"ومات كل من كان في المنزل".. هذه غزة
تاريخ النشر : 2022-11-18 18:51

قطاع غزة:

يعدد الفلسطينيون طرق موتهم. لا يتحدثون عن النجاة منذ مدّة، فقط عن الموت. يزايدون في التفاصيل القاسية عنه. يستفيضون بالحديث كلما دوى صوت انفجار أو انطلقت رصاصة، أو شب حريق لأسباب ليست سياسية؛ تمامًا كما حدث في فاجعة جباليا مساء السابع عشر من نوفمبر للعام 2022.

"لم ينجُ أحد" عبارة بليغة، ترى الأحد ما رقمه بين الضحايا الـ (21) أو بعدهم؟ بدأت القصة عندما سمع الناس صراخ جيرانهم في منطقة تل الزعتر الواقعة بمخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، صراخٌ مدوٍّ، ورائحة أجسادٍ تحترق قادتهم لمشهد لهبٍ يتصاعد من عمارة سكنية تسكنها عائلة "أبو ريا".

هرولت أقدام العشرات حتى مرّ الموت أمام أعينهم. موت امرأة أخذت تصرخ "إلحقونا إلحقونا" من خلف حماية حديدية توضع على شبابيك المنازل لحماية الأطفال من السقوط! يا ليت "الحماية الحديدية" لم تكن موجودة، كنا فرشنا أجسادنا ليسقطوا عليها بدلاً من أن تحاصرهم النيران فتحرقهم جميعًا" يقول أحد جيرانهم باكيًا.

الصدمة الأكبر عندما صمّم طفل أن يروي شاهدته، فقال: "كنت في لحظة اندلاع الحريق. شاهدتُ الجثث عند إخراجها، وكنتُ أعُدها. كانوا عبارة عن عظام من كثرة تفحمهم".

شهادة ثقيلة من الطفل أنس منصور، يضيف: "عددهم عكس عمري"، هكذا سار يحسب. هو يعيش منذ 12 عامًا، وشهِد وفاة 21 شخصًا من جيرانه مرّة واحدة. "حدثٌ لن ينساه طيلة حياته" يؤكد.

تواجد رجلٌ آخر اسمه حسن شرف (43 عامًا)، وهو شاهد عيان وجار الضحايا، يتأمل المنزل المحترق، ويحاول مقاربة المشهد. أخذ يمثل كيف لجأ أطفال ونساء للشبابيك لطلب النجدة.

وفي التفاصيل يخبرنا: "شاهدتُ امرأةً كانت تصرخ وتحمل الهاتف بيدها، وتحاول الاتصال على أحد، لكنها سقطت فجأة عندما وصلتها النار".

حاول حسن وجيرانه التدخل من أجل إنقاذ العائلة قبل وصول الشرطة والدفاع المدني، لكنه يصف الأمر بالمستحيل لهول الحدث، فالنيران تأكل كل ما يمر في طريقها، والدخان اجتاح المنطقة بأكملها. "كان من الخطر أن نستمر بالمحاولة في داخل المنزل فانسحبنا" يعقب.

لم يستوعب صدمته بعد، وكذلك معاذ الكحلوت الذي ساهم بتسلق جدران المنزل للوصول إلى داخله، وفتح باب المبنى الكبير، لكن بكل أسف معظم أبواب العمارة والشقق كانت محكمة الإغلاق ما زاد من حجم المأساة.

مشهدان: "امرأة تحترق، وجثث خرجت كالحطب أمام عيني" يخبرنا. يبدو أن معاذ سيحتاج سنوات لا تُعد لتجاوز الصدمة على حد قوله.

أعلن الحداد العام على أرواح الضحايا في قطاع غزة والضفة الغربية، لم تغب المأساة عن منازلهم، وصار يُحكى في الموت وكأنه فقد هيبته كحدثٍ عادي يمرّ فوق أجساد الأبرياء المحاصرين هنا، لكن بطرقٍ مختلفة. 21 حكاية انتظر الناس روايتها، لكنه الموت.. إلى هنا.