مدخّنون يصفون تجربة "الفكاك": كنصرٍ بعد حرب
تاريخ النشر : 2022-05-31 16:36

"بدأتُ في سن العاشرة، كنتُ صغيرًا جدًا، لكن في ذلك الوقت كان جميع من حولي يدخنون" يقول سفيان أبو الندا (52 عامًا) لـ"نوى".

والد الرجل وأعمامه وأخواله، كانوا أصدقاء مخلِصين للسيجارة، لدرجة أنهم كانوا يضعونها كضيافة في جلسات السمر، وهذا ما جعل سُفيان يمضي مع الرَّكب دونما تردد أو خوف.

يضيف: "راودَتني فكرة الإقلاع عن التدخين في أحد أيام نوفمبر من عام 2018م، عندما ارتفع سعر الدخان في وقتٍ تضاءل فيه راتبي، وازدادت مسؤولياتي الأسرية، لكن الأمر حقيقةً لم يكن بهذه السهولة".

قبل ذلك اليوم، خاض أبو الندا الكثير من المحاولات، "وكلها باءت بالفشل" حتى جاء ذلك الوقت الذي نجح فيه أخيرًا في الإقلاع عن التدخين بلا رجعة.

يصف الرجل الذي يُكنى "أبو عدي" الأمر بقوله: "كان أشبه بمن يتخلص من الإدمان، فبعد 38 سنة من تدخين ما يقارب ثلاث علب يوميًا، كان من الصعب أن تنقلب حياتي فجأة إلى توقفٍ كامل (..) حبستُ نفسي في غرفتي أيامًا طويلة بعيدًا عن أي مؤثرات ومغريات، حتى أنني كنت في بعض الأوقات أضرب رأسي بالحائط".

عشرون يومًا بالتمام والكمال، تخلّص خلالها جسد سفيان من آثار النيكوتين كاملة، "وبدأتُ أتأقلم مع حياتي بلا سجائر" يزيد.

ويوافق الحادي والثلاثين من مايو/ آيار من كل عام، اليوم العالمي للامتناع عن التدخين وفق قرار منظمة الصحة العالمية، ذلك لإبراز المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ، والدعوة لوضع سياسات فعالة للحد من استهلاكه.

وترفع المنظمة هذا العام شعار "التبغ يهدد بيئتنا"، فيما أصدرت بيانًا جديدًا قالت فيه: "إن التبغ يقتل أكثر من 8 ملايين شخص كل عام ويدمر بيئتنا، ويزيد من الإضرار بصحة الإنسان، من خلال الزراعة والإنتاج والتوزيع والاستهلاك ونفايات ما بعد الاستهلاك".

وبالعودة إلى أبو عدي فقد فشل عدة مرات -وفق اعتقاده- عندما قطع عن نفسه كل المنبهات بالإضافة إلى السجائر مرةً واحدة، ليفطن إلى الأمر في المرة الأخيرة، ويحاول تعويض النيكوتين بالكافيين الموجود بالقهوة والشاي أيضًا.

ويرى أبو عدي أن الإنسان الذي ينجح في الإقلاع عن التدخين، ثم يعود إليه ثانيةً، "يرتكب بحق نفسه جريمة لا تغتفر"، ويتساءل: "أجزم أن جميع المدخنين بعد مدة معينة يتمنون لو يقلعون عن التدخين، فكيف يمكن لمن يُشفى أن يعود لينتهك أمان صحته بملء إرادته بعد أن تعافى؟".

تجربةٌ أخرى ناجحة تسوقها "نوى" لمقلعٍ آخر عن التدخين، لكن صاحبها لا يرى فيها أي "بطولة" وفق تعبيره، فقد أجبره المرض على التوقف عن شراء السجائر، ولم يتركها بقرارٍ وإصرار، أو وفق خطة.

يقول زياد أبو روك: "تعلقت بالسجائر وأنا في عمر الثامنة والعشرين، كان الأمر أشبه بطقوسٍ لجلسات الأصدقاء وسهراتهم، وبعد ما يقارب ست سنوات، أصبتُ بجلطة في قدمي، وفي المستشفى لم يكن بمقدوري التدخين احترامًا للمرضى وليس خوفًا على حياتي، وبعد أربعة أيام من المكوث في المستشفى بدون تدخين، أيقنتُ أن الإقلاع عنه ليس بالصعوبة التي كنت أتوقعها". وهذا ما جعله يتخذ قرارًا بعدم التدخين ثانيةً.

لا يملك أبو روك نصيحة سحرية للمدخنين تساعدهم في الإقلاع عنه، حتى أن الأمر -يضيف- غير مرتبط بارتفاع أو انخفاض سعره، "فالمدخن حتى لو لم يكن يملك شيكلًا واحدًا، ستجد أنه قادر على تدبير ثمن السيجارة" يعقب.

أما الإقلاع عنه فلا يحتاج إلا قرارًا وعزيمة ينبعان من داخل الشخص، "وأي محاولات للإقناع من قبل المحيط لن تجدي نفعًا إن لم يكن المدخن صاحب إرادة وقرار" يختم.

وأظهر مسح للجهاز المركزي للإحصاء أن أكثر من ثلثي الذكور فوق سن 18 سنة في الضفة الغربية هم من المدخنين، بينما تنخفض النسبة إلى الثلث في قطاع غزة.

وتصل نسبة المدخنين في المجتمع الفلسطيني بين الأفراد بعمر 18 سنة فأكثر إلى 54%، مقابل 8% من الإناث.

وسجلت محافظة رفح النسبة الأعلى للمدخنين في قطاع غزة، بينما جاءت خانيونس في الترتيب الأخير بين محافظات القطاع من حيث أعداد المدخنين.

وإذا كان كثير من الأشخاص يملكون الإرادة القوية للإقلاع عن التدخين، فإن بعضهم تضطره بعض المواقف للعودة إليه دون شعور، وهو ما حدث مع محمد مقداد الذي تعلم التدخين في آخر عام جامعي له، بعد أن استأجر مع مجموعة من الأصدقاء شقة في ظل إغلاق حاجز أبو هولي والتضييقات التي كان يعاني منها الطلاب قبل عام 2005م.

يقول لـ"نوى": "في ذلك الوقت بدأت التدخين، لكنني كنت أكتفي بتدخين نصف علبة يوميًا، واستمر الحال لسنوات، حتى اتخذت قراري في عام 2014م بالإقلاع عنه، وبالفعل كان الأمر في غاية السهولة والمتعة، لكنني بعد أربعة أعوام عُدت له بعد وفاة صديق الطفولة بشكل مفاجئ".

يتابع: "كان الأمر أشبه بصدمة عانيت كثيرًا حتى تعافيت منها، لكنني لم أقلع بعد عن التدخين الذي عدت إليه يوم وفاة صديقي دون وعي مني، بعد أن عرض عليَّ أحدهم سيجارة، دخنتُها واشتريت بعدها علبةً على الفور".

ويعتقد مقداد أن الإقلاع عن التدخين أمر غير مستحيل، "بل إنه يضفي إحساسًا بالمتعة والانتصار، ولا يحتاج إلا لإرادة وعزيمة".