"الهذالين" شهيدًا.. فلسطين تودّع "أيقونة المقاومة الشعبية"
تاريخ النشر : 2022-01-17 20:56

الخليل | نوى:

للمرّة الأولى يرى ارتعاش الهاتف قاسيًا! "يا ساتر" قالها إبراهيم الهذالين عندما لم يتوقف الرنين وهو البعيد عنه مسافة "سقوط قلبه".

عبر الخط سمع صوت أحدهم يلهث: "الجرافة مشيت على أخوك سليمان.. دهسوه الجنود". يصف المشهد وهوله فيكمل: "تجمّدت أطرافي: كيف؟ ومتى؟ وأين؟ هل ما زال حيًا؟ أم أنه استشهد؟" تساؤلاتٌ لا تنتهي ضربت رأسه المكبّل بتفاصيل الصدمة، ألقاها تباعًا في أذن المتصل، لكن الرد ألجمه: "تعال على المستشفى، إصابته خطيرة لكنه حي".

في الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري، دهست جرّافة تتبع لشرطة الاحتلال رجلًا يبلغ من العمر 70 عامًا، بعدما اقتحمت قريته "أم الخير" بالخليل، تحت ذريعة جمع سيارات تعدُّها "غير قانونية"، وهي بالأساس منتهية الترخيص، وتُشترى لبيع قطعها فقط.

نحو (١٢ يومًا) ظل الهذالين يقاوم الموت.. تمامًا كما قاوم لعقودٍ جنود الاحتلال ومستوطنيه، عندما وقف في كل الفعاليات الشعبية جبلًا في وجه البنادق وقنابل الغاز، في مسافر يطا جنوبي الخليل، حتى اشتهر بـ "أيقونة المقاومة الشعبية" في الضفة الغربية.. لكنه استُشهد صبيحة هذا اليوم.

وبحسب بيان وزارة الصحة الفلسطينية، فقد أصيب الهذالين بكسورٍ في الرأس والصدر والبطن والحوض، وأُدخل مستشفى "الميزان" (خاص) بالخليل لتلقي العلاج، إلى حين استشهاده صباح اليوم.

"مصابنا جلل، بس اللي بهوّن علينا إنه مات تحت شعار الحرية" يقول شقيقه إبراهيم الذي أخذ يبكيه أمام كاميرات الصحفيين. كان يسلّم لفكرة الموت المرهقة للحظات، ويفرّغ عن حزنه ومأساته بالفقد في لحظات أخرى قائلاً: "قتلوه.. كل الأماكن حتسأل عنك يا حج سليمان".

كثيرة هي الحكايات التي يرويها الفلسطينيون عن الحرّية، حكاياتٌ تثقل قلوب الأحياء منهم، وتُرهق عظام الميتين في قبورهم، تلك التي ينبشها الاحتلال في أوقات أخرى لنفي الوجود والهوية، أو يلقي فوقها صواريخه كما حدث مرارًا بغزة.

يصف إبراهيم قصّة موت أخيه بقوله: "رسم أمنية التحرير بدمه الطاهر"، وأضاف: "بشّعوا بموت أخي. لقد صعدت الجرافة على جسده وهشمت رأسه لمجرد أنه أراد محاورتهم حول سيارات سرقوها من الفلسطينيين".

لم يكتف الاحتلال بهذه البشاعة وفق الأخ المرهقة روحه بالدموع حزنًا، بل إن جنوده لم يسعفوه أصلًا، وتركوه ينزف حتى ضج المواطنون وثاروا لأجل إسعافه، "قاوم حتى آخر نفس، لكنه نال نصيبه من حب فلسطين واستشهد".

ويزيد الحاج سليمان: "كان ظاهرةً ومشروعًا وطنيًا، هذه فلسطين، وهذا ثمن الحرية".

الخليل، والأغوار، وفعاليات إسناد الأسرى المضربين عن الطعام، والأسرى بالعموم.. بل كل فلسطين تشهد على دور الهذالين في المقاومة الشعبية، من خلال الهتافات التي رددها في كل الميادين، ووقوفه في وجه الجنود الذين باتوا يحفظون تقاسيم وجهه عن ظهر قلب.

يتأمل شقيقه صوره المرفوعة على أبواب المستشفى تمهيداً لتشييع جثمانه. يرقب وجوه المشيعين الذين ينتظروه، ثم يرفع رأسه للسماء في محاولةٍ لإخفاء دموعه ويتمتم: "الله يسهّل عليك يخوي".

ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رثوا الهذالين بوصفه "إرث المقاومة الصلب"، و"نموذج المقاومة الشعبية الحرة"، و"ابن فلسطين كلها" لا ابن الضفة وحسب. حتى إن اللاجئين في مخيمات الشتات نعوه وكتبوا في حزنهم: "خسرت فلسطين اليوم علمًا من أعلامها المقاومة".