عمال غزة وقلوبٌ تتحرّق في انتظار "رسالة طمأنة"
تاريخ النشر : 2022-04-17 14:10

توقفَت منى عبد الحي طويلًا أمام خبر وفاة عاملٍ من قطاع غزة، أثناء محاولته الفِرار عبر إحدى فتحات الجدار غرب جنين. حسب الخبر "لقد تُوفي بينما كان الاحتلال يلاحق مجموعةً من العُمّال هناك".

تقول منى: "تخيّلتُ وضع زوجته وأبنائه الذين ينتظرون عودته ببعض المال علّهم يتمكنون من شراء ملابس العيد، وتجربة الحياة ولو لمرة مثل الآخرين"، "لكنها لقمة العيش المغمسة بالدم، حتى وإن لم يُسفَك بشكلٍ مباشر" تستدرك.

تُحدِّثُ نفسها: ماذا لو كان زوجي؟ ماذا كنتُ سأفعل؟ وكيف كنتُ سأُربي كوم اللحم هذا؟ وتعقب: "بالأمس كان أولادي يحلُمُون بمشتريات العيد، أسمعُهُم يحدثون بعضهم البعض بما يريدون طلبه من والدهم عند عودته من العمل نهاية الأسبوع، بينما أنا شاردة تأسرني مخاوفي بأن يكون التالي".

ما أثار مخاوف منى أن زوجها كان قد تعرض لجلطة خفيفة بعد عودته من العمل في الداخل المحتل قبل فترة، وغيابه ما يزيد على شهر كامل في أجواء غاية البرودة، "لكن ما أن تماثل للشفاء، حتى عاد ليواصل عمله هناك، وها هي الأحداث لم تتوقف وكل دقيقة تمر تخلف حدثًا غير اعتيادي".

في السياق ذهبت يُسرى محمود (32 عامًا) بتفكيرها إلى زوجها الذي عانى كثيرًا حتى تمكن من الحصول على تصريح عمل في الأراضي المحتلة. تذكّرت كيف اضطروا العام الماضي إلى بيع بعض أثاث المنزل ليوفروا مصاريف الحياة اليومية، "وكيف كان هذا التصريح بمثابة طوق النجاة لأسرتها الصغيرة".

تقول لـ "نوى": "لدينا خمسة أطفال بينهم طفلتين في المدرسة، وهو ما دفع زوجي للسعي بقوة للحصول على تصريح عمل، لعلنا نستطيع الخروج من القاع إلى السطح قليلًا بعد أن خنَقَنَا الفقر، وأثقلتنا الديون التي لا نعرف كيف نسددُها".

وتفرضُ "إسرائيل" حصارًا على قطاع غزة منذ 15 عامًا شنت خلالها أربعة حروب، أنهكت الوضع الاقتصادي المتردي أصلًا، إذ ارتفعت نسبة الفقر والبطالة إلى89% بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.

تستدرك: "لكن ولأصدقك القول، مع كل هذه الأخبار التي لم تتوقف حول التصعيد في الضفة والقدس المحتلة، يصيبني الخوف الذي لا يمكنني أن أتجاهله وأنا التي وجدت نفسها بين نارين". فثلاث سنواتٍ كافيات -حسب رأيها- لتذوق المُر بسبب تعطل زوجها عن العمل، هي تخشى أن تفقده، وفي ذات الوقت لا تستطيع أن تمنعه عن طريق رزقه.

تقول: "تنتابني المخاوف بينما تتجاذبني المتناقضات وألف سؤال: هل سيعود ثانيةً؟ أم سيرجع شهيدًا؟ هل بقاؤه هناك مغامرةً بعمره؟ أم تأمين لحياتنا؟" مردفةً بالقول: "لا يهدأ لي بال حتى تصلني منه رسالة منه بأنه بخير فأتنفس الصعداء ويرتاح قلبي".

تصمتُ قليلًا قبل أن تختم: "حتى غزة، ربما لن تكون بعيدةً عن أي تصعيد. على ما يبدو فإن مواطني غزة ليس من حقهم أن يحلموا بالسلام والطمأنينة، ولا حتى تحسين ظروفهم المعيشية".