أسرى مرضى مقيدون في "ثكنات طبية".. "برزلاي" مثلًا
تاريخ النشر : 2022-01-15 19:07

رام الله:

"شفته.. ويا ليتني ما شفته" قالتها والدة الأسير الفلسطيني ناصر أبو حميد بنبرة أسى، بعد أن زارته في مستشفى "برزلاي" الإسرائيلي التي يقبع فيها منذ تدهور حالته الصحية نتيجة إصابته بسرطان الرئة.

تحوقل السيدة لطيفة (وهي أمٌ لخمسة أسرى بينهم ناصر)، ثم تكمل بصوتٍ يعتصر وجعًا: "لم يدعوني أراه، لم يرني، ولم يسمع صوتي.. أوقفوني على بعد مترين بحجة "كورونا"، فناديته: "هيني يا أمي"، ثم قرأت آياتٍ من القرآن وغادرت المكان".

ويرقد أبو حميد (49 عامًا)، الذي يقبع في سجون الاحتلال منذ عام 2002م، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، في غرفة العناية المكثفة إثر دخوله في غيبوبة. تصف أمه مشهد دخولها القسم بقولها: "تمنيتُ لو أنني مسحت على قلبه بيد الدعاء، لقد دخلت المكان برفقة جنود! كمن يدخل ثكنة عسكرية لا مستشفى".

تغيّر شكل ناصر تمامًا في عين أمه تلك المرة فلم تعرفه، أما شقيقه باسل فقد طلب –وفقًا لها- أن يعدّلوا وجهه كي يتأكد أنه بالفعل هو! تعقّب: "كان منظره بيقطّع القلب".

أبو حميد هو واحد من 600 أسير وأسيرة، مرضى داخل سجون الاحتلال، ويعانون ظروفًا صحية قاسية نتيجة الإهمال الطبي، وظروف السجن القاتلة. تمامًا كما يجري مع الأسير أيمن الكرد (25 عامًا) من مدينة القدس المحتلة، الذي يقبع في سجن "جلبوع" بظروف صحية قاسية، إثر إصابته بخمس رصاصات تسببت بشلله، وما زال الاحتلال يحرمه العلاج.

تقول والدته: "ما يجري مع ابني هو موتٌ بطيء"، فهو بحاجة إلى تدخّل جراحي وعلاجٍ منتظم، "لكن ما يقدمه الاحتلال له، مسكّنات أشبه بالمخدرات التي فقدت مفعولها مع مرور الوقت"، وتزيد: "أريد ابني في حضني لأعالجه بنفسي".

ويعاني الكرد آلامًا مبرحة نتيجة الرصاص والشظايا التي ما زالت تملأ جسده، وتحيل أيامه في السجن عذابًا لا ينقطع، "بينما يمر الشاب بحالة نفسية سيئة نتيجة رؤيته صحته وعمره يذوبان خلف قضبان السجن".

"لكن.. لماذا يمرض الأسرى؟" يجيب الأسير المحرر محمد القيق من مدينة رام الله بقوله: "هناك أسباب رئيسية أولها أجهزة التشويش المسرطنة التي توضع قرب غرف الأسرى لمنع الاتصالات، ثم نقص التهوية، فغرفة السجن تشبه البئر الذي يعلوه شبك حديدي، فلا يرى منه الأسرى سوى خيوط الشمس الضعيفة، بالإضافة إلى ضيق الغرف بالنسبة لعدد الأسرى، وغياب النظافة".

وبمزيدٍ من الشرح يتابع: "المكان إسمنتي لا توجد فيه مكيّفات، وهذا يضاعف عذاب أصحاب الأزمات الصحية، ناهيك عن أن الوجبات المقدمة غير صحية، وأحيانًا تالفة".

علاوةً على ذلك (يضيف القيق) فإن إجراءات السجون في التعامل مع الأوضاع الصحية للأسرى مميتة، "فإدارة سجن الرملة مثلًا، لا تتوفر لديها مقومات العلاج أبدًا. فقط أدوية بسيطة، وهو ما يجعل الوضع الصحي للأسرى صعب جدًا إذ يتأخر التشخيص والنقل إلى المستشفى لحين ترتيب إجراءات أمنية وفق زعم الاحتلال، مردفًا بقوله: "كما أن طبيب السجن عادة يكون إما حديث التخرج، أو كبير السن بشكلٍ مريب، وهذا ينعكس سلبًا على نفسية الأسرى وثقتهم بنجاعة العلاج".

ظروف السجن الأخرى أيضًا قاسية وقاتلة، "فعملية نقل الأسير من السجن إلى المشفى، والعكس، عبر البوسطة، تبدأ من الساعة الثانية فجرًا حتى الثامنة والنصف صباحًا، ويتكرر ذلك مساءً، وهذا يؤثر على الوضع الصحي للأسرى" وفقًا للقيق.

ويدعو القيق وسائل الإعلام، إلى مزيدٍ من التركيز على قضايا الأسرى، وتلك التفاصيل التي قد لا ينتبه العالم إليها "إلا أنها تشكل انتهاكًا عظيمًا لحقوق الإنسان وكرامته"، معبرًا عن ذلك بقوله: "الأسرى يشعرون بالاهتمام عندما يسمعون بتفاعل الناس مع قضاياهم، وفي الحقيقة، إن الاحتلال يخشى القضايا التي تثير الرأي العام (..) هنا نعتب على المؤسسة الفلسطينية الرسمية، التي لا تتجه لإثارة هذه القضية دوليًا".

بدورها، تقول الإعلامية الناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى فيحاء شلش لـ "نوى": "هناك ضرورة للتحرك من أجل إزالة أبراج المراقبة العسكرية داخل السجون، التي تعد المسبب الأول للسرطان بأنواعه، الذي يصيب الأسرى ويستشري في أجسادهم فجأة"، مضيفةً باستهجان: "إن الاحتلال يصر على وضع هذه الأبراج لزيادة أعداد مرضى السرطان بين الأسرى (..) هذه الظروف مميتة حتى على الصعيد النفسي.. ماذا يعني أن أعيش في مكانٍ وأنا أعرف أنني قد أصاب بمرضٍ مميت في أية لحظة لسببٍ واضح بينما لا أحد يحرك ساكنًا لإنقاذي كإنسان؟!".

تكمل فيحاء: "الاحتلال ماطل في إجراء الفحص الطبي للأسير ناصر، وادعى أنه مصاب بورم حميد لدى اكتشافه كي لا تحدث ثورة داخل السجون، وبدلًا من بدء إجراءات العلاج الفعلية بعملية لإزالة الورم، ومتابعة بروتوكول العلاج، تركوه حتى تدهور وضعه الصحي وأغمي عليه داخل السجن"، تصمتُ قليلًا لتستجمع أنفاسها: "والآن يتركونه مقيدًا حتى وهو فاقدٌ للوعي داخل مستشفى برزلاي سيء الصيت والسمعة".

فالاحتلال -وفق فيحاء- كرر ذلك سابقًا مع الأسرى الذين استشهدوا بسبب هذا الإهمال، وعلى رأسهم: سامي العمور، وبسام السايح، الذين عانيا حتى استشهدا خلف القضبان، بل إن الاحتلال ما زال يحتجز جثامينهم حتى هذه اللحظة".

يريد الاحتلال من وراء هذه المماطلة زيادة أوجاع الأسرى وذويهم، إذ حتى مع انتشار جائحة "كورونا" لم يتخذ الاحتلال أي إجراءات وقائية داخل السجون، "وهذا يدعونا إلى تكثيف العمل الجماهيري دعمًا للأسرى" تختم فيحاء، التي طالبت السلطة الفلسطينية بإثارة القضية في كافة المحافل الدولية، "فقبل مدة استقبلنا وفدًا بريطانيًا فوجِئ بموضوع احتجاز جثامين الأسرى، وقالوا إنهم لم يسمعوا بهذا الأمر من قبل!" تقول.