الخيل كهدفٍ لـ"إسرائيل".. مُربّون يصفون مرارة "الفقد"
تاريخ النشر : 2022-05-22 15:22

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"نحنُ مربو الخيول لا نتعامل مع موت فرسٍ على أنه حدثٌ عابر. نحنُ نُربّي بكل ما أوتينا من رأفة، فإذا مات.. أو قتل كما حاله هنا في غزة، كأنما قُتلنا نحن" يقول عمر شاهين لـ "نوى" بنبرةٍ تقطر حزنًا.

شاهين، وهو رئيس رابطة خيول غزة، ومربٍ للخيول منذ قرابة 33 عامًا، فقد مهرةً خلال العدوان الأخير على غزة. يضيف: "كانت وليدةً لأفضل وأجمل الخيول على مستوى قطاع غزة. سلطانة، التي اشتريتها بمبلغ 37000$، وكانت حاملًا في شهرها الخامس. كانت فرحتي بالمُهرة الصغيرة لا توصف، فاعتنيتُ بها كما لو كانت ابنتي، وداومت على العناية بها حتى أصبح عمرها عامين، وقبل أن تتلقى لقاحها الذي كان محددا أواخر أيام من العام الماضي، أتت الحرب مسرعةً وقتلتها".

يقع الإسطبل الخاص بشاهين في منطقةٍ زراعية شمال القطاع، حدث فيها استهدافٌ قريب فتناثرت الشظايا حتى وصلت إلى المُهرة التي كان قد أطلق عليها اسم "أميرة"، وكسرت جمجمتها.

رغم عدم تقصيره في علاجها، وفي الثالث والعشرين من شهر العدوان ذاته، أخبره الطبيب بأن حالتها تزدادُ سوءًا. "ذهبتُ إليها وكلما ناديتها كانت تجوب المكان بحركاتٍ جنونية نتيجة الألم الجديد، كانت تسمع صوتي لكنها أبدًا لم تكن تراني فقد أصيبت بالعمى بسبب الشظايا" يخبرنا الرجل.

تعيش الخيل سلطانة حتى اللحظة حزنًا واسعًا على وفاة ابنتها الصغيرة، ولم تحمل مجددًا بسبب وضعها النفسي السيء. إنها تعيش في إسطبلها وحيدة برفقة خيلي "قدر"، "بعد أن بعتُ الكثير من الخيول الأوروبية التي كنتُ أملكها بعد أن أُصبتُ أنا الآخر بصدمةٍ نفسيةٍ كبيرة" يُعقب.

أدى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، إلى موت ثمانية خيول، ودخول العشرات منها في حالة صدمة نفسية، استدعت المداومة على العلاج بسبب قلة الحركة.

دياب دغمش الآخر، يمتلك إسطبلًأ خاصًا، يحوي عددًا من الخيول الأوروبية والعربية التي يستخدمها في حفلات الأفراح الشعبية للرقص والتصوير.

يقول لـ "نوى": "هي مصدر رزقي الوحيد، في العدوان الأخير ماتت لي 5 خيولٍ لي، عندما غبتُ عن المكان أيامًا طويلة ولم أستطع إطعامهم بسبب الاستهداف المستمر للمنطقة".

يضيف مستذكرًا ما حدث بألم: "عندما زرتهم آخر مرة قبل أن يلقوا حتفهم، كانت دانا (اسم مهرة) قد ماتت بسبب الجوع، وبعد أسبوع ماتت ابنتُها "ذهب" حزنًا على والدتها ولعدم تقبلها طعامًا غير حليب أمها، كما أن فرسةً أخرى ولدت مهرًا هالكًا، ناهيك عن خيلين عربيين آخرين ماتا نتيجة الخوف الشديد".

مثل حال دياب، كان حال أبو إسلام الغرة، فقد كانت الخيول تشكل مصدر رزقه الوحيد. يقول: "كنتُ أمتلك 10 خيول، لكن خلال العدوان ماتت فرسة إنجليزية اسمها "آشا سبيترز" نتيجة خوفها، وفي العدوانات السابقة مات لي اثنين، ولكن في العدوان الأخير، اتخذتُ قرارًا ببيع 4 من الخيول لعدم قدرتي على توفير مكانٍ آمنٍ لهم".

أدى سوء الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة في غزة، وعدم الاهتمام برياضة الفروسية بالشكل المطلوب، إلى إغلاق الكثير من الأندية التي كانت ترعى الخيول، مثل: نادي الفروسية، ونادي الفارس، ونادي الفاروق، ونادي الملكي، ولم يتبقَّ سوى نادي الأصدقاء للفروسية، ونادي الجواد في الشيخ عجلين.

إحدى المواطنات واسمها آمنة ورد، تزور نادي الأصدقاء على الدوام، وتقول لـ "نوى": "هذا النادي هو متنفسي الوحيد في ظل انقطاع التيار الكهربائي، أعرف كل الخيول هنا، وكنتُ أطمئن عليها من خلال السايس طوال الوقت: هل تأكل وتشرب بشكلٍ طبيعي؟ فكان يخبرني بأنها تعيش حالة صدمة، وتتناول المهدئات بسبب خوفها الشديد، وخوفا من أن تؤذي نفسها، فهي لا ترى مكانًا آمنًا لنفسها سوى غرفتها".

بعد انقضاء العدوان، ذهبت المرأة مسرعةً برفقة أبنائها للاطمئنان على الخيول، تصف الموقف حينها بأسى فتقول: "شعرت وكأن الخيل لا تعرفني رغم أن لي سنوات طويلة برفقتها، كانت تتعامل معي بحذرٍ شديد وخوف، أنا أعرف حالتها من صهيلها وحركاتها. بالفعل شعرتُ أن الخوف يتملّكها بسبب الحرب، ورغم أن الوقت مر إلا أن الخيول لم تعد مثل السابق أبدًا".

مدير عام نادي الأصدقاء للفروسية مصطفى الغلاييني، وهو مدربٌ للفروسية على المستوى الدولي، أشار بدوره إلى أن رياضة الفروسية مكلفة جدًا، فالخيول في النادي تأكل شهريًا بمبلغ 20000 شيكل، ووقت العدوان توقف العمل بالكامل لكن التكاليف التشغيلية من مأكلٍ ومشرب لم تتوقف.

ويقول: "كنتُ أدفع يوميًا ما مقداره 1150 شيكلًا للنادي وهو مغلق لا يستقبل أحدًا. الخيول الثمانية والأربعين الموجودة في النادي جميعها أوروبية من نوع الخيول الألمانية، وتحتاج إلى عناية خاصة قد لا يعرف أحد كواليسها أبدًا".

بعد العدوان، ذهب الرجل ليتفقد النادي، لكنه صُدم من حجم الخسائر الفادحة في الإسطبلات! أحد الخيول مات وسعره يضاهي 17 ألف شيقل، أما باقي الخيول فكلها كانت تعاني من حالات نفسية مختلفة. الامتناع عن الطعام، وحركات الهيجان، والتعرق المستمر، والقلق. "إنهم لا يعرفون أنهم يقتلون هنا كل جمال الحياة" يختم.