هكذا عصف "السكري" بتفاصيل "إسراء" الصغيرة
تاريخ النشر : 2022-11-15 01:52

"مرَت 21 سنة، لكن هذا المشهد لا يفارق ذاكرتي أبدًا. هناك انفصلتُ عن حياتي العادية؛ لأبدأ منعطفًا لا يشبهني. كان عمري تسع سنوات، عندما تقيأتُ كل ما في بطني فجأة قبل أن يُغمى علَي. حملني أبي إلى المستشفى، وتلقّى هناك صدمة عمره: ابنتك.. حبيبتك، وريحانة عمرك.. مريضة سكر". 

بصوتها الهادئ الدافئ بدأت إسراء الغزالي قصّتها لـ"نوى" حيث كانت طفلة، انحنت مع قدرٍ عصف بتفاصيلها الصغيرة المُحبَّبة: لا سُكّر، لا بونبوني، ولا شوكولاتة إلا بقدَر، لقد أصبحت صديقة التفاح، والشاي غير المحلّى فجأة! طفلة، عليها أن تلتزم بقوانين أكبر منها بكثيرٍ لا لشيء، فقط كي تجعل حياتها قابلةً للعيش والتعايش مع مرضٍ يمكن أن يصيب الكبير والصغير أيضًا.

إسراء التي أصبحت على دراية بكل تفاصيل المرض، عرفَتْ منذ البداية أن إصابتها به جاءت نتيجة خلل في جهاز المناعة يؤثر على جهاز البنكرياس، "بحيث يتوقف بشكل تام عن إنتاج الأنسولين".

خلال الفترة الأولى من الإصابة لم تتوقف إسراء عن التردد على المستشفى لضمان ضبط وتنظيم السكر في الجسم، ثم بدأت تتأقلم وعائلتها مع المرض بعد امتصاص الصدمة. لكن إسراء التي كان عمرها لا يتجاوز التاسعة آنذاك، صدمت بقائمة ممنوعات ومسموحات من الغذاء. تقول: "لا يوجد ممنوع مطلق في هذا الأمر، لكن النسبة والتناسب فيما يتناوله مريض السكر هو ما يمكن أن يخلق الفرق، وهو ما يجعل المريض قادرًا على أن يتعايش مع مرضه، لا سيما لو كان صغيرًا في العمر، وعلى هذا الأساس كانت تتعامل عائلتي".

تعرضت إسراء كثيرًا للتنمر من قبل زميلاتها في المدرسة بسبب إصابتها بالمرض، لكن كل شيء كان يصبح بخير بفضل عائلتها ووالدتها تحديدًا، التي كانت تدعمها في تخطّي الأوضاع النفسية التي كانت تصاحبها مع كل موقف تتعرض له.

ما زالت إسراء تتذكر تلك الزميلة في المدرسة، التي كانت تتعمد أن تخبر الجميع بمرضها. "كانت تشعرني بأن هذا المرض وصمة عار علي أن أتخلص منها" تعقب، مضيفةً: "حتى المحيطين بي خارج إطار العائلة، يشعرونني وكأنني مصابة بمرض خطير، وأن ما تبقى لي في هذه الحياة بضعة أيام. ناهيكم عن أن لا مستقبل يمكن أن ينتظر فتاة مريضة".

وتردف: "أذكر أنني كنت أعود لأمي منهارة، لكنها كانت بالفعل قادرة على أن تمنحني القوة والإحساس بالأمان، ما جعلني أتمكن من مواجهة كل مواقف التنمر فيما بعد بكل قوة".

ترى إسراء أن مخاوف الأهل تجاه طفلهم مريض السكر الزائدة، يمكن أن تنعكس سلبًا عليه، وعليه توجه "وهذا من واقع التجربة"، موصيةً الأهالي أن تكون المتابعة طبيعية، دون أن يشعروا الطفل بأنه مختلف عن بقية إخوته، وأن يكونوا داعمين أقوياء له في مواجهة التحديات التي يمكن أن تقابلهم خارج المنزل.

وتتابع: "يمكن أن يتناول الأهل الطعام بذات المقدار المقرر للطفل مريض السكر، بحيث يشعر بأن هذا هو الحد الطبيعي، وعلى بساطة الأمر لكنه يساعد الطفل على تقبل ذاته، ومرضه".

أما أكثر ما يوجع وفقًا لتجربة إسراء، فهو تعامل نسبة كبيرة من المجتمع مع الفتيات ذوات الأمراض المزمنة وتحديدًا مرضى السكر، وكأنهن موصومات بذنبٍ لا يغتفر، "لا يمكن الاقتراب منهن في مواضيع لها علاقة بالارتباط والزواج"، والمواقف التي تعرضت لها إسراء كثيرة.

بالرغم من ذلك ترى إسراء أن "إخفاء حقيقة الإصابة بالمرض لا يمكن أن تكون مقبولة بالنسبة لعائلة المتقدم للزواج، وكذلك الأمر بالنسبة للرجال مرضى السكر".

مؤخراً أصبحت إسراء تتردد على جمعية مرضى السكر في قطاع غزة، وتقول: "أردتُ أن أشعر أنني لست وحدي".

أكثر ما يبعث على الضيق في حياة إسراء، تدخلات الآخرين وتعليقاتهم الجارحة، وكل ما تريده منهم "الرحمة". تعلق بأسى: "ارحموا مرضى السكر.. فقط هذا ما نريده".

ويحيي العالم، اليوم الدولي لمرضى السكري في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، وذلك بهدف التوعية من مخاطر داء السكري، وطرق الوقاية منه.