شغف طارق يتلاقَى وميراث جدّه في ورشة "خيزران"
تاريخ النشر : 2022-12-13 14:19

ينشغل الأربعيني طارق خلف في تطويع أعواد الخيزران بعد تمريرها على لهب النار. يثنيها، ويلفها، ويجدلها، ثم يثبتها في هيكل كرسيٍ ينوي تجهيزه لأحد الزبائن.

داخل ورشته التي شهدت طفولته ابن عشرة أعوام بين أبيه وجدّه، يبدأ خلف العمل بجد، يستذكر ما تعلمه منهما من إخلاصٍ وتفانٍ ويبدأ باسم الرحمن، معركة الإنجاز التي تنتهي بعد مغيب الشمس بساعاتٍ كل يوم.

تخرّج خلف من الجامعة قبل قرابة العقدين، ولم يكن يفكّر مطلقًا في البحث عن عملٍ في مجال تخصصه! كان شغوفًا بمهنة أبيه، يرى في الورشة التي بناها بعرقه "الماضي، والحاضر، والمستقبل".

تعد ورشة خلف اليوم، مصنعًا يورد الأثاث للعديد من المعارض في قطاع غزة، وينتج كل أشكاله، التراثية، والعصرية: غرف نوم، وكراسي، وطاولات سفرة، وكنب، وأسرّة أطفال أيضًا.

يستورد خلف أعواد الخيزران من جنوب شرق آسيا التي تشتهر بالمناخ الحار ووفرة الماء، ووفقًا لـ خلف هناك الكثير من أنواع الخيزران التي تختلف طريقة تشكيلها، "فالخيزران الطبيعي يمكن تطويعه بالنار، ولا يتأثر أو يتغير لونه، لكن الخيزران الأبيض يتم تطويعه من خلال بخار الماء" يقول لـ "نوى".

وتُخصص بعض أنواع الخيزران لبناء الهيكل الأساسي لقطعة الأثاث، بينما يتم الاستعانة بالأنواع الأخرى لإتمامها بالشكل النهائي، "والخيزران أصلًا، هو اسم لأكثر من ألف نوع من أنوع الأعشاب العملاقة، ذات الجذوع الشبه خشبية، وأغلب أنواعه ذات جذوع مجوفة، ومقسمة إلى عقد أو مفاصل" يضيف.

ويعمل عدد من العمال برفقة خلف في مصنعه الذي يعده بمثابة إرثٍ تُراثي، فقد قارب عمره على مئة عام، وما زالت أبوابه مفتوحة، ومنتجاته تزين معارض الأثاث المنزلي.

يخبرنا خلف: "بدأ جدي هذه المهنة في يافا عام 1929م، وورثها عنه والدي، وها أنا اليوم أكمل المسيرة، وسأكون حريصًا على توريثها لأبنائي، حتى وإن كانت الأوضاع الاقتصادية معيقة للقدرة التسويقية للمنتجات".

يؤمن خلف أن أي مواطن في قطاع غزة يحب أن يقتني قطع أثاث من الخيزران، "ولا يقف حائلًا بينه وبين تحقيق ذلك سوى الظروف الاقتصادية التي عصفت بالقطاع وأهله"، مردفًا: "حجم الإقبال على شراء قطع الخيزران، لا يمكنه أن يعكس اهتمام المواطنين به".

لا يخفي خلف إحساسه بالخوف من اندثار هذه المهنة التي تعد من أهم المهن التراثية القديمة، ملفتًا إلى أن هذا هو ما يدفعه للصمود رغم كثرة التحديات التي تواجه مهنته.

ويسرد خلف بعض التحديات التي تواجه حرفة صنع الأثاث من الخيزران، وأولها: أزمة الكهرباء، "ناهيك عن ارتفاع سعر الغاز عالميًا، ما يؤثر بشكل مباشر وكبير على هامش الربح".

يؤكد خلف أن صناعة الخيزران تأثرت بالحصار الإسرائيلي المستمر منذ 16 عامًا، الذي انعكس على الوضع الاقتصادي، وبالتالي على حركة البيع، معربًا عن أمله بالسماح بتصدير منتجات الخيزران للخارج، من أجل إنعاش هذه الصناعة "التي تواجه خطر الاندثار" على حد تعبيره.