لأمه وشقيقه ناجي اللذان ألقيا نظرة الوداع الأخيرة عليه، قبل ارتقائه شهيدًا صباح اليوم، ليكون رابع الشهداء الأسرى لهذا العام.

السبعينية لطيفة أبو حميد والدة الشهيد ناصر، هي سيدة من مخيم الأمعري بمدينة رام الله، استشهد أول أبنائها "عبد المنعم" عام 1994م، واعتقل الاحتلال أبنائها الخمسة، ومن بينهم ناصر الذي استشهد صباح اليوم، فبقي أربعة منهم أسرى يتجرعون مرارة خبر استشهاد شقيقهم، دون تمكّنهم من وداعه، مثلما حرموا أن يكونوا إلى جواره في آخر أيام حياته وأقساها.

ولطالما وجهت أم ناصر رسائل خلال العام الماضي، تطالب بابنها إلى جوارها "أن يرتقي شهيدًا في حضنها"، لكن كل دموعها وحزنها على ابنها، لم تلقَ استجابةً من قبل احتلالٍ يريد فقط أن يتلذّذ بعذابات الفلسطينيات.

وجهت رسالةً للاحتلال قالت له فيها: "نحن أقوى من جبروت المحتل، وإخوة ناصر لن يفتحوا بيت عزاء حتى يستلموا جثمانه ليتم تشييعه في رام الله"، متابعةً: "ناصر كان قويًا، وفضّل الاستشهاد على الخروج بأمر من الاحتلال. هو مشروع شهادة، وأمضى 35 عامًا من عمره أسيرًا، ونسأل الله الصبر على فراقه".

آخر زيارة لأم ناصر كانت الأسبوع الماضي، وكان وضعه صعبًا كما تروي، لكن الابتسامة لم تفارق وجهه، تقول: "سلمنا عليه وقبّلناه، وقال لنا: أنا مشروع شهادة، كفّيت ووفّيت وربنا يتقبلني، أريد الذهاب إلى أخي عبد المنعم. ابني ضحى من أجل بلده وقضيته، حتى مات شهيدًا".

وكان ناصر أبو حميد وجّه رسالة للشعب الفلسطيني في أيلول/ سبتمبر من العام 2022م، قال فيها :"أنا بودع شعب بطل عظيم حتى ألتحق بقافلة شهداء فلسطين، وجزء كبير منهم هم رفاق دربي وأنا سعيد بلقائهم".

وخصّ ناصر عائلته بحديثه، حين تابع: "أنا مؤمن بقضاء الله وقدره، ومؤمن بالطريق الذي اخترتُه. عزائي الأكبر هو متابعتي للوقفات الجماهيرية المقاومة للاحتلال الظالم".

والشهداء الأسرى الذين ارتقوا منذ بداية العام الحالي نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارة السجون هم سعدية مطر، وداوود الزبيدي، ومحمد غوادرة، وآخرهم الشهيد ناصر أبو حميد، ليرتفع بذلك عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 223 شهيدًا.

استشهاد أبو حميد لاقى ردود فعل غاضبة من قبل أبناء الشعب الفلسطيني، حيث اكتست صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات النعي والدعاء لوالدته بالصبر، وتحميل الاحتلال المسؤولية عن استشهاده، فيما أُعلن الحداد العام في فلسطين حزنًا على ناصر، وأصدرت كافة الفصائل الفلسطينية بيانات نعي.