انقطاع علاج "الثلاسيميا" بغزة.. الصحة: عجزٌ مالي
تاريخ النشر : 2022-01-10 18:03
صورة أرشيفية

غزة:

"توفي رمضان مهرة" قالها الشاب إبراهيم عبد الله وصمَت لعدة دقائق. عبر سماعة الهاتف أنصتنا إلى الأسى الذي انبعث عبر ارتجافة صوته، وهو يتحدث عن صديقه الذي ناضل وزملاؤه من مرضى الثلاسيميا في قطاع غزة لإنقاذ حياته؛ قبل أن يلحق بأشرف حميد الذي توفي أواخر عام 2021م.

"فرقٌ أن يموت الإنسان بمشيئة القدر، وأن ينتهي عمره بقرارٍ سياسيٍ يطعنُ ظهر الإنسانية" يضيف إبراهيم، الذي يعاني و310 مريض ثلاسيميا داخل قطاع غزة، من انقطاع العلاج اللازم لحالتهم، والمتمثل بحقن "الديسفيرال" المسؤولة عن تخليص الجسم من الحديد والمواد الثقيلة، التي تتسبب زيادتها في إتلاف أعضاء الجسم الحيوية، كالكبد، والقلب، والكلى"، معقبًا: "بل يجعلنا فريسةً سهلةً للموت الذي بات يخطفنا بقسوة.. تمامًا كما خطف من بيننا رمضان".

إبراهيم، وهو منسق جمعية "أصدقاء مرضى الثلاسيميا" في قطاع غزة، وأحد المرضى أيضًا، يشير إلى أن أمل رمضان (39 عامًا) في توفر العلاج لم ينقطع حتى آخر نفس، لكنه للأسف لحق بقافلة "شهداء الثلاسيميا المحاصرين بغزة"، أشرف، وسماهر جندية، وغيرهما، بينما الخطر ما زال يحدق بالباقين هنا، "لا سيما باثنين وضعهما خطير، ويتواجدان الآن داخل مستشفى الشفاء" يقول لـ"نوى".

معاناة سوسن

وعلى كرسيٍ متهالك في دكانٍ صغيرٍ تمتلكه ببلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، تجلس سوسن المصري (31 عامًا) معظم الوقت، حيث أن ارتفاع نسبة الحديد في جسدها، أنهك قواها، وزاد وجهها ازرقاقًا وشحوبًا، فلم تعد قادرةً على المشي البتة.

تقول الشابة المصابة بالثلاسيميا بصوتٍ متعبٍ متقطع: "العلاج منقطع منذ ثلاثة أشهر (..) في آخر خمس سنوات، عانينا بشدة بسبب انقطاع الأدوية وازداد وضعنا سوءًا، نحن مقبلون على كارثة، ونخشى أن يخطف الموت المزيد منا".

وتضيف: "العلاج ينقطع باستمرار، وحتى إن توفّر يكون متذبذبًا، ولا يكفي حاجة المرضى"، مردفةً: "أنا مثلًا أحتاج إلى 16 كرتونة من الديسفيرال شهريًا، لكن حين يتوفر يتم منحي كرتونين فقط، وليس هناك إمكانية لتعويض النقص".

الأقسى بالنسبة لسوسن، هو حالة التنمّر التي تتعرض لها –كباقي زملائها من المرضى- بسبب اختلاف أشكال أجسادهم، وألوان جلودهم التي تتغير وتبهت مع المرض. تعلق بالقول: "أشعر أن البعض يُحجم عن القدوم للشراء من دكاني لهذا السبب، نتعرض للتنمّر سواء بالكلمات الصريحة او بالإيماءات وبالنظرات المؤذية أيضًا".

مخاطر تذبذب العلاج

بالعودة إلى إبراهيم عبد الله، فيوضح أن غياب "الديسفيرال" يتسبب في تدهور الحالة الصحية للمريض "كما حدث مع المريض أشرف حميد الذي عانى من فشل كلوي في نهايات أيامه ولجأ لغسيل الكلى"، مشددًا أن تذبذب توفر الأدوية، يعني أن المريض سيبدأ بالعلاج من نقطة الصفر في كل مرة، بدلًا من أن يقطع خطوات في طريق التحسن.

وحمّل عبد الله وزارة الصحة مسؤولية توفير العلاج للمرضى، خاصة وأن عددهم ليس كبيرًا، "والأصل ضمان توفر الديسفيرال لهم بشكل دائم"، مضيفًا: "الجمعيات تبذل جهدًا لمساعدة المرضى، لكن يبقى دورها تكميليًا، والأصل أن وزارة الصحة هي "أبو المرضى" وهي التي عليها توفير الأدوية اللازمة".

أزمة مالية

وزارة الصحة الفلسطينية في شقّي الوطن، ألقت باللائمة على "الظروف المالية" التي لا تسمح بتوفير العلاج بشكلٍ مستمرٍ للمرضى.

في قطاع غزة يقول د.علاء حلس مدير دائرة الصيدلة في الإدارة العامة للمستشفيات بالوزارة: "إن أي نقص في الأدوية بوزارة الصحة، يكون بسبب عدم قدرة الوزارة على شرائه، وينسحب الأمر على عدة قطاعات وليس فقط على مرضى الثيلاسيميا"، متابعًا: "بشكلٍ عام تحاول الوزارة توفير الأدوية للجميع، ولكن شحّ الموارد يتسبب في نقص توريد بعض الأدوية، ومن بينها أدوية الثلاسيميا".

ثلاثة مصادر تعتمدها وزارة الصحة قطاع غزة في توفير أدويتهم -حسب حلس- منها 15% إلى 20% "عبر الشراء المباشر"، فيما توفر وزارة الصحة في رام الله 15% إلى 20% منها، في الوقت الذي توفر فيه المؤسسات الأهلية والداعمة ما نسبته 40% من الأدوية، ليبقى ما نسبته 20% كعجز دائم تعانيه وزارة الصحة في الأدوية والمستهلكات بشكلٍ عام، ومن بينها الخاصة بمرضى الثلاسيميا.

وأضاف: "الجهات المانحة تُحدد عادةً أولوياتها في توفير الأدوية ضمن التمويل الموجود، أما بخصوص "الثلاسيميا" فمنذ بداية العام لا يتوفر علاج الديسفيرال، وحتى عندما كان متوفرًا في فترات سابقة، لم يكن يغطي الاحتياج المطلوب، إنما 50% منه".

وناشد حلس جميع الجهات المانحة، والمؤسسات الحقوقية، بقرع جرس الإنذار لتوفير العلاج لهم، خاصةً وأنه يهدد حياتهم بشكل كبير، ولا تستطيع الوزارة توفيره.

أما مدير عام المهن الطبية المساندة بوزارة الصحة في رام الله أسامة النجار، فقال: "إن مرضى قطاع غزة معروفين بعددهم، والوزارة ترسل الأدوية بشكل دائم، لكنها عانت خلال الفترة الماضية من مشكلة في التوريد مع الشركة المورّدة للأدوية"، مؤكدًا أنها سترسل حصة مرضى قطاع غزة بمجرد توفر الدواء في المستودعات لديها.

وأوضح النجار أن الشركة التي رسا عليها العطاء منذ مدة، لا تورّد شيئا نتيجة المديونية العالية للوزارة عليها، مضيفًا: "هناك شركات، ومؤسسات تشتري هذه الأدوية، وتتبرع بها للوزارة، لكن حتى هذا أيضًا متوقف الآن".

وأقرّ بأن ما يتم إرساله لكل المرضى لا يكفي حاجتهم الفعلية، ملفتًا إلى مشروعٍ كان قد أعد سابقًا مع جهات إيطالية، لضمان توفير الأدوية دومًا لمرضى "الثلاسيميا"، و"الهيموفيليا"، "إلا أنه توقّف بسبب جائحة "كورونا" بعد مغادرة الوفد لفلسطين" يزيد.

وأشار النجار إلى أن "الديسفيرال" لا يعد الأحدث عالميًا، "وهناك أدوية أفضل إلا أنها مرتفعة الثمن، بينما تعاني الوزارة أصلًا من أزمة مالية خانقة، تجعلها تعاني لتوفير الديسفيرال فقط".

ووفقًا لتقرير نشره الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في عام 2019م، فإن موازنة وزارة الصحة الفلسطينية لا تزيد على 10.8% من الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية، وهو ما ينعكس على توفير الأدوية للمرضى في كافة الأراضي الفلسطينية.