شباب 2021م.. لا متسع للأحلام في عنق الزجاجة
تاريخ النشر : 2022-01-04 15:34

شبكة نوى- فلسطينيات:

لو كان لزامًا علينا أن نضع عنوانًا عريضًا للعام  2021م وما شهده من أحداث مسّت قلوب الشباب، لأسميناه "عام الصرخات المدوية".

من صرخة "هرمنا" التي صدح بها شباب فلسطين بعد صدور مرسوم الانتخابات مطلع العام، مرورًا بصرخات "اليأس" التي أطلقوها بعد "تأجيلها" بمرسومٍ آخر مطلع مايو/ آيار، إلى صرخة أهالي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة المهددين بالطرد، وليس انتهاءً بصرخة "يمّا أكَلنا السمك" لشابٍ مهاجرٍ من قطاع غزة في بحر "إيجة"، كان "الوجع" ينخر واقع الشباب هنا!

شبابٌ في كل أرض فلسطين "فتكت" بهم الاعتقالات، والجريمة، والبطالة، وتراجع في قلوبهم "الأمل" خطواتٍ عريضة. في الوقت ذاته، رفع شبابٌ علامات نصر، عندما حصلوا على مراتب متقدمة في مسابقاتٍ دولية، وفتحوا الطريق أمام المستقبل في قلوب كل من ظنوا أن العتمة مصير.

أغلب الأحداث الدرامية وقعت في قطاع غزة الصغير المحاصر منذ 15 عامًا، وبعد صدمة الغزيين، وتحديدًا الشباب الراغب في "فسحة أمل"  تنهي السنوات العجاف، بقرار الرئيس محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان مقررًا عقدها في مايو/أيار الماضي، كان هذا الشهر نفسه "شهر الدم"، فعلى مدار 11 يومًا كانت الانفجارات وحمم النيران الإسرائيلية "تعصف" بأرواح آلاف الغزيين.

لم يمض وقت طويل على "لحظات التفاؤل" التي عايشها الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخصوصًا في القطاع الذي تعصف به الأزمات، عندما أعلن طرفا الانقسام توصلهما لاتفاقٍ برعاية مصرية يقضي بإجراء الانتخابات تباعًا على ثلاث مراحل، تبدأ بالتشريعية في مايو/أيار، ثم الرئاسية أواخر يوليو/تموز، ومن ثم انتخابات المجلس الوطني أواخر أغسطس/آب، حتى اتخذ الرئيس عباس قرارًا -لم يحظ بإجماعٍ وطني- بإرجائها إلى أجلٍ غير مسمى، والسبب: عدم سماح "إسرائيل"  بإجرائها في القدس.

وفي غزة، وبدلًا من أن يتوجّه الآلاف من شبابها إلى صناديق الاقتراع لأول مرةٍ في حياتهم، كانت صناديق الذخيرة وحمم القذائف تخطف أعمارهم، التي انقضت 15 عامًا منها هباءً منذ وقوع الانقسام الداخلي منتصف عام 2007، وبينهم من تجاوز الثلاثين دون أن يحظى بفرصة عملٍ أو زواج.

ومن كان من هؤلاء طفلًا في العاشرة؛ أصبح الآن شابًا يبحث عن بناء حياته الشخصية، في ظل انقسامٍ وحصارٍ خانق، تسببا في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وندرة فرص العمل حتى لمن يحملون شهادات جامعية في تخصصات مختلفة.

وإزاء هذا الواقع المؤلم، كانت الأخبار تتوالى عن حالات انتحار، أو محاولات انتحار لشباب في العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، ورغم أن التكتّم على الإحصاءات الدقيقة للانتحار ودوافعه في غزة، إلا أن الشائع بين الناس، أن الدافع "اقتصادي" بالدرجة الأولى.

ما لا يقل عن 17 شخصًا (جلهم من الشباب) انقضت حياتهم عن طريق الانتحار، فيما حاول مئات آخرون الانتحار، خلال النصف الأول من العام 2021م.

وتشير بيانات عيادة الصحة النفسية في غزة، إلى أن ما لا يقل عن 17 شخصًا (جلهم من الشباب) انقضت حياتهم عن طريق الانتحار، فيما حاول مئات آخرون الانتحار، خلال النصف الأول من العام 2021م.

وبحسب الأخصائية في العيادة، الدكتورة نفين الشيخ، فإن كل مسبّبات الإقدام على الانتحار متوفرة في غزة، من حيث انسداد الأفق، والفقر، والبطالة، إضافةً إلى عوامل شخصية فردية، تزيد من معدل الانتحار كالإدمان والأزمات العاطفية.

وتقدر تقارير صادرة عن "منظمة أطباء بلا حدود"، أن 40% من شباب غزة يعانون من اضطرابات المزاج، وأن 60-70 في المئة، يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وهناك 90% يعانون من حالات أخرى مرتبطة بالتوتر، ومن الواضح أنه لا يتم الإبلاغ عن حالات الانتحار بشكلٍ كافٍ بسبب ما وصفته المنظمة الدولية بـ "وصمة العار" المتعلقة بقضايا الصحة النفسية في المجتمع الفلسطيني.

وظلت الهجرة تشغل بال كثير من الشباب هربًا من واقع غزة المأزوم، وفيما لم تتمكن أعدادٌ منهم من الوصول إلى غايتهم في أوروبا، وقع عدد كبير منهم ضحايا لجشع المهربين من تجار الهجرة غير الشرعية.

يحيى بربخ (26 عامًا)، كان أحد الضحايا، وقد نجا بحياته بأعجوبة، بعد غرق مركب متهالك كان يقله وآخرون جلهم من غزة، ليقرر العودة إلى زوجته وأطفاله، بعدما فقد اثنين من رفاقه غرقًا، أحدهما كان أبو أدهم الفرا، الذي دوى اسمه في تسجيل صوتي لبربخ، ولاقى تفاعلًا واسعًا: "أبو أدهم أكله السمك.. أكلنا السمك يمّا".

يصف بربخ لـ "نوى" تفاصيل ما عايشه ورفاقه في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بأنها "رحلة موت"، وقال: "إن عصابة مهربين متخصصة بتهريب المهاجرين من تركيا إلى اليونان، خدعتنا بأن الرحلة قصيرة وآمنة، وأن عددنا قليل على متن مركب حديث، مجهزٌ بكل إجراءات السلامة، لكن عندما وصلنا الشاطئ وجدنا مركبًا قديمًا مهترئًا، وعدد كبير من المهاجرين، ونحن 10 جميعنا من غزة، فاعترضنا، لكنهم خدعونا بأن ثمة مركبٌ آخر ينتظرنا عند جزيرة قريبة من الشاطئ.

وبعد أميالٍ قليلة من الشاطئ، ارتفعت الأمواج وتلاطمت وتسببت في انقلاب المركب بمن فيه، وتشتتنا لنحو ثلاث ساعات نقاوم الأمواج، حتى أوشكتُ على الاستسلام، وإذا بمركبٍ لخفر السواحل التركي يصل فينقذنا، بحسب بربخ.

وبحسب إحصاءات غير رسمية، فإن أعدادًا تتراوح بين 40 ألفًا و70 ألفًا من الشباب غادروا غزة منذ العام 2014م ولم يعودوا إليها.

عدوان: الهجرة من غزة لا تمثل ظاهرة، فهجرة بعض الشباب سببها الحصار، وغاياتها متعددة، فهناك من خرج بنيّة العمل والتعليم.

ولا يرى عضو اللجنة الاقتصادية النائب عن "حماس" في المجلس التشريعي عاطف عدوان، بأن الهجرة من غزة تمثل "ظاهرة"، إذ قال لـ"نوى": إن "هجرة بعض الشباب سببها الحصار، وإجراءات بعض الدول العربية"، عادًا أن غايات الهجرة متعددة، وأن هناك من خرج بنيّة العمل والتعليم.

وعن دورهم تجاه الشباب بصفتهم "السلطة الحاكمة في غزة"، قال عدوان: "المجلس التشريعي (يقتصر على كتلة حماس البرلمانية) ناقش قبل نحو أسبوعين قضية الشباب والهجرة، وكانت هناك توصيات بضرورة العمل على تغيير أوضاع المجتمع والتركيز على النواحي الاقتصادية، وفي هذا الصدد أوصى المجلس أيضًا لجنة متابعة العمل الحكومي بالتراجع عن قرار دمج وزارتي الشباب والثقافة في "هيئة"، وإعادة وزارة الشباب من جديد، وفتح آفاق أوسع للشباب للتدريب وإثبات الذات".

وأوضح أن الحكومة من جانبها ترى أن قدراتها تتمثل حاليًا بالعمل على إنشاء محاضن للتدريب الإلكتروني والعمل عن بعد، مقرًا بأن هذه كلها محاولات ضعيفة ولا ترقى لاحتياجات الشباب. يستدرك: "لكن المحاولة أفضل من الاستسلام".

عدوان: الشهور القليلة القادمة ستشهد تحسنًا في الواقع الاقتصادي، خصوصًا بعد خطوة التسجيل للعمل في الداخل المحتل.

ويعتقد عدوان أن الشهور القليلة القادمة ستشهد تحسنًا في الواقع الاقتصادي، خصوصًا بعد خطوة التسجيل للعمل في الداخل المحتل.

وشهد العام 2021م خطوة غير مسبوقة، بتولي وزارة العمل التي تديرها "حماس" في غزة المسؤولية عن عملية تسجيل الراغبين بالعمل في "إسرائيل".

وقال مدير عام الشباب في "هيئة الشباب والثقافة" جمال العقيلي لـ "نوى": "إن "صندوق دعم الشباب" يدعم مشاريعًا في مجالات مختلفة خاصة بالشباب على شكل "قروض حسنة"، تساعدهم سواء على الزواج، أو على إنشاء مشاريعهم الصغيرة الخاصة"، مبينًا أن "الهيئة" لا تستطيع وحدها تحمل "ملف الشباب"، باعتبار أن شريحة الشباب هي الأكثر احتياجًا للدعم والإسناد في مجالات التعليم، والإسكان، والزواج، والعمل.

فراس (26 عامًا)، يمثل نموذجًا صارخًا لهؤلاء الشباب الذين تحدث عنهم العقيلي، الذي ونظرًا لظروف أسرته المادية المتدهورة، وعدم قدرتها على تحمل تكاليف دراسته والمصاريف اليومية، لجأ للعمل كعامل نظافة في منشأةٍ تجارية، بأجرة زهيدة (20 شيكلًا يوميًا).

يعمل فراس (26 عامًا) 12 ساعة يوميًا مقابل 600 شيكل شهريًا، من أجل توفير تكاليف السنة الدراسية الأخيرة له في تخصص الهندسة المعمارية.

وبحسب حديث فراس مع "نوى"، فإنه يعمل 12 ساعة يوميًا مقابل 600 شيكل شهريًا، من أجل توفير تكاليف السنة الدراسية الأخيرة له في تخصص الهندسة المعمارية.

وكان من المفترض أن يتخرج فراس من الجامعة قبل بضعة أعوام، لكنه اضطر أكثر من مرة إلى تأجيل الدراسة لعدة فصول، بسبب ظروف أسرته الاقتصادية، التي ازدادات تدهورًا بعد وفاة والده.

ويواجه الكثير من أمثال فراس مشكلات تتعلق بعدم قدرتهم على تحمل الرسوم الجامعية، ويضطرون إلى ترك مقاعد الدراسة، والبحث عن فرص عمل تكاد تكون معدومة، وبأجورٍ وصفتها "الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان" (ديوان المظالم)، في أحد تقاريرها، بأنها "تقارب أعمال السخرة".

ولا تتوقف معاناة فراس وأمثاله بحصولهم على الشهادة الجامعية، ليبدأ فصل جديد من العذاب في البحث عن العمل في تخصصاتهم أيضًا.

محمود مقاط شاب في منتصف الثلاثينات من عمره، خاض هذه التجربة المريرة، ورغم حصوله على شهادتي دكتوراه في الشريعة الإسلامية، إلا أنه لم يحصل على وظيفة في الجامعات والمؤسسات التعليمية، واضطر إلى العمل في مخبز مع أقارب له، نظير أجرة يومية (60 شيكلًا).

واصطدمت مساعي محمود بالحصول على وظيفة بالرفض لأسباب عدة، ويقول لـ نوى": "لم أترك جامعة أو مؤسسة إلا وطرقت بابها، وكانت الإجابات دومًا: باب التوظيف مغلق حاليًا، أو التخصص غير مطلوب، أو يلزمك شهادة خبرة لعامين في نفس مجال التخصص".

محمود مقاط (حاصل على شهادتَي دكتوراه): صدمتُ أن تخصصي في الشريعة الإسلامية ليس مدرجًا حتى على قوائم من يحق لهم العمل حتى على بند البطالة!

وأضاف: "توجهتُ لديوان الموظفين العام (تديره لجنة العمل الحكومي التابعة لحكومة حماس)، وصدمتُ أن تخصصي في الشريعة الإسلامية ليس مدرجًا حتى على قوائم من يحق لهم العمل حتى على بند البطالة".

ويعيل محمود أسرة من سبعة أفراد، أحدهم طفل في الثامنة من عمره مصاب بالسرطان، ويقول: "أقبل العمل في المخبز، على السعي المذل وراء المساعدات الإغاثية".

نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات في مختلف التخصصات بلغ 78% في غزة، خلال العام 2020م، مقابل 35% في الضفة الغربية.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات في مختلف التخصصات بلغ 78% في غزة، خلال العام 2020م، مقابل 35% في الضفة الغربية.

وبحسب بيان نشره الجهاز على موقعه الرسمي في يوليو/تموز الماضي، حول "مجال الدراسة وعلاقته بسوق العمل"، فإن مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية خرجت في العام 2019م أكثر من 42 ألف طالب وطالبة في مجالات مختلفة، في حين لا يستوعب سوق العمل المحلي سوى 8 آلاف فرصة سنويًا.

هذه الندرة في فرص العمل، دفعت أبو ماجد (فضل عدم ذكر اسمه)، وآلاف الشباب في الضفة الغربية، إلى المخاطرة بسلوك طرق ملتوية للعمل في الأراضي المحتلة عام 1948م.

ويعمل أبو ماجد، وهو من سكان الخليل، في ورشة بناء خلال النهار، تتحول إلى مكان للنوم بمشاركة عشرة من زملائه خلال الليل.

يقول لـ"نوى": "المقاول الإسرائيلي وفّر لنا بعض الفراش والأغطية داخل غرف مهجورة في الورشة من دون مطبخ أو حمامات.. الموت أفضل من هذه العيشة، إنها لقمة عيش مغمسة بالذل، ولكن لا بديل أمامنا، فلدينا مستقبل، واحتياجات لا تتوقف".

وتشير أرقام غير رسمية إلى أن عدد عمال الضفة في الداخل المحتل، والمستوطنات المنتشرة في الضفة، يقدر بنحو 200 ألف، سواءً من يعملون بتصاريح رسمية، أو من يلجأون كأبو ماجد للتهريب، بحثًا عن "لقمة العيش".

ويعدُّ العائد المادي الذي يجنيه العمال داخل الأراضي المحتلة عام 48م، أحد أهم محركات عجلة الاقتصاد في الضفة التي أنهكتها ممارسات الاحتلال، كالاستيطان ومحاربة الاقتصاد المحلي، ومصادرة أموال الضرائب (المقاصة)، فضلًا عن تداعيات جائحة كورونا.

وبحسب تقديرات نقابية، فإن العامل الفلسطيني يتلقى أجرة يومية في "إسرائيل" أعلى بكثير من الأجور داخل غزة والضفة، وتتراوح ما بين 350 إلى 500 شيكل.

وفي القدس المحتلة، ومن بين مآسي حي الشيخ جراح، برز التوأمان منى ومحمد الكرد (23 عامًا) كنموذجٍ للشباب الواعي الوطني الفاعل، دفاعًا عن المدينة المقدسة، ورفضًا لمساعٍ إسرائيلية لا تتوقف لتهجير سكان الحي وطردهم من منازلهم.

ونتيجة للدور البارز للتوأمين، اختارتهما صحيفة (التايمز) الأميركية ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة عالميًا في 2021م، وقالت "إنهما ساعدا على إحداث تحول دولي بالخطاب فيما يتعلق بـ"إسرائيل" وفلسطين، وأتاحا للعالم نافذةً لتجربة العيش تحت الاحتلال في القدس المحتلة".

وخلال العام، تعرضت منى ومحمد كما غيرهما من شباب الحي للاعتقال والتنكيل من قبل المستوطنين، وبحماية جيش الاحتلال وشرطته.

ووصفت الصحيفة الأميركية الشقيقين بأنهما يتمتعان بشخصيات جذابة وجريئة، وأصبحا أكثر الأصوات شهرة لأولئك المهددين بفقدان منازلهم في الشيخ جراح.

واشتهرت منى على نطاقٍ واسع بمقطع فيديو يُظهر مستوطنًا يدعى "يعقوب" يحتلّ جزءًا من منزل عائلة الكرد في حي الشيخ جراح، بينما تواجهه منى وتقول له "أنت تسرق بيتي"، فيما يرد عليها قائلًا: "إن لم أسرقه أنا فسيسرقه أحد آخر"، في اعترافٍ واضحٍ منه بعدم أحقيته في المنزل واحتلاله.

أما محمد، فكان وقوفه على منبر الأمم المتحدة لافتاً، وتحدث بلغة انجليزية متقنة، داحضاً مزاعم الاحتلال ومؤيديه ورواياتهم التي تدعم التطهير العرقي للفلسطينيين وتهجيرهم من منازلهم، ومؤكداً الأحقيّة الفلسطينية في البيوت والمنازل والتاريخ في وجه الوحشية الإسرائيلية.

ووجه محمد نقداً حاداً للمجتمع الدولي، "الإفلات من العقاب وجرائم الحرب لن توقفه بيانات الإدانة وإظهار الدهشة، كما لن توقفه تغريدات القلق.. لقد أوضحنا مرارا وتكرارا نوع التدابير والسياسة التحويلية التي يجب اتخاذها.. المشكلة مرة أخرى ليست الجهل، إنها في التقاعس عن العمل.. أطلب منكم جميعاً أن تكونوا شجعاناً فنحن نستحق العدالة والتحرير كما نستحق العودة إلى أراضينا".

ولمعاناة الشباب الفلسطيني في الداخل المحتل وجه آخر مختلف، فإسرائيل تمارس عنصرية واضحة ومتنامية ضد المجتمع العربي في مجالات الحياة المختلفة وخاصة في العمل والتعليم، وتساهم سواء عن قصد أو بالإهمال في انتشار الجريمة.

ويستدل من المعطيات والإحصائيات المتوفرة أن عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي، بلغ  129 منذ مطلع 2021، بينهم 13 امرأة، وبحسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية قبل بضعة أيام بعنوان "أسباب صامتة تقف وراء تعاظم الجريمة في الوسط العربي داخل إسرائيل"، فإن أحد أهم هذه الأسباب هو إهمال الحكومة الإسرائيلية للمجتمع العربي بتبنيها مقاربة "ليقتلوا بعضهم".. وغالبية الضحايا هم من الشباب.

ويقول الباحث المختص بشؤون القدس والداخل المحتل، الدكتور جمال عمرو لـ "نوى": "إن فرص الحياة أمام الشباب ضعيفة، والمهددات كبيرة، وهم بحاجة ماسة إلى مشروع إنقاذ وطني".

وبرأي عمرو، فإن الجيل الثاني والثالث من بعد النكبة في العام 1948م، تعرضوا لأزمات عنيفة تتعلق بالهوية، ومحاولات "الأسرلة"، ضاربًا المثل بعضو الكنيست منصور عباس، الذي أطلق تصريحًا وصفه بـ "الصادم"، يتعلق بيهودية "إسرائيل"، وأنها أُسست كدولة يهودية، وستبقى كذلك، ومنصور هو من جيل ما بعد النكبة.

وإضافةً إلى ارتفاع معدلات الجريمة، التي يؤكد د.عمرو مسؤولية "إسرائيل" الكاملة عنها، يقول: "إن الشباب في الداخل ينتقدون "الرؤية المستقبلية"، والبعض منهم أصبح يهرب من هذا الواقع بالسفر والعيش في الخارج، للنجاة من العنصرية الإسرائيلية في مناحي الحياة كافة".

ومن تبقى من الشباب في الداخل يعانون -بحسب عمرو- من الغلاء الفاحش، وعدم توفر أماكن للسكن، والتفرقة العنصرية في سوق العمل، حيث تشير التقديرات إلى أن الشباب الفلسطينيين، يأتون في المرتبة الخامسة بعد اليهود بأصولهم المختلفة، من حيث الحصول على فرصة عمل.

ويشير د.عمرو إلى ظاهرة متنامية في أوساط الشباب، الذين أصبحوا يفضلون تأخير الزواج، وعدم الإنجاب، أو إنجاب طفل واحد، خشية من عدم القدرة على تربية الأبناء وتعليمهم.