يومٌ طبيٌ مجّاني يتحسس أوجاع المحاصرين بغزة
تاريخ النشر : 2022-01-09 20:51

إنها السابعة صباحًا. انطلقت أم عدي (فضلت عدم ذكر اسم عائلتها) على عجل برفقة طفليها نحو مستشفى الأمل، التابع لجميعة الهلال الأحمر الفلسطيني، بعد أن أخبرها شقيقها بانطلاق يومٍ طبي مجاني في جميع التخصصات هناك.

ما أن وصلت السيدة الثلاثينية، حتى وجدت طوابير المواطنين الممتدة. ذاك جاء بابنه، وتلك بأختها، وثالثةٌ بأمها، وكلهم جمعتهم الحاجة إلى "العلاج".. المؤجلة إلى حين ميسرة. 

بعد أن استقرت على كرسي انتظار أمام عيادة الأسنان، وحصلت على تذكرة كشف لدى طبيب العظام، قالت لـ "نوى": "منذ وقتٍ طويل لم تُنفَّذ أيامٌ طبية مجانية، ابني لديه مشكلة في الأنف والأذن، وابنتي بحاجة لمتابعة طبيب الأسنان ما جعلني أستثمر هذه الفرصة لتلقي خدمة علاج مجانية".

وتعتمد أم عدي في علاج نفسها وأطفالها على عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "انروا"، "وفي كثيرٍ من الأوقات، ونظرًا للازدحام، لا نأخذ الوقت الكافي للكشف" تضيف.

وتكمل السيدة حديثها بينما تتابع بعينيها حركة المرضى في المكان تحسبًا لأن يتجاوز أحدهم دورها: "أتمنى أن يتكرر مثل هذا اليوم الطبي المجاني (..) في كثيرٍ من الأوقات نتحامل على أنفسنا ونتجاهل أوجاعنا لعدم توفر المال الكافي للعلاج".

وما أن أنهت أم عدي الكشف لها ولطفليها، حتى أمسكت بالروشتة الخاصة بها، وألقت بها في حقيبتها غير مكترثة، فأنا بالكاد أستطيع شراء الأدوية لأطفالي" تقول، وبالتالي لن تشتري العلاج الذي كتبه الطبيب لها رغم تكلفته الرمزية.

تعقب: "الشواقل القليلة كثمن للدواء الخاص بي، والذي خُفّض أضعافًا بفضل هذا اليوم المجاني، أنا فعليًا لا أملكها، فزوجي يعمل يومًا ويتوقف عشرة، وقليل من الشواكل قد تكفينا شر الفاقة ليومٍ أو أكثر".

ما يقارب 1600 حالة غالبيتها من النساء والأطفال، تنقلت بين العيادات المختلفة في المستشفى خلال يومي العلاج المجاني التي أعلنت عنها إدارة المستشفى، في إشارةٍ لتعطش المواطنين في محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة لتوفير مجانية العلاج، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي لم يشهد قطاع غزة مثيلاً لها من قبل.

ففي العام 2021م فُجعت آلاف العائلات المستورة في قطاع غزة، بتعسر صرف راتب الشؤون الذي تعتمد عليه، حيث صُرف مرة واحدة من أصل أربعة.

وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل يفوق قدرة المواطنين، ما انعكس بشكل كبير على اهتمام المواطنين بأوضاعهم الصحية، فصارت من ضمن الـ"كماليات"، فيما وصلت نسبة الفقر في قطاع غزة إلى 45% وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء.

ويشير طبيب الأسنان د.إياد أبو الخير إلى أن هذا اليوم الطبي المجاني، أُطلق بغرض التخفيف عن كاهل المواطن الفلسطيني، ملفتًا إلى أن ما يزيد عن مئة حالة تم استقبالها في قسم الأسنان، "وهذا يعكس حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون في ظل الحصار، وهو ما جعل تنفيذ مثل هذه المبادرات أمرًا حتميًا".

وأوضح أبو الخير، أن طبيعة الحالات التي وصلت القسم، تؤكد أن "العائق المادي كان سببًا رئيسيًا لعزوف المرضى عن العلاج، نظرًا للتكلفة العالية للعلاج، مقارنةً بمستوى الدخل إن وجد"، قائلًا: "هذا جعلنا نتخذ قرارًا بمتابعة الحالات التي تحتاج لأكثر من جلسة على ذات التذكرة الخاصة باليوم الطبي المجاني في قسمنا".

في عيادةٍ مجاورة، كانت د.سحر المدني تتابع حالةً مرضية لأم وطفلها، صحبته معها بعد أن اهترأت غالبية أسنانه بسبب الإهمال. تقول لـ "نوى": "المريض لا يزور طبيب الأسنان هنا، إلا لو شعر بألم يفوق التحمل"، مشددة على أهمية مثل هذه الأيام الطبية المجانية، في ظل الفقر المدقع الذي أصاب كافة شرائح المجتمع.

ويعقب د.حيدر القدرة، مدير عام مستشفى الأمل بقوله: "أُقر هذا اليوم الطبي المجاني نظرًا للوضع الاقتصادي الصعب، وحتى يتمكن جميع المرضى ممن هم بحاجة لاستشارة متخصصين من الأطباء ذوي الكفاءة، من تلقي الخدمة الصحية".

وأكد القدرة أن جميع التخصصات كانت متاحةً على مدار يومين طبيين، وتم توفير العلاج بتذكرةٍ رمزية تتراوح ما بين شيكل وثلاثة شواكل، فيما تم تخفيض خدمات المختبر والأشعة بنسبة 50%، موضحًا أن المستشفى بصدد تكرار هذا اليوم المجاني بين الفينة والأخرى، "إضافةً إلى تخفيض تكلفة العمليات لنسبة تصل إلى 30%، مساهمةً من الجمعية في مساندة المواطن الفلسطيني".