"نورا" تُهدي مرضى حساسية القمح حلوى بلا جلوتين!
تاريخ النشر : 2022-05-21 12:12

"لسنواتٍ بقيتُ أنظر إلى ابنتي بحسرة، وأقفُ عاجزةً عن تحقيق أقل متطلباتها كطفلة. حتى الخبز بالنسبة لها كان أمنية.. بل حلمًا" تقول نورا دبابش.

اكتشفت السيدة أن ابنتها مريضة بـ"حساسية القمح" بعد وصولها إلى سن الخامسة، ومن هنا بدأت رحلة التأقلم "المُرة" وفق وصفها، "فقائمة الممنوعات أكثر من المسموحات، هي حتى لا تستمتع بتناول الخبز كما بقية أقرانها في المدرسة، وحتى في الأعياد والمناسبات كنت أراها تتلصص النظر إلى الكعك، والجاتوه، وأصنافٍ أخرى من ما لذ وطاب، وكلها ممنوعةٌ عنها كون دقيق القمح مكون أساسي فيها" تضيف.

هنا، بدأت تبحثُ عن طريقةٍ تستبدل بها الممنوع بالمسموح، بما يقاربه شكلًا ومضمونًا أيضًا. هي لم تكن تريدُ لابنتها أ، تصل إلى مرحلة الشعور بأنها تختلف عن الآخرين أو تنقص عنهم بشيء، لا سيما وقد صارت تفضل العُزلة -خصوصًا في المدرسة، عندما لم تكن قادرة على مشاركة زميلاتها الطعام، أو حتى مشاركة شقيقتها شراء ما تشتهي من بسكويت وشيبس وشوكولاتة.

وبعد عملية بحث، قررت أن تبدأ في تحقيق كل ما تتمناه ابنتها من أشكال الطعام، فكانت تجرب الطريقة مراتٍ عديدة، وفي كل مرةٍ تفشل، تغير المكونات أو الأسلوب، وتزداد تمسكًا بالهدف حتى أضحت قادرة على صنع كل أنواع الحلويات باستخدام المنتجات الخاصة بمرضى حساسية القمح. "حتى أنني لم أقتصر بمنتجاتي على هذه الفئة وحسب، بل امتدّت رغبتي في المساعدة إلى إعداد كيكات لمرضى حساسية الحليب، وقد كانت من أصعب المحاولات إلا أنها نجحت" تضيف.

كريمة خاصة، وكل أنواع وأشكال التوفي، ونكهات التزيين، جميعها تمكنت السيدة الأربعينية من إتقانها.  تعقب: "كانت فرحة ابنتي بتناول قطعة من الكيك تكفي لأن أحتمل كل المتاعب، ومرات الفشل المتكررة لأضمن النجاح في النهاية".

بعد أن أتقنت صناعة الكعك، والمعمول، والكيك، بالإضافة إلى الخبز، بدأت تفكر في باقي المرضى المحرومين من تناول كل هذه الأشياء، فأنشأت صفحة متخصصة لبيع منتجات خالية من الجلوتين. تتابع بحماسة: "لاقت الصفحة إعجابًا كبيرًا ما جعل الطلبيات الخاصة بمنتجات خالية من الجلوتين مستمرة".

الأهم في مثل هذه الحالة كان أن تكسب نورا ثقة الزبائن، بما يضمن عدم وجود أي خلل يمكن أن يضر بالمريض، وهذا ما حرصت عليه بدقة، ورغم كل النجاح الذي حققته، اعترضتها معيقاتٌ جمة، لا سيما وأنها كانت لا تملك القدرة المالية على توصيل الطلبيات للمناطق البعيدة في جنوب قطاع غزة على سبيل المثال، وهذا ما جعل من عملها متركّزًا في غزة "إلا في حالة قدرة الزبائن على استلام الطلبية من مكانٍ قريب من البيت، وهو ما يحدث من حينٍ لآخر".

لا تكتفي دبابش ببيع منتجات خالية من الجلوتين، بل إنها تمنح وصفاتها التي قضت سنوات تحاول تركيبها، لمن يطلبها من داخل وخارج فلسطين أيضًا.

تقول: "فرحتي كانت لا توصف وأنا أستلم رسالة من متابعة من الجزائر، تصف لي كيف أن طفلها لم يتناول الخبز منذ عامين، وبعد أن أعطيتها الوصفة وبقيتُ معها خطوة بخطوة، نجَحت في صناعة خبزه الخاص. يمكنني تخيل فرحته آنذاك وهذا رائع".

أكثر ما يواجه دبابش وغيرها من عائلات مرضى حساسية القمح أن منتجاتهم غالية، ففي الوقت الذي لا يزيد سعر باكو البسكويت العادي على 3 شواكل، فإن ما يقابله لمرضى حساسية القمح لا يقل سعره عن 14 شيكلًا، وهو ما ينطبق على باقي المنتجات كـالسميد والمكرونة وغيرها.

يزيد عدد الزبائن لدى "نورا" يومًا بعد يوم، لكن العائق أن بعض الزبائن يكونون من المناطق الجنوبية، ويتعذر عليهم الطلب بسبب زيادة التكلفة. هي تقول إن دمج الأطفال مرضى الحساسية للطعام بين أقرانهم هدفٌ أسمى، وهي التي عايشت وجع ابنتها ومعاناتها مع الحرمان سنواتٍ طوال.

تطمح دبابش إلى تحويل مشروعها الصغير لمخبز يوفر كل أنواع المخبوزات لمرضى حساسية القمح، كي يصبح بإمكانهم الوصول لاحتياجاتهم بدون أي عائق. "حلمي الأكبر أن أفتتح مطعمًا متخصصًا بتقديم كل أنواع الطعام لهؤلاء المرضى، على الأقل هناك قد تجد طفلتي شركاء تتناول معهم طعامها الخاص بلا عوائق" تختم.