يُسرى الخطيب تُفجّر الدهشة في "فصول وأكثر"
تاريخ النشر : 2022-03-22 10:43

تجاوزت بروحها حدود الأسلاك الشائكة التي تحيط بجسد القطاع، وقفزت بفكرها عن واقع الحصار والانقسام، ثم خرجت بديوان "الهايكو" الثاني: "فصولٌ وأكثر".

في ديوانها الجديد، تحاول الكاتبة والشاعرة يُسرى الخطيب مناوشة الطبيعة الحرة النقية، بدقةٍ تتماهى مع الفصول الأربعة، بمواسمها، وحالاتها، وطقوسها الاستثنائية؛ فخلقت عوالم حرةً جميلة، وغازلت الحياة بمفردات الحب والجمال بغية الانعتاق من ظلمة الواقع "لكنني وجدت نفسي متلبسةً بالألم، مسكونةً بالوجع" تقول لـ "نوى".

طفت على النصوص حالةٌ من القهر المنوط برسم مشاهد النُّزوحِ والهجرَةِ والاغترابِ، والابتعادِ عنِ الوَطَنِ، فجاءت مشبعةً بالعذابات، والقهر، والنفي، وعلا صوت الكاتبة بنداءاتٍ صدّاحة لحجب هذا الظلم.

هو القصيدة الصامتة ويقال إنها أصغر قصيدة في العالم، تعبر عن فكرة معينة مبنية على التناقض

وإلى خبايا عالم "الهايكو" تأخذنا؛ فتُعرّفه بأنه أحد أشكال الشعر الياباني التقليدي.. "هو القصيدة الصامتة ويقال إنها أصغر قصيدة في العالم، تعبر عن فكرة معينة مبنية على التناقض، وتتكون من صورتين، أو مشهدين من الواقع، كافيين لتكوين قصيدة هايكو تشع وتتفجر في ذهن القارئ" تضيف.

ولا تحتاج هذه القصائد –وفقًا للخطيب- إلى أدوات التشبيه والربط، فالهايكو بألفاظها البسيطة تعبّر عن مشاعر جيّاشة وأحاسيس عميقة، وتكشف عما يدور في عقلية وروح الإنسان الياباني الذي يتأثر بعقيدته القائمة على التأمل والتفكير ليصل إلى لحظة التنوير، "التي تولد معها قصيدة الهايكو المكونة من بيت واحد فقط، مكونًا من سبعة عشر مقطعًا صوتيًا".    

تتابع: "تأتي هذه القصيدة –لا سيما الكلاسيكية- متأثرةً بالطبيعة، فيكاد لا يخلو هايكو من جمالياتها وعناصرها وفصولها ومواسمها".

تكتب الخطيب بهذه الطريقة منذ ما يزيد على عشرين عامًا دون أن تعرف "الهايكو"، وتنفي أنها رائدته، ملفتةً إلى أنها ليست الوحيدة في قطاع غزة التي تكتبه، "لكنني أول من اهتم به لرغبتي في ترسيخه كجنس أدبي مهم بين الأجناس الأدبية الأخرى" تزيد.

والحقيقة، أن الخطيب هي أول من أصدر كتابًا خاصًا بـ "الهايكو" عام 2016م، وكان عنوانه: "الكائن بيقيني"، لتعود وتُصدر بعده مجموعةً جديدة من قصائد "الهايكو" بعنوان: "فصول وأكثر"،  بينما تعد العدة حاليًا لتجهيز المجموعة الثالثة "السقوط جهرًا".

توضح الخطيب أن شعر "الهايكو" لم يعد يابانيًا، بل أصبح عالميًا، ملفتةً إلى أن اللغة العربية لها القدرة على احتوائه بما تمتلكه من مفردات وبلاغة، "ورغم اختلاف قصائد الهايكو العربية عن اليابانية موضوعًا، إلا أنها تتفق معها شكلًا"، فنراها تجذب الجيل الجديد الذي يرى فيها كبسولةً مكثّفةً من المعرفة، والفلسفة، والتأمل، والجمال الغارق بالدهشة، "ينتظرها، ويتناولها بشغف وحب، ودراية".

هذا الجيل –تقول الخطيب- يميلُ إلى السرعة في كل شيء، ولأن قصيدة "الهايكو" تختزل المشهد الحي بلغةٍ بسيطة، وبمفرداتٍ قليلة، وعفوية، بعيدة عن التعقيد، "فخير الكلام ما قل ودل" تعقب.

ومن أهم سمات "الهايكو"، أنه يتصف بالبساطة والآنية والإيجاز والبعد عن زخارف البديع، مع الاهتمام بجماليات اللغة وبلاغتها، وتنحية الذات الشاعرة عن النص، مع المحافظة على مقومات "الهايكو"، كما أنه يحمل رسالة تصل بسهولة للقارئ الذي يبحث عن المعرفة، بنصٍ انسيابيٍ بديع، عابر، وقابل للتأويل، " وهذا ما يُشعل ذائقة المتلقي الشغوف بالمعرفة والباحث عن الدلالات" تكمل.

وترى الخطيب أن تجربتها الثانية أكثر نضجًا وعمقًا من التجربة الأولى، ذلك بعد أن أبحرت أكثر بين عوالم "الهايكو"، وتابعت إنتاج عدد كبير من رواد المجال، وقرأت النصوص المترجمة من لغات أخرى، واستفادت من القراءات النقدية التي أُجريت على المجموعة الأولى، والنصوص التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتفنّد الخطيب الأدوات التي يجب أن يمتلكها شاعر الهايكو، فتقول: "الموهبة الفطرية الخلّاقة تُعدُّ الأداة الأهم، فالمعرفة وحدها لا تصنع كاتبًا، وهذه الموهبة يجب أن تُصقل وتُغذّى بالقراءة، والإلمام باللغة وأسرارها، وجمالياتها، وبلاغتها، وإجادة التعبير، وتوظيف الكلمات، بالإضافة إلى معرفة سمات وشروط كتابة الهايكو"، مشددةً على أن ليس كل الكتاب قادرين على كتابة الهايكو، "لكن من حقهم خوض التجربة، أو التدرّب على الأقل".

وتزيد يسرى قولها: "اللغة العربية لا تقل قدرة عن باقي اللغات الحيَّة، التي أضفت نكهةً إلى قصيدة الهايكو، لكن من يحاول الكتابة يجب أن يمتلك البصيرة والحس القوي، وأن يكون قادرًا على تطويع المشهد العادي، وتحويله إلى مشهد غير عادي، وفريد، قابل للتأويل والتفسير وتفجير الدهشة لدى القارئ".

وعن فصولها المتعددة تقول: "أردت أن أدعو إلى عشق الحيَاةِ والجمالِ، والانتماء للوطنِ والأَرْضِ والإنسانِ، وإن جاءت بعض نصوصي خلافًا لذلك مشبعة بالألم والحنين الى كل ما هو مفقود".

وتؤكد الخطيب أن نص الهايكو يناسب روح العصر، ويتعدى الحدود الجغرافية، فـ (الهكيدة) بكثافتها المتوهجة، غيّرت أفق وتوقع المتلقي العربي والعالمي، لما لها من قدرة على نقل الجوهر بدقة.

تختم الشاعرة الشغوفة بالقول: "انتشار الهايكو مؤشر على سلامة ذائقتنا الشعرية والفنية، وبعيدًا عن تمجيد الذات، كانت دعوة للتحرر وارتياد آفاقٍ جديدة للتعامل مع مأزق الشعرية العربية".