"لائحة" تتيح رفض توظيف ذوي الإعاقة.. وبالقانون!
تاريخ النشر : 2022-12-03 04:11

"تسهيلات لوصول ذوي الإعاقة للوظيفة العامة، أم محاولات لتقييد هذا الحق الذي كفله القانون؟"، تتساءل آلاء منية الحاصلة على درجة البكالوريوس في التاريخ.

رغم اجتياز آلاء الامتحان الوظيفي أكثر من مرة، منذ العام 2017م، وحصولها على ترتيبٍ متقدم بين المتسابقين للحصول على الوظيفة، إلا أنها لم تحصل حتى اليوم على أية فرصة.

وما أثار حفيظة منية التي تعاني من إعاقة بصرية كاملة، وفق التقييم الطبي، ومعظم ذوي الإعاقة بغزة، اللائحة التفسيرية لقانون ذوي الإعاقة، التي أصدرها ديوان الموظفين العام في قطاع غزة مؤخرًا، والتي تنظم عملية توظيفهم وتحدد مدى ملاءمتهم للوظيفة العامة.

خاضت الشابة الامتحان العام مع جميع المتقدمين، وخضعت للمقابلة في مسابقة الوظائف الخاصة بالتعليم لهذا العام، قبل أن تعرض على لجنة تحديد مدى ملائمتها للوظيفة المطروحة، "وهنا كانت الصدمة" كما تقول لـ "نوى"، إذ "فوجئتُ بأشخاص من موظفي الديوان يؤكدون لي أنني لست ملائمة للوظيفة، حتى قبل أن أدخل إلى المقابلة، وبالفعل هذا ما تأكدت منه عند دخولي القاعة".

وتضيف: "جميع الأسئلة كانت بغرض تعجيزي كإنسانة من ذوات الإعاقة البصرية، وكأن اللجنة تحاول أن تحملني وزر الإعاقة، هذا الإحساس الذي وصلني وأظنه وصل جميع من تمت مقابلتهم من ذوي الإعاقة".

وتؤكد منيه أن الإعاقة البصرية لا تشكل عائقًا أمامها كمُدرّسة، ولا يمكن أن تحدد اللجنة الطبية مدى ملائمتها للوظيفة أم لا، "وأدائي في غرفة الصف هو ما يحكم الأمر، ويحتاج إلى مشرفٍ مختص ليفصل في الأمر".

أما الشاب مهند الخطيب، فيؤكد أنه وأحد عشر خريجًا جامعيًا من ذوي الإعاقة البصرية، تقدموا لوظيفة في وزارة الأوقاف، وحصلوا على وعدودات بالتعيين، كون عددهم لا يحثث نسبة الـ 5% المنصوص عليها قانونًا.

لكن المفاجئ –حسب مهند- أن النتائج وإعلان الأسماء لم تتضمن سوى اسمًا واحدًا من بين الأحد عشر متقدمًا لوظائف مختلفة في الوزارة، ذلك "رغم ترشيحنا للوظيفة واجتيازنا الامتحان قبل إقرار اللائحة التفسيرية".

وأقرت لجنة متابعة العمل الحكومي لائحة تفسيرية لقانون توظيف ذوي الإعاقة، تحمل رقم 2 /111 لسنة 2020، فيما يخص تحديد الإجراءات الخاصة بتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في الوظيفة الحكومية، وغير الحكومية، بهدف تنظيم الإجراءات الخاصة بتوظيف ذوي الإعاقة، وضمان مشاركتهم في الوظيفة العمومية.

ويوضح مدير السياسات العامة في ديوان الموظفين العام إياد أبو صفية، أن اللائحة أُقرت بعد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات، التي ضمت ممثلين عن وزارة الصحة، والتنمية الاجتماعية، والعمل، وديوان الموظفين العام.

ويرى أبو صفية الذي تحدث خلال مؤتمر نظمه ديوان الموظفين، لاستعراض وشرح اللائحة، أن عدم إصدار "بطاقة ذوي الإعاقة" حتى اليوم، ساهمت في عرقلة وصول هذه الفئة للوظيفة العامة.

مدير السياسات بالديوان:الحكومة لا يمكن أن توظِّفَ أشخاصًا "لمجرد الشفقة، أو بنظام الكوتة، وهي بحاجة لموظفين منتجين

ويلفت إلى أن اللائحة التفسيرية تشترط أن يكون الشخص من ذوي الإعاقة، منتجًا، وقادرًا على أداء المهام المرتبطة بالوظيفة، وأن يتناسب مستوى الإعاقة للشخص المتقدم للوظيفة مع متطلبات هذه الوظيفة، وأن يتمكن من أداء المهام الوظيفية دون مساعدة الآخرين، وفي حدود الوظيفة، دون وجود عوائق أو قيود مكانية.

كما تشترط اللائحة ألا يتعرض الموظف من ذوي الإعاقة، لأي موقفٍ يشعره بالعجز، أو عدم القدرة على أداء مهامه، أو أن يتعرض بأي شكل من الأشكال للسوء من متلقي الخدمة أو الزملاء.

يتابع أبو صفية مفسرًا: "من مهام اللائحة، تحديد مدى الملائمة المطلوبة لشغل الوظيفة المطروحة، وهذا يعني أن الملائمة لشخصٍ يشغل وظيفة مدرس، مختلفة تمامًا عن الشخص المتقدم لوظيفة مبرمج".

ويرى أبو صفية أن اللائحة نصت على تطوير البنية التحتية في المنشآت، بما يتلاءم مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، "وعليه تم الاتفاق على تشكيل لجنة تحديد درجة الإعاقة، ومدى ملائمة الإعاقة للوظيفة المعلن عنها، والتي باشرت عملها منذ عدة أشهر، لإنجاز مسودة بروتوكول ناظم لعملية التوظيف".

وكرر أبو صفية، أن الحكومة لا يمكن أن توظِّفَ أشخاصًا "لمجرد الشفقة، أو بنظام الكوتة، وهي بحاجة لموظفين منتجين"، ملفتًا إلى أن اللائحة "تجريبية" لمدة عامين، "ولم تُعتمد بشكل نهائي، وقابلة للتعديل".

وحسب أبو صفية تم إنجاز 3% من توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، والعمل جار لإيصال النسبة إلى ـ5%، ويمكن أن تصل لما هو أكثر من ذلك، وفق قوله.

وفي الوقت الذي يرى ذوو الإعاقة فيه، أن اللائحة مجحفة بحقهم في الوظيفة العامة، يؤكد أبو صفية أنها وُجدت لصالح ذوي الإعاقة، إذ تنص على منحهم بعض الامتيازات للحصول على الوظيفة، فعلامة المرور بالنسبة لذوي الإعاقة هي 50%، في حين أنها للأشخاص الأصحاء مرتبطة بالعرض والطلب، ولا تقل عن 80%.

كما يتم منح 10 درجات لمن يجتاز الامتحان، وخمس درجات أخريات لمن يجتاز المقابلة، وفق شرحه.

خلود : شعرت بالإهانة  أثناء المقابلة،فالأسئلة لم تكن لها علاقة بكيفية ضبط الصف الدراسي، بل تمحورت حول ماهية لون ملابس أعضاء اللجنة!!".

هذه الامتيازات لم تر منها خلود (فضلت عدم ذكر اسم عائلتها) شيئًا –كما تؤكد- وتراها مجرد حبر على ورق، إذ تخرجت بمعدل 94% وكانت الأولى على دفعتها في كلية الآداب- تخصص اللغة العربية، وحاصلة على دبلوم تربية، كما أنها عملت بشكل يومي في مدرسة النور للمكفوفين، ومدارس نظامية أخرى لغير ذوي الإعاقة، وأثبتت من خلالها جدارتها، "لكن لجنة تحديد مدى ملاءمة ذوي الإعاقة، حرمتها من الحق في الوظيفة، بعد أن ذيلت تقريرها بكلمة "غير لائق"" على حد قولها.

تضيف: "ناهيك عن كم الإهانة التي شعرت بها أثناء المقابلة، التي لم تكن لها علاقة بكيفية ضبط الصف الدراسي، بل تمحورت حول ماهية لون ملابس أعضاء اللجنة!!".

تتساءل الشابة باستهجان: "كيف لي أن أحدد ألوان ملابسكم وأنا من ذوات الإعاقة البصرية؟ حتى لو كانت إعاقتي غير كلية".

وتردف: "كان ترتيبي العاشرة على مديرية شرق غزة، ولم أحظ بأي امتيازات كتلك التي يتحدثون عنها". ومن هنا ترى خلود أن اللائحة مجحفة بحق ذوي الإعاقة -تحديدًا البصرية- وتطالب بوضع آليات وحلول تضمن حق ذوي الإعاقة بالعمل.

تجربة آلاء تكررت مع عشرات من الخريجين والخريجات من ذوي/ات الإعاقة، الذين/اللواتي لا مجال لعرض شهاداتهم/ ـــن ضمن التقرير.

موائمة الوظيفة أولًا

ويؤكد نادر بشير رئيس جمعية الخريجين ذوي الإعاقة البصرية، أنه تقدم بعدة اقتراحات لوزارة التربية والتعليم، كبدائل لضمان إيجاد فرصة لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة بما يتلاءم مع طبيعة إعاقاتهم، مؤكداً أن ضمان حق هذه الشريحة في العمل، يتطلب موائمة الوظيفة للأشخاص ذوي الإعاقة وليس العكس، وخلق بدائل ممكنة.

وحسب بشير، فإن اللجنة أثناء المقابلات كان لديها حكم مسبق حول الشخص المتقدم من ذوي الإعاقة البصرية كـ"غير لائق للعمل"، بحجة أن الوظيفة المعلن عنها (معلم)، هو لا يستطيع أن يعمل إلا في مدرسة النور والأمل التي لم يعد فيها متسع لمزيد من المعلمين ذوي الإعاقة البصرية.

التساؤل الذي يطرحه بشير هنا: "كيف يمكن أن تصدر حكمك، بشكلٍ يوحي أنك تطلب منهم أن يكتبوا مرفوض؟!"، ملفتًا إلى نقاش دار بين الجمعية ودائرة السياسات بالديوان حول الموضوع، "إلا أنهم يصرون على رأيهم حتى هذه اللحظة".

ويرى بشير أن ضمان وصول نسبة 5% من ذوي الإعاقة للوظيفة العامة، يتطلب أن تكون المنافسة بعد إعلان نتائج الامتحانات بين ذوي الإعاقة أنفسهم، مؤكدًا أن وضعهم ضمن المنافسة مع جميع المرشحين، فيه ظلم وإجحاف لحقهم في العمل.

ونفى أن يكون قد تم إشراك ممثلين عن ذوي الإعاقة في إعداد اللائحة وإخراجها بهذا الشكل، مؤكدًا أن ما حدث، هو دعوة ممثلين عن ذوي الإعاقة خلال الجلسات الأولى، ثم استبعادهم عند إقرار اللائحة.

بشير: "أين يذهب خريجو الإعاقة البصرية من حملة الدرجات الجامعية في التخصصات التعليمية ما دامت وزارة التربية والتعليم، ولجنة تحديد مدى الملاءمة، تعرقلان وصولهم للوظيفة، خلافًا لما يتم الترويج له من مقري اللائحة التفسيرية؟".

ورغم أن المادة (10) من قانون حقوق المعوقين رقم 4 لسنة 1999م، تلزم المؤسسات الحكومية وغير الحكومية باستيعاب عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة لا تقل نسبتهم عن (5%) من إجمالي عدد العاملين، بما يتناسب مع طبيعة العمل في تلك المؤسسات، مع جعل أماكن العمل مناسبة لاستخدامهم، ألا أن نائل الربعي الذي كان يتحدث ممثلًا عن وزارة التربية والتعليم في جلسة استماع نظمها مركز "مساواة"، برر عدم استيعاب الوزارة لذوي الإعاقة البصرية في وظيفة معلم، إلى حاجة الوظيفة لشخصٍ فاعل في غرفة الصف، يمتلك مهارات معينة قد لا تتوفر في الأشخاص ذوي الإعاقة.

وقال :"اللجنة الطبية أعطت 16 متقدمًا من ذوي الإعاقة إجازة دخول المسابقة الوظيفية من أصل 250 متقدمًا من ذوي الإعاقة"، لكن في الوقت ذاته يقر الربعي أن نسبة 5% التي نص عليها القانون "غير مضمونة في وظائف المعلمين (..) هذا ممكن في وزارات أخرى غير وزارة التربية والتعليم، لخصوصية متطلبات الوظيفة".

الهيئة المستقلة  لحقوق الإنسان أكدت  خلال ورشة  متخصصة لنقاش اللائحة  أن تشكيل لجنة حكومية دائمة لتحديد درجة الإعاقة، تختص بنظر طلبات التوظيف المحالة إليها من ديوان الموظفين ، لتحديد مدى ملائمتهم لشغل الوظائف المتقدمين إليها إجراء استباقي قبل تمكين الشخص ذوي الإعاقة من التقدم للوظيفة العمومية، وهو ما اعتبرته الهيئة قيدا إضافياً، ومعيق موضوعي يحد من وصول الأشخاص ذوي الإعاقة لشغل الوظائف الحكومية وفق للنسبة القانونية.

 كما رأت الهيئة أن البند السادس في اللائحة، تضمن تهرباً قانونياً من الالتزام بتوظيف النسب المحددة في القانون، وذلك من خلال إيجاد بديل عبر إطلاق مشاريع تشغيل مؤقتة للأشخاص ذوي الإعاقة ما يتنافى مع معيار الادماج باعتباره حجر الأساس التي تقوم عليه اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، باعتبار انه لا يوجد شخص معاق، ولكن توجد بيئة معيقة.

عودةٌ إلى نادر بشير الذي عقب على هذه النقطة بقوله: "الديوان والحكومة يقران لائحةً من المفترض أن تسهّل وصول ذوي الإعاقة للوظيفة بيد، وباليد الأخرى تضع اللجنة المقرة قرارات تقول بأن الشخص المتقدم غير لائق، ما يحرمه من كل الامتيازات التي أعلن عنها الديوان في اللائحة"، متساءلًا: "ما هي فائدتها إن لم تحقق للأشخاص ذوي الإعاقة امتيازات تضمن وصولهم للوظيفة العامة؟".

ويزيد: "أين يذهب خريجو الإعاقة البصرية من حملة الدرجات الجامعية في التخصصات التعليمية ما دامت وزارة التربية والتعليم، ولجنة تحديد مدى الملاءمة، تعرقلان وصولهم للوظيفة، خلافًا لما يتم الترويج له من مقري اللائحة التفسيرية؟".

وفي الوقت ذاته يحاول الربعي التأكيد على أن الوزارة، لا تتخذ موقفًا من ذوي الإعاقة، "وتعيينهم يتم في حال كان هناك احتياجًا فعليًا في أماكن يمكن استيعابهم فيها".

"وعليه، نسمع جعجعةً ولا نرى طحينًا"، هكذا يعقب عبد الله السيد، الطبيب الصيدلي الذي تعرض لإعاقة بصرية كاملة، بعد انتهاء دراسته الجامعية، ويحاول منذ العام 2012 الحصول على وظيفة، لكن كان دائمًا الرد جاهز: أنت لا تصلح للعمل بسبب إعاقتك البصرية"، متساءلًا: "ما الجديد الذي منحته لنا اللائحة إذن؟ وما هي البدائل التي قدمتها لنا الحكومة كأشخاص من ذوي الإعاقة، بعد أن أصدرت حكمًا بموتنا أحياء، وحرماننا من حق العمل؟ ولماذا لم يتم النظر لمقترحات بديلة قدمها ممثلون عن ذوي الإعاقة أو الرد على مقدميها حتى؟.. يتساءل.

لم تتمكن "نوى" من الحصول على إجابة شافية لانشغالات مدير السياسات العامة في ديوان الموظفين، وفقاً لقسم العلاقات العامة بالديوان !!