"أبو هواش" يقاوم نزيف الوقت وطفله: "أريده حيًا"
تاريخ النشر : 2022-01-03 19:23

الضفة الغربية | نوى:

"أريدُ أبي حيًا"، عبارةٌ تقشعر لها الأبدان، رفعها طفلٌ فلسطينيٌ للمطالبة بحرّية والده المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والمضرب عن الطعام منذ 140 يومًا متتالية.. هشام أبو هواش.

بعينين غائرتين في وجه الصمود، وقلبٍ ما زال ينبض أملًا بالفرج، تجوب صورة أبو هواش ابن بلدة دورا غربي مدينة الخليل، مواقع التواصل الاجتماعي، فتحكي للعالم: كيف ينتزع السجن روح الإنسان حيًّا! 

واعتقلت قوات الاحتلال أبو هوّاش (40 عامًا) من بين زوجته وأطفاله الخمسة، في السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول لعام 2020م، قبل أن تُحوله للاعتقال الإداري غير المرتبط بمدّة، وهو الذي نزف عمره في السجون الإسرائيلية ثماني سنوات ونيّف عبر اعتقالاتٍ متعددة.  

هذه المرة، قرر أنه لن يسمح لمسلسل الاعتقال الذي يقتل روحه في كل مرةٍ أن يمر مرورًا طبيعيًا. لقد جرّب ألوانًا مختلفةً من الحرمان، والفقد، والتعذيب النفسي والجسدي، فرفع يده وقال: "كفى" وإن كلّف ذلك باقي العمر وآخر الأنفاس. خمسة أشهر لم يذق للأكل طعمًا، بينما التحذيرات تتوالى: قد يموتُ في أية لحظة.

ومع هذه الغصّة يتساءل الناس: من يستطيع إنقاذه؟ يطالبون بحريته ليل نهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وقفات دعمٍ وإسنادٍ انطلقت في رام الله، والخليل، وغزة، وأم الفحم، التي قابلها الاحتلال بالاعتداء بالضرب، والاعتقال.. رغم ذلك يرفض المحتل إيقاف عداد الوقت النازف.. الأربعون بعد المئة، الأيام تمضي، "والوقت يسرع باتجاه الأسوأ" كما يصفه البعض.

ويقول الصحفي إيهاب الجريري في وصف حالة الصمت إزاء وضع أبو هواش: "تنام المدينة، بلا خوفٍ ولا خجل، ولا حتى شعور بتأنيب الضمير، تنام الدولة، وأجهزة الأمن تغفو، ينام الرئيس، وينام رئيس الوزراء، والوزراء، وتنام الهراوات التي انهالت علينا في الشوارع، وتنام محركات السيارات العسكرية، وتنام الرُتبُ والمقامات العليا، بلا أي شعور بالعجز".

ويضيف في منشورٍ كتبه على صفحته الشخصية في "فيس بوك": "ننام جميعًا آملين أن تفوتنا الأخبار المزعجة، بأن أحد أبناء هذا البلد ينام منذ أكثر من ١٣٩ يومًا بلا طعام، صار عظامًا يكسوها الجلد، صار شبحًا بالكاد يستطيع التنفس، ورغم ذلك، بات حملًا ثقيلًا علينا".

وأما نحن –على لسان إيهاب– "نقلد الوزراء الجدد، ونناقش تسعيرة السفر عبر الأردن، ونعترض على ارتفاع أسعار السجائر.. صار عبئًا ثقيلًا على المشروع الوطني برمته. ما أوقحنا، وما أكبر عجزنا يا هشام.. إنه يُحتضر يمر خبر عاجل في وسائل الإعلام، ونبتعد سريعًا كي لا تقفز إلينا تفاصيل العذاب، وكي لا نلمح بالخطأ عينا ابنه يراقب والده يحتضر.. ويتساءل: هل هذا هو الوطن؟!".

كذلك عبّرت إيمان أكرم عن سخَطها في مسيرةٍ داعمةٍ أمام جمعية الصليب الأحمر بغزة، وصرخت تقول: "بس نموت رح تتحرك القيادة، كل يوم بمر على هشام في الإضراب يفقده جزءًا من صحته ومن روحه".

وترى إيمان أن سياسة الاحتلال في المماطلة في حل قضايا المضربين ليست عبثية، فهي تحاول المماطلة تدريجيًا مع كل أسيرٍ يضرب عن الطعام لأجل حريته، من أجل منع آخرين من الإقدام على هذه الخطوة، مستدركةً بالقول: "لكنها معركة الأمعاء الخاوية، فحين تُسلَبُ حرية الإنسان، لا حرية تضاهيها". 

وعن تجارب سابقة لأسرى تحرروا بعد انتصاء أمعائهم الخاوية، فقد سجّل المحرر سامر العيساوي أطول إضراب عن الطعام في سجون الاحتلال، استمر 265 يومًا، حيث بدأ في آب/ أغسطس من عام 2012م، واستمر حتى نيسان/ أبريل من عام 2013م، احتجاجًا على اعتقاله الإداري.

أما المحرر محمود السرسك، الذي اعتقله الاحتلال عام 2009م، من حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة، فقد أمضى ثلاث سنوات بحكم إداري، لكنه أضرب عن الطعام لأكثر من 96 يومًا حتى استجاب الاحتلال لمطلبه بنيل الحرية.

وخاص محمد القيق -صحفي فلسطيني- إضرابًا عن الطعام في السجون الإسرائيلية، استمر 95 يومًا احتجاجًا على اعتقاله الإداري، وانتهى بتحقيق مطلب عدم تمديد الاعتقال، وأُفرج عنه يوم 19 مايو/أيار من عام 2016م.

أما ثائر حلاحلة وبلال ذياب، فخاضا إضرابًا مفتوحًا عن الطعام لمدة 76 يومًا احتجاجًا على اعتقالهما الإداري، حتى استجاب الاحتلال، وأفرج عنهما في نيسان/ أبريل من عام 2012م.

وخاض خضر عدنان، العديد من الإضرابات في سنوات مختلفة ضد اعتقاله الإداري، كان أشهرها عام 2012م، لمدة 66 يومًا، وعام 2015م لمدة 52 يومًا، وفي 2018م لمدة 59 يومًا.

والاعتقال الإداري وفق مؤسسة "الضمير" لحقوق الإنسان، هو اعتقالٌ بدون تهمةٍ أو محاكمة، يعتمد على عبارة (ملف سري) و(أدلة سرية)، لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها.

ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري، لفترةٍ أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد.

وذكر نادي الأسير الفلسطيني، في بيان صحفي، أن الأسير هشام أبو هواش الذي ينحدر من مدينة الخليل "يواجه الموت" في مستشفى "أساف هروفيه" الإسرائيلي، في ظل استمرار إضرابه عن الطعام رفضًا لاعتقاله الإداري.

وحذرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في منظمة التحرير الفلسطينية من خطورة الوضع الصحي للأسير أبو هواش، وقالت: "إنه يدخل في حالة فقدان متقطع للوعي"، ذاكرةً أنه "فقد قدرته على الحركة، ويعاني من صعوبة بالغة في الكلام".