التأمين بالذهب.. "لا تضعوا البيض في سلة واحدة"
تاريخ النشر : 2022-05-09 15:57

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تنفست "أم محمد" الصعداء بمجرد أن خرجت من معرض للمجوهرات في سوق الذهب شرق مدينة غزة، فالمبلغ الذي جمعته شيقلًا فوق شيقل لمدة خمس سنوات صار "جنيهات ذهبية" قالت إنها ستكون "ادخارًا للعمر"، لا سيما وأن أسعار الذهب تتصاعد منذ عدة أشهر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

ورغم نصيحة شقيقتها بعدم الشراء حاليًا لارتفاع الأسعار، وبيع الموجود استغلالًا لهذا الصعود الاستثنائي، إلا أن السيدة رأت أن الحل الأمثل لوقف صرف مدخراتها تحويلها إلى ذهب "ولو بالغالي".

في المقابل، يرفض "تيسير" الذي اكتفى بذكر اسمه الأول، تحويل مستحقاته التي حصل عليها بعد 15 عامًا كمدرّسٍ في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" إلى "ذهب" بسبب ارتفاع سعره "الجنوني" على حد وصفه. ويقول: "أفضل شراء أرض صغيرة الآن، فأسعار الذهب عالية، وأخشى هبوطه فجأة، ولهذا لا أرى أن الفائدة ستكون كبيرة".

وقبل ستة أشهر، اشترت "يُسرى" ذهبًا بقيمة 5000 دينارٍ أردني لتجميد مالها، فيما قررت بيعه دون تفكير بمجرد سماعها الأسعار الجديدة، "وبالفعل حصلت على 600 دينار زيادة" تقول لـ"نوى".

وتضيف: "قررت استثمار الارتفاع الحاصل، لتحقيق الربح والاستفادة من فرق الأسعار، فإذا عادت الأسعار كما كانت عليه قبل الأزمة، أشتري الذهب مرةً أخرى".

ارتفاعاتٌ قياسية مُنيت بها أسعار الذهب إثر حرب روسيا -أوكرانيا التي اندلعت أواخر فبراير الماضي. محللون اقتصاديون أكدوا في لقاءات منفصلة أجرتها معهم "نوى"، أن هذا الارتفاع يرجع إلى زيادة الطلب عليه فرديًا ودوليًا كملاذٍ آمن للاستثمارات في ظل المآسي التي تنتجها الحروب.

يقول الخبير الاقتصادي د.معين رجب: "إن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بعد اندلاع الحرب، أفرزت تحديات واجهت المبادلات والتجارة الدولية، وأدت لتأخر حركة نقل السلع من بلد لآخر مقارنةً بالوضع الطبيعي، وهذا كان سببًا مباشرًا لارتفاع الأسعار".

يتفق معه د.سمير أبو مدللة أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، الذي أشار  إلى أن لكل حرب تداعياتها، "وهذه الحرب ألقت بثقالها على الاقتصاد الروسي والأوكراني، "في وقت تعدُّ فيه روسيا المصدر الأول في العالم للقمح والغاز، وأوكرانيا أيضًا لها موقع متقدم في عملية التصدير خاصة للمواد الغذائية".

ويقول: "التداعيات ليست على دولة فقط، فارتفاع الغاز والنفط في الدول الأوروبية أثّر بشكل كبير على عملية النقل ما أدى إلى رفع كثير من السلع عبر العالم، ومن ضمنها الذهب".

وفلسطين ليست بمنأى، فهي -وفقًا لأبو مدللة- تستورد الجزء الأكبر من السلع الغذائية، إما من الجانب الإسرائيلي أو الجانب المصري، وكلاهما يستوردان من روسيا وأوكرانيا، ملفتًا إلى أن الذهب "معدن كباقي المعادن، وفي حال زيادة المخزون منه وعدم عرضه، سيرتفع سعره في الأسواق، كما حدث منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية".

ارتفاع الذهب أو الدولار يرتبط بنسبة الفائدة التي يفرضها البنك الفيدرالي الأمريكي، فإذا كانت مرتفعة (الفائدة)، يتم تخفيض المعروض من العملة وبالتالي يرتفع سعرها، أما إذا كانت منخفضة فيتم زيادة المعروض من العملة وبالتالي انخفاض سعرها.

ويتوقع أبو مدللة ارتفاعًا أكبر خلال الفترة القادمة لعملة الدولار، بسبب رفع البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، "وهذا ما سيزيد أيضاً من سعر الذهب في الأسواق العالمية".

محمود حمادة رئيس نقابة الصاغة وتجارة المعادن الثمينة بغزة، تحدّث عن ارتفاع أسعار الذهب بشكل كبير، حيث وصلت الأونصة إلى 1883$ تقريبًا، "ويمكن أن تواصل ارتفاعها إلى 2200$ وما فوق، بحيث يصبح جرام الذهب أعلى من 60$ في حال تصاعدت وتيرة الحرب".

وحول شراء الذهب للاستفادة من ارتفاعاته المستقبلية، ينصح الخبراء: "لا ترمي البيض في سلة واحدة" نظرًا لعدم وجود ضمانات مستقبلية في ظل الحالة الضبابية التي خلّفتها الحرب من جهة الفترة الزمنية التي ستمتدها، بالإضافة إلى تنويع سلة الادخار، بين ذهب وعقارات ونقد سواءً بالدولار، أو الدينار، أو اليورو، وذلك لضمان تعويض انخفاض سعر عملة بأخرى.

وينصح جمال مطر مدير عام مديرية المعادن الثمينة في وزارة الاقتصاد بغزة، بعدم بيع الذهب في الوقت الحالي، نظرًا لعدم استقرار وضعه بسبب التوترات في الدول الأوروبية، داعيًا أصحاب السيولة المالية لتحصين جزء من أموالهم بشراء الذهب خوفًا من سقوط الأسواق العالمية، فهو أكثر أمانًا من العملات الورقية.

وحول إقبال المواطنين في غزة على شراء الذهب، لفت إلى  قلة الإقبال في ظل غلاء أسعاره، قائلًا: "هذا الموسم أقل من المتوقع، فوضع غزة استثنائي عن الدول الأخرى، إذ لا يوجد إمكانية لشراء الذهب، بل من الممكن بيعه لحل الأزمات".