هل يتحرر المحتوى الفلسطيني من قيود "فيسبوك"؟
تاريخ النشر : 2021-10-19 11:42

غزة:

تُضطر الصحافية الفلسطينية مرج الزهور أبو هين، عند النشر في منصات التواصل الاجتماعي؛ إلى تقطيع كافة الكلمات الدالة على القضية الفلسطينية مثل "شهيد وأسير"، أو أسماء قيادات المقاومة الفلسطينية.

الصحافية مرج الزهور التي تسكن قطاع غزة، واحدةٌ من بين مئات الصحافيين والصحافيات الذين استهدفت إدارة "فيس بوك" حساباتهم بالحظر من النشر والتعليق لفترات متفاوتة، لكنها لم تصل حتى اللحظة إلى مرحلة "حذف الحساب بالكامل" كما حدث مع عددٍ كبيرٍ من النشطاء الفلسطينيين، في إطار محاربة المحتوى الذي يدعم الرواية الفلسطينية.

تقول مرج الزهور لـ"نوى": "تعرض حسابي للحظر فترةً لا بأس بها بعد مسيرات العودة عام 2018م، بسبب منشوراتٍ حول المقاومة الفلسطينية، وبعد العودة تعرّض لإغلاقات أخرى وحذف منشوراتٍ أيضًا".

وتجزم أبو هين أن هذا الاستهداف لحسابها –كما هو الحال لدى كل من تعرضوا لذلك- يؤثر في قدرتهم على نقل الرواية الفلسطينية، "بل إن فيس بوك بسياسته هذه يتعمد حجبها وتقييدها، خاصةً خلال فترات تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، أو اقتحامات المسجد الأقصى، ومعركة الشيخ جراح" تضيف.

انتهاكات "فيس بوك" ضد المحتوى الفلسطيني تصاعدت إبان الاعتداءات الإسرائيلية على حي الشيخ جراح الذي يهدده الاحتلال بالمصادرة لصالح مستوطنين إسرائيليين، حيث تعرّضت حسابات نشطاء فلسطينيين للإغلاق، فيما منع آخرون من النشر لفترات مختلفة، كما تم حظر صفحات تابعة لوسائل إعلام فلسطينية، الأمر الذي تسبب في انتقاداتٍ واسعة للشركة، أقرّتها لجنة الرقابة على فيس بوك -وهي لجنة داخليّة للشركة ذاتها-

وفي الثامن من أكتوبر الجاري، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأمريكية، تقريرًا اتهمت فيه إدارة "فيسبوك" بشن حرب على المحتوى الفلسطيني عبر "إزالة وقمع محتوى تم إدراجه من قبل الفلسطينيين ومؤيديهم، حول انتهاكات حقوق الإنسان التي نُفِّذت في شهر مايو/ أيار لعام 2021م خلال العدوان الإسرائيلي على كل من القدس وغزة".

"هيومن رايتس" عدّت اعتراف "فيسبوك" بالأخطاء، ومحاولات تصحيحها غير كافية، ولا تعالج حجم القيود على المحتوى المُبلّغ عنها، ودعت الشركة إلى تبنّي توصية مجلس الرقابة على "فيسبوك" في 14 أيلول/ سبتمبر 2021، لإجراء تحقيق مستقل في تعديل المحتوى، ومنحتها فرصة 30 يومًا للرد على توصيات المجلس.

في الثاني عشر من أكتوبر، نشر موقع " theintercept"، تقريرًا حديثًا عن القائمة "السرية السوداء" لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، شمِل أسماء أفراد ومنظمات فلسطينية، يعدّها فيس بوك "خطرة"، وتتم مراقبة المنشورات التي تحتوي صورًا أو منشورات تخصهم.

وتشير حوادث وثّقها الموقع، إلى أن قائمة "فيسبوك" وسياستها، "قد تكون أداةً فظّة للغاية"، حيث حذف موقع "فيسبوك" في مايو/ آيار الماضي، مجموعةً متنوعة من المنشورات لفلسطينيين حاولوا توثيق اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسيين والمسجد الأقصى.

مركز "صدى سوشيال"، وهو مركزٌ فلسطينيٌ مستقل في رام الله، دعا إلى تحقيقٍ مستقلٍ بشأن هذه التسريبات، مستنكرًا وصف أسماء ورموز وطنية فلسطينية، وشخصيات تاريخية، وجهات متضامنة مع الشعب الفلسطيني، بـ "الإرهاب".

من جانبها، أعلنت إدارة "فيس بوك" في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، تعيين هيئةٍ خارجيةٍ للتحقيق في اتهاماتٍ بمحاربتها المحتوى والرواية الفلسطينية.

وقالت في بيانٍ لها إنها "ستستعين بهيئةٍ خارجية، بعد موافقتها على توصيةٍ من مجلس الرقابة، وستنشر النتائج علنًا في عام 2022م".

تطوراتٌ لاقت صدىً إيجابيًا، حيث رحب مركز حملة –المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي- بقرار إدارة الشركة، وعدّه خطوةً في الاتجاه الصحيح، "وبعد طلباتٍ متكررة من المركز، وعدد من المؤسسات الحقوقية والدولية، أرسلت إلى فيسبوك، حول سياسة إدارة محتوىً شفاف ومتساوٍ بين اللغتين العربية والانجليزية".

الباحث في الدبلوماسية الرقمية حسن الداوودي، أوضح أن مواقع التواصل الاجتماعي، صعّدت من انتهاكاتها للمحتوى الفلسطيني خلال السنوات الثلاث الماضية، تحديدًا "فيس بوك" و"انستغرام" و"واتساب"، خاصةً خلال الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين.

فانتهاكات المحتوى- حسب الداوودي- تسعى لحجب الرواية الفلسطينية، وتحدّ من وصولها لغير العارفين بالقضية الفلسطينية، "وهذا ينتج عنه عدم التناسب وتغليب الرواية الإسرائيلية" يقول.

وعدّ ذلك انحيازًا واضحًا ضد الرواية الفلسطينية، "مع الإشارة إلى أن بعض الحيل التي لجأ لها مستخدمون، مثل وضع نقاط بين الكلمات التي يستهدفها "فيس بوك"، قد تكون تجاوزًا لخوارزميات "فيس بوك" الذي يسعى لتطوير خوارزمياته بحيث يكشف ذلك".

وكما يرى الداوودي، فإن اللوبيات التابعة للاحتلال الإسرائيلية، تمارس دور الضاغط على منصات التواصل الاجتماعي لا سيما "فيسبوك"، "لكن لم تجب الشركة صراحةً حول وجود ضغوطات غير رسمية، وهذا يعطي مؤشرًا حول طبيعة الضغوط التي يمارسُها الاحتلال الإسرائيلي لمحاربة الرواية الفلسطينية".

وبخصوص الهيئة التي تعتزم "فيس بوك" تشكيلها، يرى الداوودي أنها تمثل تطورًا مهمًا، "فإدارته أعلنت قبل ثلاثة أيام تعاقدها مع شركة علاقات عامة مستقلة ذات علاقة بالرقابة على الأعمال التجارية ومنظومة حقوق الإنسان، مؤكدةً أنها ستصدر نتائجها علنًا عام 2022م"، منبهًا إلى أن اللوبي الإسرائيلي سيمارس نشاطه باتجاه الشركة، "وهنا يكمن دورنا نحن، بالاستفادة من التجارب الماضية، وتكثيف الأنشطة المضادة التي نوضح فيها الحقائق كأصحاب قضية عادلة، ورواية صادقة".

أما إياد الرفاعي المختص بالدفاع عن الحقوق الرقمية في مركز "صدى سوشيال"، فأشار إلى أن محاربة المحتوى الفلسطيني مرتبط بشكل كبير بالاعتداءات الإسرائيلية، قائلًا: "بدأ ذلك يظهر بشكلٍ فعلي ومتسارع خلال العدوان على قطاع غزة ومعركة الشيخ جراح، حيث رصد المركز 700 انتهاكًا خلال هذه الفترة فقط؛ مقارنة بـ 1200 انتهاك رصدها العام الماضي".

هذه انتهاكات مرفوضة وتتنافى مع مبادىء حقوق الإنسان والحق في حرية الرأي والتعبير- كما يؤكد الرفاعي- الذي أضاف: "كان لمنظمة هيومان رايتس ووتش موقفًا واضحًا حول ذلك قبل أيام، وهذه دعوة لباقي المنظمات الحقوقية الدولية لإدانة هذه الانتهاكات، خاصةً مع نشر التسريبات التي تُصنِّف شخصيات وطنية فلسطينية بأنها إرهابية".

وقال: "إن إدارة فيس بوك التي أقرت تشكيل هيئةٍ للتحقيق في محاربة المحتوى الفلسطيني، مطالبة أيضًا بالخروج من عباءة التصنيفات الأمريكية التي تحتوي الكثير من الانحياز ضد الشعب الفلسطيني"، ملفتًا إلى أنه لا يمكن الحكم على مدى حياد الهيئة قبل الإعلان عن أسماء أعضائها.