الأسير دمدوم يقيم "عُرسًا" في قلب أمه
تاريخ النشر : 2021-11-11 19:29

القدس:

"عبد العزيز الأول ع القدس يا أم محمود"، جاءت العبارة على لسان محامي الأسير العشريني كماءٍ أخمدَت نارًا. تقول أمه: "سمعتُها وبكيت فأنا لم أكن على علمٍ بأي شيء".

الأسير عبد العزيز دمدوم (21 عامًا) من مدينة القدس يحصد المركز الأول على المدينة في نتائج الثانوية العامة الخاصة بالأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال.

حين تلقّت أمه الخبر عبر الهاتف –وهي التي لم تكن على علمٍ بتقدّمه للامتحانات هذا العام- فتحت بيتها في بلدة العيزرية لاستقبال المهنّئين الذين فوجئوا هم أيضًا بالخبر.

ويقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 5000 أسيرة وأسير فلسطيني، سعى الكثير منهم رغم القيد لإتمام تعليمهم، حيث يتقدم سنويًا لامتحانات الثانوية العامة عدد منهم، وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم قبل يومين أسماء الناجحين منهم لهذا العام.

"عبد العزيز يقيم الأفراح في قلوبنا حتى وهو أسير داخل سجون الاحتلال"، تعلق أمه في حديثها لـ "نوى"، وتكمل بنبرة أسى: "اعتقله الاحتلال الإسرائيلي ليلة عيد ميلاده في 10 فبراير هذا العام، بعد شهرين فقط من الإفراج عنه بعد أن أمضى حكمًا سابقًا لعامين كاملين".

وعن تفاصيل الحدث السعيد، تعود أم محمود إلى تلك اللحظة بشغف، وتقول: "لدى الإعلان عن نتائج امتحانات الثانوية العامة للأسرى، تلقيت اتصالًا من المحامي أمجد أبو عصب يخبرني بنجاح عبد العزيز بمعدل 78.9% في الفرع الأدبي، فوجئت وبكيت بشدة، فأنا لم أكن أعلم أنه تقدم للامتحانات، وليس لدي أي تفاصيل حتى الآن حول كيف درس؟ وكيف وفّر الكتب؟".

تكمل: "أراد أن يجعلها مفاجأة، وكانت بالفعل أجمل المفاجآت"، فعندما زارته في سجون الاحتلال تحدّث إليها حول رغبته في إتمام تعليمه والدراسة في جامعة بيرزيت، وهي ردّت عليه من باب المجاملة وجبر الخاطر –كما تلفت- "إن شاء الله يا ابني"، لكنها لم تكن تعلم أنه يعدّ العدّة لهذا فعلًا.

تقدّم عبد العزيز قبل ثلاث سنوات بشكل عادي لامتحانات الثانوية العامة، الفرع الصناعي، واعتقله حينها الاحتلال على حاجز "جبع" أثناء ذهابه لتقديم الامتحان، وبعد تحرره تابع عبر الامتحانات التكميلية ونجح، وبعدها تم اعتقاله إداريًا لعامين، وتحرر في نوفمبر 2020، وبعد شهرين فقط أعاد الاحتلال اعتقاله دون الحكم عليه حتى الآن.

تعقّب: "شهران فقط، هناك الكثير من الأمور التي لم أتحدث بها إليه بعد، وأماكن لم نزرها، حتى أن لي أصدقاء لم يشاهدوه بعد، اعتقاله كان سريعًا ومفاجئًا وصادمًا".

بدأت قصة عبد العزيز مع الاعتقالات منذ كان في السادسة عشرة من عمره –كما تروي أمه- وهذا هو الاعتقال الخامس له، إذ كان الاحتلال يتعمد تعريضه لتحقيقٍ قاسٍ قبل أن يتمّ ثمانية عشر عامًا. تضيف: "حدثني في أحد المرات أنه أمضى 21 يومًا في معتقل المسكوبية لا يعرف الليل من النهار، وتعرّض لضغطٍ نفسيٍ شديد".

على مدار 9 شهور لم تحظَ أم محمود بزيارة ابنها سوى مرتين بسبب منع الاحتلال، ورغم أن معتقل "عوفر" لا يبعد عن مدينة القدس أكثر من ساعة، إلا أن الاحتلال يتعمد جعل الطريق تمتد إلى 13 ساعة من التعب والإرهاق من أجل زيارة لا تستمر أكثر من 45 دقيقة، وبحوار يدور عبر الهاتف وليس مباشرة، وهو الأمر الذي تصفه أم محمود بقولها: "هو محاولة فجّة من الاحتلال لإذلال أهالي الأسرى.

آخر مرة رأت فيها أم محمود عبد العزيز وجهًا لوجه كانت ليلة اعتقاله، كانت تستعد لعيد ميلاده في اليوم التالي، وأرادت أن يكون حفلًا كبيرًا وبهيجًا خارج البيت، فهو عيد ميلاده الأول بعد تحرره، "في تلك اللية اقتحم جنود الاحتلال المنزل وهم يغنون أغاني عيد الميلاد كنوع من الاستفزاز لنا، ووضعوا الكلبشات في يديه وقال الضابط تعال معنا نعملك عيد ميلاد، ولم يسمحوا لي باحتضانه" تزيد.

الزيارة متعبة خاصة في فصل الشتاء، تخرج أم محمود تمام الرابعة والنصف فجرًا، وتُمضي ساعات حتى تصل إلى سجن "عوفر" كي تلتقي بابنها من خلف الزجاج، ولا تحظى حتى بفرصة احتضانه، بل إنها تتحدث إليه عبر الهاتف، وتظهر صورته في كاميرا خلفه، وكي تراه بشكل اوضح هي مضطرة لإعطائه ظهرها حين تريد رؤيته عبر الكاميرا بوضوح.

تعقّب: "مؤلم جدًا أن أسمعه عبر الهاتف، وأراه عبر كاميرا مثبته خلفي، بينما يفصلني عنه سنتيمترات ولوح زجاجي ضخم"، مردفةً بغضب: "يتعمد الجنود استفزازي في كل لحظة بطلب وضع الكمامة مني ومن عبد العزيز، مع أن الصوت أصلًا غير واضح عبر الهاتف، فما بالكم ونحن نضع الكمامات".

6 أعياد لم يحضرها عبد العزيز -وهو الثالث بين إخوته- مع عائلته، وهي المناسبات التي كان يمارس هو  فيها دور تزيين البيت الذي يفتقد وجوده.

شقيقه أنجب طفلًا أثناء اعتقاله السابق، وطفلة قبل اعتقاله الحالي بثلاثة أيام، وهو لا يعرف ملامح أطفال إخوته حتى الآن!

9 شهور مرت، وما زال عبد العزيز معتقلًا إداريًا دون أن يصدر الاحتلال حكمًا بحقه، وهذا ما جعل والدته في حالةٍ من التوتّر والقلق الدائمين، ومع ذلك فلائحة الاتهام المقدمة بحقه هي ذاتها التي سبق وتمت محاكمته عليها لعامين.

رغم كل شيء، تؤمن أم محمود بأن نجلها يتحلى بعزيمة قوية، ولديه أمل في التحرر من أجل إتمام تعليمه الجامعي، "فالعزيمة التي جعلته يتحدّى القيد وينجح، حتمًا ستدفعه لتحقيق حلمه" تختم.