عن غزة.. و"غفوة" روح القانون في قضايا "الغلابا"
تاريخ النشر : 2022-06-05 13:59

فوجئ الشاب إبراهيم المجايدة صباح الخميس، الثاني من يونيو/حزيران الجاري باتصالٍ هاتفيٍ وردهُ من أحد أصدقائه يبلغه فيه بأن المعرّش الذي أقامه أمام منتزه البلدية على شاطئ بحر مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، أُزيل بالكامل!

وفي التفاصيل، وصل الرجل إلى المكان فوجد أخشاب المعرّش الذي نصبَه مع بداية الصيف لكسب قوت عياله مفككةً وملقاةً على الأرض، فيما لم يكن هناك أثر للكراسي، "فقد صادرتها شرطة البلدية" يقول لـ "نوى".

جاره صالح الأسطل أيضًا، وجد معرشه أثرًا بعد عين، تمامًا كما صاحبه، "في حين بقيت معرشات أخرى كما هي دون أن يمسسها أحد بضر" يضيف.

في البداية لم يدرك الاثنان الجهة التي عمدت إلى ذلك التصرف، "لكن شهود عيان تواجدوا في المنطقة، أبلغونا بأن شرطة البلدية هي التي أزالت المعرشات فجرًا" يستدرك.

يتابع الأسطل: "نحن هنا لكسب رزق عيالنا، وحتى لو أرادوا مخالفتنا تأسيًا بالقانون، فبأي حقٍ يحطمون ويكسّرون معرشاتنا التي يعلم الله وحده كيف تمكّنّا من تجهيزها من أجل استقبال الصيف الذي نعدّه فرصةً مواتيةً للرزق".

يعاني الأسطل من استقامةٍ في العمود الفقري، ويعيل أسرةً وزوجةً وأطفالًا، ولا يستطيع العمل بأي مجالٍ يحتاج إلى جهدٍ بدني، "وحتى راتب الشؤون الاجتماعية منقطع منذ ما يزيد على 15 شهرًا" يزيد.

في العام الماضي، انتفع الرجلان من فكرة معرشات الصيف "وبشكل قانوني من خلال استئجارها من قبل البلدية"، ولكن الرياح لم تجرِ كما تشته السفن هذا العام، فبعد أن جهّزا الأمور كلها، "وبالكاد افتُتح الموسم" رُدم الحلم، وبات الرزق على مسافة "اتفاقٍ جديدٍ مع البلدية، وإعادة إصلاح لما تم تخريبه على يد شرطة البلدية" يردف صالح.

ويتساءل الرجل: "لماذا لم يتم إخطارنا بالإزالة؟ لقد أجلنا الاستئجار الرسمي هذا العام قليلًا إلى أن يتحرك الموسم، ونستطيع جلب المال من ربح البيع للمصطافين، لكنهم للأسف لم ينتظرونا".

ويتابع بحسرةٍ النظر إلى معرشه الذي أصبح أثرًا بعد عين، ثم يكمل: "ألا يكفي أننا نعاني الويلات من أجل الاستمرار في الحياة بكرامة في ظل الغلاء الذي طال كل شيء؟"، مردفًا بانفعال: "هذه غزة، نحن مع القانون ولا نستطيع أن نقول شيئًا بخصوصه، لكننا وإن خالفنا فلأننا نعيش أوضاعًا استثنائية، وهي ليست خفيةً على أحد! فرص العمل شبه معدومة، ومخالفة القانون فيما لا يضر غيري وينفعني في قوت عيالي ليس مخالفة، هناك روحٌ للقانون الذي يتحدثون عنه".

يتساءل الشاب: "لماذا لم يتم إبلاغنا بشكل رسمي، ونحن بالعادة ندفع مقابل استئجار الشاطئ؟ لماذا ضرّونا بقوت أطفالنا الذي نجنيه بشق الأنفس؟".

وتابع بغضب: "ناهيك عن احتياجات الأسرة من مأكلٍ ومشرب، أنا بالكاد أستطيع العمل وبمساعدة الأدوية والمسكنات، وكذلك زوجتي التي تعاني من التهابات مزمنة في الأذن، فكيف سنتدبر أحوالنا، وصناع القرار يتجاهلون الإنسانية في التعامل معنا كشريحة مطحونة في المجتمع؟".

وزاد على ذلك قوله: "كان يكفيهم أن يبلغونا، أو أن يصادروا الكراسي إلى حين تصويب أوضاعنا بشكل قانوني، واستكمال إجراءات الاستئجار، دون الإضرار بمصدر رزقنا الوحيد في ظل وضعٍ لا يَخفَى على أحد. إنه الواقع الأسوأ في قطاع غزة المحاصر منذ 16 عامًا".

وقال: "نريد أن نعيش بكرامةٍ. كل ما نريده أن تقف البلدية والجهات المعنية إلى جانبنا، لا أن تحارب مصدر الرزق الذي نحاول أن نستند إليه باقي شهور السنة بهذه الطريقة".

وفي ردٍ لبلدية خان يونس، نفى منتصر شراب مسؤول تأجير الشاطئ -وعلى عكس ما قاله شهود العيان للمجايدة والأسطل- أن تكون البلدية قد قامت بإزالة أو تكسير أي معرشات، موضحًا أن إجراءات البلدية في هذا الإطار تبدأ بإخطارات رسمية، تليها عملية مصادرة للكراسي لحين تصويب الوضع القانوني معها.

وأوضح شراب أن البلدية تسعى من خلال إجراءاتها، لتوفير مساحات مفتوحة للمصطافين على شاطئ البحر، وهو ما يجعل الشاطئ ينقسم إلى عدة أقسام، "أحدها يبقى مساحات مفتوحة للمواطنين دون دفع أي مقابل، ومساحات يتم تأجيرها لأصحاب الكافتيريا بمساحة لا تزيد على عشرين مترًا من الشمال إلى الجنوب لكل واحدة، ومفتوحة باتجاه البحر مقابل 3 آلاف شيكل طوال الموسم، أما القسم الثالث، فهو لصالح المنتزهات العامة التي تشرف عليها البلدية، وقسمٌ يمنح لبعض الجمعيات الخدماتية التي تقيم فعاليات صيفية على شاطئ البحر".

ولفت شراب إلى أن جميع مستأجري المعرشات على شاطئ البحر عليهم استحقاقات لصالح البلدية من السنوات الماضية، "ورغم ذلك لم يصدف أن البلدية أزالت، أو كسّرت أي ملحقات بهذه المعرّشات من قبل"، مرجحًا إن التكسير تم بسبب مناكفات بين أصحاب المعرشات الموجودين في تلك المنطقة، وليس على يد البلدية.

وأشار شراب إلى سيطرة أصحاب العربات المتجولة على المساحات الفارغة التي تسعى البلدية لإبقائها مفتوحة لصالح المواطن الذي لا يملك القدرة على  استئجار كرسي أو طاولة، ملفتًا إلى أن البلدية كانت تسمح لأصحاب العربات المتجولة بالعمل خلال الموسم؛ "لكن وبشكل تدريجي تم تثبيت العربة، ووضع كراسي وطاولات، وهذا يجعل المواطن محاصرًا على طول الشاطئ، ولا يملك أي متنفس دون دفع مقابل".

ويختم: "هذا دفع البلدية لإرسال إخطارات لإزالة هذه التعديات على المساحة المتروكة لصالح المواطن، مع العلم أن آخر الإجراءات التي نتبعها هي مصادرة الكراسي مع ضمان الحفاظ عليها لحين تصويب الوضع القانوني".