غزة.. سبع لوحات تغوص في أعماق مرضى "البارانويا"
تاريخ النشر : 2022-02-09 10:44

لم تصدّق الفنانة التشكيلية الشابة خلود الدسوقي يومًا أن المرض العقلي، أو النفسي، يمكن أن يقتل إحساس المريض، فتتساءل دومًا: "هل ولدوا بالمرض أم تسبب آخرون بإصابتهم به؟".

الكثير من الأحاديث تدور بينها وبين نفسها كلما صادفت أحدهم. تتعامل بمنتهى الحزم مع كل من تسول له نفسه التنمر أو السخرية! وتغوص في المشاعر التي يخفقون في الكشف عنها لعلّها تتمكن من تجسيد معاناتهم في لوحاتٍ تنوب عن ألف كلمة.

في مشروعها الأخير، الذي حمل عنوان "بارانويا"، جسّدت الدسوقي المرض وتأثيره على المصابين به في سبع لوحات استخدمت في تلوينها مساحيق التجميل، فصوّرت الصراع الداخلي الذي تعيشه هذه الشريحة، في محاولةٍ لإيصال صوتها إلى العالم الخارجي.

حاولت خلود عبر تلك اللوحات، الوصول بالمريض إلى السلام الداخلي، وعدم الاستسلام للواقع، وعبّرت عن القوة الكامنة التي يمكن أن تساعده في الخروج من هذه الحالة، التي يمكن أن تصل بصاحبها إلى قتل نفسه.

ولمن لم يسمع بـ "البارانويا"، فهو مرض، يعرف بـ "جنون الارتياب"، وهو نمط تفكير ينجم عنه الشعور غير المنطقي بفقدان الثقة بالناس، والريبة منهم، والاعتقاد بوجود تهديد ما، مثل: الإحساس بأن هناك أشخاص يراقبونك، أو يحاولون إلحاق الأذى بك، رغم عدم وجود دليل على ذلك.

لكن ما الذي جعل الفنانة الشابة تهتم بهذه الشريحة من المرضى النفسيين تحديدًا، تجيب الدسوقي بالقول: "عملت لفترة غير بسيطة مع أطفالٍ يعانون من مشكلات نفسية، وهذا جعلني أكثر حساسية تجاه قضيتهم، خاصةً أن مرضى البارانويا لا يملكون القدرة على شرح معاناتهم، أو التعبير عن تفاصيلها".

وترى الدسوقي أن الواقع النفسي، وتأزمه لدى البعض داخل قطاع غزة، ينبع من علاقة المواطنين الوطيدة بالحصار وتبعاته، من قلة فرص العمل، والفقر، والمنع من السفر، وغير ذلك، "وهذا انعكس بشكل تلقائي على لوحاتي التي تلامس خصوصية هؤلاء المرضى الذين يعيشون في قطاع غزة".

ما يثير حزن الفنانة التشكيلية الدسوقي، أن الفن في قطاع غزة يرتبط بمشاريع بعينها، "وفي أوقات محددة، حيث يبذل الفنان وقته وجهده وماله في سبيل إنجاز لوحات مناسبة للفكرة العامة، لكن ما أن تمر حتى تأخذ تلك اللوحات مكانها أعلى الخزانة، أو تحت السرير" تقول.

ناهيك عن أن الفنانين -الشباب منهم وحديثو العهد- لا تتاح لهم الفرصة للمشاركة بمعارض دولية، أو عربية، رغم أن قطاع غزة أرض خصبة للفن والإبداع، منبهةً إلى أن الفنان الفلسطيني تمكن من كسر هذا الحاجز من خلال التسويق لنفسه عبر الإنترنت، "لكن هذا غير كافٍ، ولا يتيح لنا التعرف على أنواعٍ جديدةٍ من الفن، أو الثقافات".

تصف الدسوقي نفسها بالمقاتلة الشرسة في صف قضايا المرأة، وهذا ما جعلها تدمج قضايا المرأة بالأمراض، والمشاكل النفسية التي يمكن أن يكون العنف أحد أسبابها.

وتختار الدسوقي السمك بطلًا للعديد من لوحاتها. عن ذلك تقول: "يحمل السمك في لوحاتي دلالة خاصة، فأنا لا أحب البحر أبدًا، وأخاف منه جدًا، هو وما بداخله من كائنات، ولدي إحساس بأن السمك يعبر عن حالة الاختناق، والغرق، لدى الشخص الذي يعاني من البارانويا".

وتؤمن خلود بأن العائلة هي الحاضنة الأساسية للإنسان، وهي القادرة على إخراج إنسان سليم، "وهي الداعم الأول في مرضه، وفي أوقات أزماته"، وفي المقابل، يمكنها أن تهدمه وتودي به للمرض النفسي أو العقلي، بسبب طريقة التعامل، واستخدام العنف.

تضيف: "أريد فقط أن أقول للمجتمع أن المرض العقلي، والنفسي، في أحيانٍ كثيرة يكون سببه البيئة المحيطة، والظروف، والناس أيضًا.. هم ليس لهم ذنب بما وصلوا إليه".

وترى الدسوقي أن الفنون البصرية المعاصرة، سلاح ذو حدين، "فنحن نستخدم أدوات بسيطة، ويمكننا من خلالها إيصال الرسالة، وهذا هو الجانب السهل في الموضوع ، أما الصعوبة فتكمن في أن هذه الرسالة  تخاطب شريحةً محددةً من الناس، إذ لا يمكن للجميع فهم الرسالة  والهدف منها".