غزة.. "روبوت" يتحسّس نبض الحياة تحت الرُّكام
تاريخ النشر : 2022-06-20 13:08

ربما كانت المشاهد الأكثر قسوةً وصعوبةً بعد عمليات القصف التي تطال منازل المدنيين في كل عدوانٍ إسرائيلي على قطاع غزة؛ عمليات البحث المضنية لطواقم الدفاع المدني والإسعاف عن مصابين أحياء، أو مفقودين تحت الركام.

كثيرون انقطعت أنفاسهم وهم بعيدون عن مركز البحث، مردومون تحت كتل الإسمنت، وأعمدة الحديد، وتلك الأحلام التي خاطوها معًا لمستقبلٍ لم يروا منه بعد شيئًا! غرسَتهم الصواريخ في أعماق الأرض فلم يسمع استغاثتهم أحد، وما استطاع الوصول إليهم أحد. يخرجون بعد أيامٍ جثثًا هامدة، ويُزفّون شهداء على أكتاف المشيعين، ووسط سيلٍ من دموع الأمهات الثكالى.

طلبةٌ ثلاثة في المرحلة الثانوية، من محافظة رفح جنوب قطاع غزة، كانوا ممن شهدوا عدوانات الأعوام 2008م، و2012م، و2014م، و2021م، وكانوا في كل مرةٍ يهولهم فيها هول المشهد، فيسألون أنفسهم: أما من وسيلةٍ تدلنا على قلبٍ ينبض تحت كتل الإسمنت والحديد هنا؟  حتى قرروا أن يجدوا الإجابة "فمن يدري متى يباغتنا عدوان جديد" يقول يوسف عقل لـ "نوى".

يوسف، ومعه أحمد وراما إبراهيم، أطلق العنان لتفكيره معهما، فبدأ ثلاثتهم بالبحث، وتحت إشراف معلمتهم "إيمان ماضي"، عن وسيلةٍ تضع حدًا للاستغاثات المكتومة تحت الركام، وكانت النتيجة "روبوت ذكي" يمكنه مساعدة طواقم الإسعاف على تحديد أماكن المفقودين تحت الأنقاض.

الابتكار الذي توصّل إليه الطلبة الثلاثة، هو عبارة عن آلـة متحركـة تعمـل عـن بُعـد باسـتخدام تطبيـقٍ تـم تصميمـه علــى الموبايل، ويعمــل بواسطة البلوتـوث، ويستطيع الوصــول إلــى المصابين تحت الأنقاض فــي الحــروب والكوارث بسرعةٍ أكبر بكثير من تلك التي يستغرقها البحث اليدوي.

ويــزوّد الروبوت المســعفين بصــورة عــن واقــع الميــدان، بحيــث يمكّنهم مــن اتخــاذ القــرارات المناسبة فــي التحــرك وطــرق الإنقاذ، الأمر الذي يقلــل تعــرض طواقــم الدفــاع المدنــي للمخاطــر، ويســرّع الوصــول للمصابيــن.

يقول أحمد إبراهيم: "كنا نبحث عن ابتكارٍ يمكن أن ننفع به مجتمعنا في ظل الاعتداءات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، لا سيما بعد أن فُجعنا خلال العدوان الماضي بعشرات المنازل التي سقطت فوق رؤوس ساكنيها، وعشرات الناجين تحت الركام.

تمكن الثلاثة من اختراع "روبوت الإنقاذ" باستخدام أدواتٍ إلكترونيةٍ بسيطة موجودة في البيئة المحيطة، وفق ما ذكرت راما (16 عامًا) لـ"نوى".

تضيف: "وضعنا نصب أعيننا هدفًا واحدًا، وهو مساعدة فرق الإنقاذ في عملهم، بعد أن تابعنا جميعًا كيف واجهوا الكثير من الصعوبات والمخاطر أثناء محاولات إخلاء الجرحى من تحت الركام".

وتتابع: "كل ما أردناه أن يتمكّن المنقذون من الوصول للجرحى والمصابين في الوقت المناسب، وقبل فوات الأوان".

وكان أكثر ما أثّر في فريق الابتكار، أن طواقم المسعفين والدفاع المدني، واجهوا مواقف غاية في الخطورة، ووقفت الإمكانيات المادية في كثير من الأوقات عائقًا، ما تسبّب في سقوط العديد من الشهداء، أو إصابتهم بشكلٍ خطير قبل أن تتمكّن الطواقم الطبية من الوصول إليهم.

خامات بسيطة، براغي، ومصدر كهرباء، وكاميرات مثبّتة، هي مجمل الأدوات التي استخدمها الطلبة في ابتكارهم الذي حظي بالمركز الأول في المعرض العلمي التقني، الذي نفذّته وزارة التعليم بغزة الشهر الماضي، الذي شمل العديد من المشاريع الابتكارية النوعية من طلبة المدارس الحكومية بغزة.

ولكن كيف يعمل الجهاز؟ تجيب راما: "الروبوت عبارة عن صندوق صغير يسير على عجلات، ويحمل لوحة إلكترونية تساعد على التحكم به عن بعد عن طريق البلوتوث، من خلال تطبيق مثبّت على الهاتف النقال".

صعوبات عديدة واجهت الطلبة الثلاثة أثناء تنفيذ فكرتهم، أهمها وفقًا لـ"يوسف" (16 عامًا): "المشكلة الأساسية التي واجهتنا هي عدم توفر الأدوات المطلوبة، ما اضطرنا لاستخدام البدائل المتاحة"، ملفتًا إلى أن الفريق كان بحاجة لكاميرا مثبّتة، صغيرة الحجم، ومانعة للاهتزاز، لكن لعدم توفرها في قطاع غزة المحاصرة، اضطرَّ الفريق لاستخدام بديلٍ متوفر بمواصفاتٍ أقل.

ويرى عقل أن الحصار المفروض على قطاع غزة، ومنع إدخال العديد من الأجهزة الذكية يأتي في إطار محاولات الاحتلال إحباط أي نهضة في مجال الابتكارات والاختراعات ذات الفائدة.

يأمل أحمد وراما ويوسف أن يتم تبنّي مشروعهم وابتكارهم، وأن يتمكنوا من تطوير روبوت الإنقاذ من عربةٍ بعجلات، إلى مجسمٍ على هيئة ثُعبان، يكون قادرًا على تخطّي كافة العقبات والحواجز بأقصى سرعة، لتمكين الفرق الطبية من انتشال المصابين من تحت الركام في الوقت المناسب.