على ذِكر "العيد".. حديثٌ عن نيران مايو!
تاريخ النشر : 2022-04-25 10:59

قطاع غزة:

يتحلق أفراد العائلة حول مائدة الإفطار. يُنصتون إلى السكون الذي يسبق أذان المغرب فتقتادهم ذاكرتهم إلى رمضان الذي فات. تسأل طفلةٌ أمها ببراءة: "ماما هالسنة في عيد بعد رمضان؟"، فتحوقل الأم وهي التي تدرك جيدًا أن سؤال ابنتها ليس عن عدم معرفة، بل خشيةً من "تأخُر العيد عن غزة ثانيةً".

عدوان مايو/ آيار 2021م، ما زال يخيّم كالشبح في ثنايا الذاكرة. "هل ينقضي رمضان دون حرب؟ وهل يأتينا بعده عيدٌ يطبطبُ على قلوبنا الملتاعة شوقًا للفرح؟" أسئلةٌ يتداولها الناس هنا فموائد رمضان الفائت أتخمت الناس رعبًا تحت صواريخ "إسرائيل". هذه المرة الكل يجلس إلى المائدة مرتابًا، يتناولون إفطاراتهم بحذر وهم يتلصصون النظر إلى شاشات هواتفهم المكتظة بمجموعات الأخبار العاجلة، يتجنبون الحديث عن هواجسهم أمام أطفالهم، لكنهم ما أن يسمعوا صوت ارتطام بابٍ بقوة حتى يظهر المستور: كلهم يسألون بشهقةٍ واحدة: "هل هذا صوت صاروخ"؟    

قصةٌ تدور أحداثها في بيوت الفلسطينيين بغزة وحسب، أولئك الذين عاشوا ثلاثة مواسم رمضانية تحت نيران القصف وجولات التصعيد التي حولت حياتهم إلى جحيم. موائد خلت من كراسي الشهداء الذين قضوا، ومنازل أُسقطت على رؤوس ساكنيها عند الإفطار وعند السحور. 

"الحرب حديث الشارع في رمضان" هكذا تقول إيمان أبو جلالة التي يتملك قلبها الخوق كلما سمعت بأن طبولها ستُدق، "وكلما اشتدت الأحداث في الأقصى أخال النار هنا في غزة".

تقولها بوضوح: "صرت أخاف من رمضان، أشعر أن الاحتلال يستغله باستفزاز مشاعر المسلمين كيفما تسنى له هذا، ينتهك حرمة المساجد، ويعتدي على المصلين لتتطور الأمور إلى اندلاع حربٍ تحرق البشر والشجر والحجر"، مردفةً بعد لحظات من الصمت: "هنا في غزة لا نستمتع بالشهر الفضل ولا بالعيد".

وتضيف لـ "نوى": "أحاول أن أبدو قويةً أمام أطفالي الستة لكنني لا أُفلح. أشعر بأنني أم ضعيفة"، ثم تستدرك متسالة: "لكن من الذي لا يضعف أمام فكرة الحرب؟".

تتابع الأم: "في كل يوم أرى التصعيد الإسرائيلي أقرب. أحاول إنعاش قلبي الذي أخشى أن يتوقف في أي لحظة لو عادت الحرب فعلًا. أشغل نفسي بأمور أخرى، ولا أتابع الأخبار. أذهب إلى التسوق لكن حتى هناك أسمع تمتمات الناس يقولون: "لماذا نشتري الثياب؟ الحرب قريبة، بل إننا قد لا نرى العيد أصلًا" فأعود حزينةً مكتئبةً أكثر".

يفتقد الناس في هذه البلاد الأمان، ويبحثون عن أدنى فرصةٍ للفرح. تبدو الأسواق مبهرة وهي تعجّ بالمشترين المحاصرين منذ 16 عامًا على التوالي، "لكن لماذا ننغر؟" "تنغرّوش" يقول رجلٌ سبعيني اصطحب حفيدته لشراء كسوة العيد من سوق "عمر المختار" شرق مدينة غزة.

يخبرنا العم أبو هاشم أنه خرج للتسوق مع حفيدته لأن والدها توفي بمرض السرطان منذ سنوات، وأمها تزوجت ولم تستطع احتضانها لظروفٍ خاصة.

يعمل هو في تجهيز أكواز الذرة وفرط حباتها ثم بيعها للناس من أجل التخزين، وفي الشتاء يفرط حبات البازيلاء، ليوفر في اليوم مدخولًا لا يتجاوز الـ 20 شيكلًا كمصروف له ولزوجته وحفيدته. وأما بقية أبنائه فهم مسؤولين عن أنفسهم – يزيد -.

"كنت قد وعدتها، حتى لو قامت الحرب سوف أشتري لها كسوة العيد" يقول الرجل وهو ينظر لعيون حفيدته "حلا"، فهذا أكثر ما يسعدها في أحلك ظروف تمر على غزة.

ويهمس: "شعرتُ بتأزمها في عدوان مايو 2021 حين شن الاحتلال عدوانه، ولم تكن الطفلة قد اشترت ملابس العيد، في المقابل حاول بعض الناس تحسين نفسيات أطفالهم بجعلهم يرتدون ملابسهم الجديدة، إلا حلا".

أمر يجعله يصر على إسعادها، فيقول: "هذا العام، حتى لو تفجر العالم سأجعلها سعيدة، بحرب وبدون حرب سأفعل".

بخلاف ما يحدث في منزل هنادي النعيزي التي قررت أنها سوف لن تشتري كسوة العيد، ولن تصنع الكعك، إلا إذا ظهرت بوادر للهدوء في قطاع غزة. 

تتحدث: "أنا أتوتر من كل الأحداث الجارية، حاولتُ منع نفسي مرارًا عن متابعة الأخبار كي أستمتع بطقوس رمضان، لكنني لم أستطع".

قبل يومين، حين شنت طائرات الاحتلال غارات على القطاع دبَّ الرعب في قلب الأم التي أخذت تواسي أطفالها بعدما أوقظتهم لتناول وجبة السحور، "يا ريت السحور راح علينا وما صحينا" تتحدث وتسخر قبل أن تكمل: "بس حتى لو ضلينا نايمين أكيد القصف كان أفزعنا من نومنا".

أن يأتي العيد بسلام وأن تستمتع فيه وأطفالها، أقصى ما تتمناه هنادي ولا تتوقع حدوثه في الوقت ذاته، فالعيش تحت الاحتلال وتحديدًا في قطاع غزة صار واحدةً من مسلمات الموت، خصوصًا في رمضان الذي أصبح طابعًا للتصعيد الإسرائيلي.