التسويق الهرمي.. "وهمٌ" يُشرعُ أبوابه للمحاصرين بغزة
تاريخ النشر : 2021-10-11 14:27

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات

بعد أن شجّعتها إحدى صديقاتها على المتاجرة بما تملكه من مالٍ عن طريق الإنترنت، ضمن ما يسمى بـ "التسويق الهرمي" أو "الشبكي"، أرسلت الشابة هبة سعد (28 عامًا)، والمقيمة جنوب قطاع غزة لصديقتها مبلغ 200 دولار أمريكي ادخرته من عيديتها ومصروفها الشخصي.

"لقد أكدت لي حينذاك أن هذا العمل المريح، يتم من خلاله جني الكثير من المال خلال فترةٍ قصيرة" تقول لـ "نوى".

هبة أفاقت من صدمة خسارتها على اتهامات صديقاتها بـ"النصب والاحتيال"

فوجئت هبة بعد أسبوع بنفس الصديقة تطلب منها جلب المزيد من المشتركين، بعد أن أوهمتها بأن أموالها حققت أرباحًا كبيرة، لتبدأ بدورها بإقناع المزيد من الفتيات بالفكرة، وتشجيعهن على دفع مبالغ مقاربة، ليحصلن بعدها على منتجات وهمية، ويقُمن بتسويقها، طمعًا في الربح.

شعرت الفتاة سعد وأربعة من صديقاتها اللواتي انضممن إلى الفريق بالفرحة، لا سيما وهن يستمعن إلى ما يقال عن "تضاعف مبالغهن مرات ومرّات"، لكن سرعان ما تحول الفرح إلى صدمة بعد أن عجزن عن سحب المبالغ المودعة! لقد اكتشفت الفتيات أن الأمر لا يتعدى كونه "عملية نصب واحتيال"، وأن لا أمل في سحب الأرباح المزعومة –كما حدث مع متداولين كثر- ولا حتى في استرداد رؤوس أموالهم التي دفعوها.

ورطة هبة كانت مضاعفة، فهي لم تخسر أموالها وحسب، بل وقعت في مواجهةٍ مع صديقاتها اللاتي اتهمنها بالخداع "والتسبب في خسارةٍ فادحةٍ لهن. وهنا قررت البدء بما أسمته "حملة تحذير" من ما بات يُعرف باسم "التداول الشبكي على الإنترنت".

ما هو التداول الهرمي؟

واتفق ثلاثة من خبراء التسويق والعمل على شبكة الإنترنت، على تعريف التسويق الشبكي أو الهرمي بأنه مشروع لـ"الاحتيال الهرمي،  فهو نموذج عمل "غير مستقر" هدفه جمع المال من أكبر عدد من المشتركين، بينما يكون المستفيد الأول هو المتربع على رأس الهرم.

ووفق الخبراء، يبدأ هذا النموذج بشخصٍ أو شركة في أعلى الهرم، يتلخّص عملها في إقناع المستخدمين بالاشتراك أو المساهمة بمبلغ مالي مع الوعد بإعطائه خدمات أو ربح إن استطاع إقناع آخرين بالاشتراك بعده. وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر، وكل مشترك يقنع من بَعده بالاشتراك مقابل العمولات الكبيرة المزعومة، التي يمكن أن يحصل عليها إذا نجح في ضم مشتركين جدد يتبعونه في قائمة الأعضاء.

ويقوم هذا المشروع بالتركيز على عملية الانخراط، وربطها بالبيع، بغض النظر عن نوعية المنتج نفسه.

قانونيًّا يعد البيع الهرمي ممنوعًا بنص قانون في عديد من الدول، إلا أن الشركات الجديدة التي تنشأ لهذا الغرض، تتحايل دائمًا لإخفاء طريقة عملها، ويظل الضحية هو الوحيد الذي يمكنه كشف ذلك. لكن أمام عدم معرفة زبائن هذه الشركات بعدم قانونية عملها، فهم غالبًا يواصلون "العمل" في دوامة البيع الهرمي ساعين لجلب ضحايا جدد، حتى يتمكنوا من استرجاع استثمارهم الأصلي، مما يجعل من الصعب اكتشاف هذه الشركات ومتابعتها قضائيًّا.

نصب تدريجي

ويصف المختص في البرمجيات وعلوم الإنترنت محمد فروانة، ما يسمى بالتداول الشبكي أو الهرمي بـ"عمليات النصب المركبة"، التي تبدأ بفرد واحد وتنتهي بمجموعة كبيرة من الأفراد، ثم تختفي الشركة، أو الشخص الوهمي الذي يدير تلك العملية، ومعه الأموال التي حصل عليها من الضحايا.

فروانة: هي عملية نصب مركبة تبدأ بفرد وتنتهي بمجموعة ثم تختفي الشركة والأموال معًا

وأكد فروانة أن الأمر يبدأ بإنشاء شركة وهمية، أو عرض منتج وهمي ليس له وجود على أرض الواقع، ثم تبدأ المرحلة الثانية من العملية وهي إقناع الضحايا، وهذا الأهم في حلقة النصب، إذ يتم تجهيز شخص يتمتع بقبول و"كريزما" عالية، يتحدث بلباقة ولديه قدرة على الإقناع، وغالبًا ما يجلس في مكتب فخم، ويرتدي بزّة أنيقة، وخلفه شعار فخم مرصع باللون الذهبي أو الفضي للشركة أو المنتج الوهمي، ويجري اتصالات فيديو مع الضحية الأولى التي يتم اختيارها بعناية، ويبدأ بإقناعها على عدة جلسات.

تتم دراسة وتحضير ما يقدمه خلالها من محتوى مقنع مسبقًا، يبدأ بتزيين الأمر للضحية، حتى تقتنع بوضع مبلغٍ لا يقل في الغالب عن 2000 دولار أمريكي، ليبدأ بجني أرباح كبيرة بعد شهرين.

ووفق فروانة، بعد ذلك تبدأ الخطوة التالية، التي تهدف إلى تحويل المستخدم لشبكة من المستخدمين، وكل شخص جديد يجلبه يحصل في مقابله على أرباح جديدة.

فروانة: الضحية الأولى هي الخاسر الأكبر.. خسرت أموالها وباتت في مواجهة الضحايا

"ومن أجل التغرير به وطمأنته، يقوم المشغل بدفع جزء من المبلغ الذي سبق ودفعه الضحية الأولى، بدعوى أنها أرباحٌ حصل عليها، وأن مبلغه الأصلي موجودٌ كما هو"، وحينها تبدأ شبكة النصب بالاتساع ويزيد عدد الضحايا، ومن يدير العملية يحصل على المزيد من الأموال.

وأكد أن الضحية الأولى تكون الخاسر الأكبر في تلك العملية، فمن ناحيةٍ خسرت أموالها، ومن ناحية أخرى باتت في مواجهة الضحايا الذين جلبتهم و"غررت بهم" كما يظنون، "فهم لا يعرفون المُشغّل الأساسي، أو صاحب الشركة الوهمية، ومن هنا، تبدأ رحلة بحثٍ عن سرابٍ اختفى ولم يعد له أثر".

وينصح فروانة المستخدمين، بضرورة الحذر وعدم الوقوع في فخ الكلام المعسول الذي يقود حتمًا لعمليات نصب، "فلا يوجد ربح سريع بالطريقة التي يتم التسويق لها، وكل ما يشاع عن التسويق الهرمي مجرد وهم"، ملفتًا إلى أن هذا الأمر بات يتسع تدريجيًا.

ويوضح أن هناك أكثر من طريقة وأسلوب للإيقاع بالضحايا، أبرزها الإعلانات الممولة على شبكات التواصل الاجتماعي، والرسائل التي تصل للمستخدمين عبر صندوق الوارد في حساباتهم، بالإضافة إلى عمليات الإقناع المباشر من قبل أشخاص يعملون على الهرم التسويقي.

فروانة: معظم الشركات الوهمية مقراتها خارج فلسطين ولها وسطاء هنا ولا تعمل بشكل معلن

ويشير إلى أن معظم الشركات الوهمية التي تمارس تلك العملية مقراتها خارج حدود فلسطين، ولها فروع أو وسطاء داخل الأراضي الفلسطينية، ولا تعمل في التسويق الهرمي بشكل معلن، وهي تدرس جيدًا قطاع المستخدمين المستهدف، واحتياجاتهم، وتحاول الدخول من أبواب تثير أطماعهم، وفق طبيعة المنطقة الجغرافية التي يعيشون فيها، فعلى سبيل المثال، التعامل مع مستخدمين في الضفة يختلف عن التعامل مع مستخدمين في قطاع غزة.

ويؤكد فروانة أنه عايش العديد من عمليات النصب المماثلة، التي وقع ضحيتها عدد كبير من المواطنين، وأهدرت خلالها مبالغ طائلة، لم يتمكن أصحابها من تحصيلها مجددًا.

معدة التحقيق وصلت لثلاث شركات تعمل في التسويق الشبكي، وتحدثت مع أحد مدرائها بصفتها مستخدم يرغب بالانضمام إلى النظام، ولاحظت أن المتحدث لبق، ولديه قدرة عالية على الإقناع، فقد زيّن الأمر بشكل واضح، مؤكدًا ضمان الربح وانعدام الخسارة.

وحين سألتهُ المُعدة عما يشاع عن هذه الشركات بأنها تنفذ عمليات نصب، نفى الأمر، قائلًا: "إن بعض المنافسين يحاولون تشويه صورة الشركات التي تعمل بهذه الطريقة"، ثم بدأ يسرد قصص نجاح لأشخاص حصلوا على أرباح، دون أن يذكر أسماء أو عناوين لهم.

وتمنح بعض الشركات بطاقات خصم، أو بطاقات اشتراكات في بعض المواقع العالمية، يتم إقناع مستلمها بأن قيمتها تتعدى ضعفي قيمة اشتراكه في الشبكة، ومن خلال بيعها فقط، يستطيع استرداد رأس ماله، وتحقيق أرباحٍ مضاعفة،  هذا غير الربح الثابت الذي يمكن أن يحققه من خلال الهرم الخاص به.

وهنا تجد الضحايا يبذلون كل جهدهم من أجل إقناع ذويهم وأصدقائهم للانضمام إليهم في هذه الشركة، وبناء قاعدة ضحايا جدد دون علمهم.

ضحايا كثُر

المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، يقول: "إن نسبة المواطنين الذين دخلوا بالفعل في مجال التسويق الشبكي داخل قطاع غزة كبيرة جدًا، وللأسف معظمهم خسروا أموالهم".

أبو جياب: المحاكم تزدحم بالمتضررين ومعظمهم يتحدثون عن سراب لا صحة لاسم أو عنوان

ويضيف: "لا توجد مؤسسات رسمية نحصل من خلالها على نسبة دقيقة لأعداد من مارسوا هذا العمل، أو وقعوا ضحية له، ولكن المحاكم استقبلت مؤخرا العديد من المتضررين الراغبين برفع قضايا نصب إلكتروني، وللأسف معظمهم يتحدثون عن سراب، لا اسم كامل ولا عنوان صحيح أو محدد".

وينوه إلى أن القائمين على فكرة التسويق الشبكي، يستخدمون مصطلحات تحفيزية، لا سيما إذا عرفوا أنها من ذوي الدخل المحدود "وذلك لدفعها إلى تقبل فكرة الانضمام إلى المجموعة".

وفيما يتعلق بالعملات الرقمية كنوع من أنواع التسويق الرقمي، فيمكن التفريق بين نوعين من العملات التي يستخدمها منتحلو صفة مشغلي التسويق الشبكي، وفق أبو جياب.

فـ "البتكوين" (والحديث له) هي عملة رقمية غير معترف بها عالميًا على المنصات الخاصة بالعملات الرقمية، لكنها فرضت نفسها على مستوى التداول، ملفتًا في الوقت نفسه إلى هذه العملة قد تنهار وتختفي في أية لحظة. أما عملة "الداك كوين" فهي عبارة عن كود برمجي وشيفرة، بحيث يدفع الضحية أموالًا من أجل الحصول على كود للدخول إلى الموقع، ومراقبة عملية التداول، "وقد يُفاجأ بعد فترة، بأن الموقع اختفى".

وكشف أن هناك أشخاصًا من غير فئة الفقراء وقعوا ضحية التسويق الشبكي لعملة "الداك كوين"، ومنهم أشخاص يعملون موظفي حكومة، ومؤسسات خاصة، ومسؤولين أيضًا، وأكاديميين.

ويقول أبو جياب: "هناك شكاوى وقضايا قُدمت لدى الحكومة والأجهزة الأمنية والنيابة العامة فيما يتعلق بمسألة النصب الإلكتروني، سواءً في عملات رقمية، أو تقديم إغراءات مالية، تحت مبدأ التسويق الرقمي".

وهو ما أكده خمس ضحايا التقت بهم معدة التحقيق، ثلاثٌ منهم توجهوا للجهات الأمنية التنفيذية والقضائية، مثل عشرات غيرهم، من أصحاب الدعاوى والشكاوى المقدمة لدى النيابة وجهات الاختصاص.

ويؤكد مدير نيابة غزة الجزئية المستشار رامي أبو شعير، ومدير وحدة الجرائم الإلكترونية بالمباحث العامة الرائد حسين أبو سعدة، سرعة التعاون الإجرائي في تعقب الجريمة الإلكترونية، وملاحقتها، وسرعة الوصول للجناة عبر تطبيق أحدث الجوانب الفنية والتقنية، واستخدام أكثر أساليب جمع الاستدلالات تطورًا للوصول إلى مرتكبيها، "بل وتعدى ذلك تقدم المصادر الفنية في محاربة الجريمة قبل وقوعها، ورصد المخططين لها، وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة".

وتنص المادة (13) من قرار بقانون رقم (10) لسنة 2018م بشأن الجرائم الإلكترونية، أن "كل من استعمل الشبكة الإلكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات في سرقة أموال أو اختلاسها، يعاقب بالسجن أو بغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار أردني، ولا تزيد على خمسة آلاف دينار أردني، أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونًا، أو بكلتا العقوبتين".

معدة التحقيق، تقدمت بطلبٍ للنيابة العامة مرفق بكتابٍ رسمي باسم شبكة "نوى" من أجل الحصول على معلوماتٍ ومعطياتٍ أكثر دقة، كما توجّهت شخصيًا لمقر النيابة، وانتظرت عدة أسابيع على أمل أن يصلها أي رد، لكن –يا للأسف- فإن ذلك لم يحدث.

في المقابل، أكثر من مصدر أكدوا ورود عشرات القضايا المنظورة في الشرطة والنيابة "بعضها قُضي به، وبعضها ما زال قيد العمل والمراجعة".

في حين يؤكد المتحدث باسم الشرطة بغزة العقيد أيمن البطنيجي، تلقي الشرطة عشرات الشكاوى التي تتعلق بالابتزاز والنصب الإلكتروني، بعضها من داخل قطاع غزة، وأخرى من خارجه.

البطنيجي: يصعب تتبع الاحتيال من الخارج بدون أدلة لكن في الداخل الأمر أسهل

ويؤكد أن التعامل مع الشكاوى يتم وفق الأصول القانونية، حيث يجب على الضحية تقديم مستندات ووثائق تدلل على عملية النصب والابتزاز، ومتى قدمت هذه الأوراق يبدأ عمل جهات الاختصاص.

ويوضح أن تلك المستندات، يمكن أن تأخذ شكل تسجيلات صوتية، أو محادثات على مواقع التواصل الاجتماعي، "وقد يؤخذ بها كدليل قوي لإنصاف الضحية، ومساعدتها في الحصول على حقها".

ويشير البطنيجي إلى أن الإجراءات القانونية التي تتخذها الشرطة في مثل هذه الحالات، هي اعتقال المشتبه به، واتخاذ المقتضى القانوني بحقه، وإحالته للنيابة والجهات القضائية، وقد تصدر بحقه عقوبة بالسجن أو إرغامه على إرجاع المبالغ المالية التي تحصّلها من الضحية، ويتم التعامل معها حسب نوعية كل شكوى وطبيعتها.

وينوه إلى أن موقع الشرطة والصفحات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي تستقبل شكاوى المواطنين الالكترونية، ولدى الشرطة فريق عمل خاص.

وأكد البطنيجي أنه وبعد تزايد حالات النصب والاحتيال، أنشأت الشرطة قسم المباحث الإلكترونية، وروجت له عبر منصاتها الرسمية مرفقةً الإعلانات برابطٍ لتقديم الشكاوى سواءً من الداخل أو الخارج. يعقب: "نحن بصدد تنظيم حملات توعية بالشراكة مع بعض الجهات، لتوعية المستخدمين، وتنبيههم من الوقوع في شرك النصب والاحتيال الإلكتروني المتزايد".

ووفق البطنيجي فإن الاحتيال من الخارج يصعب تتبعه، بدون شكوى توضح جهة الاحتيال، وترفق بأدلة، ولكن في الداخل الأمر أسهل، وفي كلتا الحالتين تقوم الشرطة بدورها وفق الظروف والمعطيات.

ورغم عدم وجود أرقام دقيقة أشار البطنيجي إلى أنه ومنذ بداية العام 2020 تلقت الشرطة عشرات الشكاوى –يوميًا- حول قضايا نصب واحتيال إلكتروني، "جرى التحقيق فيها جميعها، ومعظمها أحيلت للنيابة وجهات الاختصاص".

عدوى تجتاح عقول الشباب

وقد اجتاحت حمى "التداول الهرمي"، عقول عشرات الشباب (ذكورًا وإناثًا) من سكان شرق ووسط محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، إذ بدأت العملية بعدد من الشباب الجامعيين، ثم امتدت لآخرين، حتى زاد عدد المتداولين في مجموعة واحدة على 17 شابًا، وفق ما رصدته معدة التحقيق.

ويقول الشاب خالد حسونة: "في البداية اشتركتُ في مجموعة تسويق شبكي بمبلغ 100 شيقل، وفي غضون أسبوع حققت "ربحًا رقميًا" وصل إلى 25%، ما دفعني لوضع مبلغ 150$ بالشراكة مع شقيقي لتوسعة رأس المال، وجلبنا المزيد من الأصدقاء، وكنا نعيش أحلام الثراء مع إخبارنا بالأرباح التي نحققها، ما حفزنا للسعي لجلب المزيد من المستخدمين حتى نحقق عمولات أكبر".

وأكد أنه غير قادر على سحب المبلغ، وفي الوقت نفسه عاجز عن الاستمرار، "وقعت في عملية نصب لم أكن أتوقع أن تكون بهذا التعقيد، وبها الكثير من الاحتيال".

أما السيدة منى شُراب فقد خسرت مبلغ 1500 دينار أردني، هي ثمن مصاغٍ ذهبي كانت تمتلكه، وباعته بغرض المشاركة في التسويق الهرمي، وكانت في البداية متحمسة جدًا للفكرة، وتحلم بأن تسترد مصاغها وفوقه أرباح، لتحل من خلالها مشاكل زوجها، وتجد مصدر دخل للعائلة.

استفاقت شراب بعد أربعة أشهر من الأحلام، وقد ورطت عددًا كبيرًا من الأشخاص على كابوس قاسٍ، "فالمنصة الإلكترونية اختفت، والمشغل الرئيس لم يعُد متاحًا، والأموال تبخرت، ولم تتمكن من جلبها، أو حتى من الوصول إلى الشخص الذي كان يتحدث إليهم على الدوام، ويحثهم على توسعة الهرم بالمزيد من المستخدمين".

ومن واقع تجربتها خلصت إلى أن ما يحدث هو "عمليات نصبٍ مدروسة، فما يخسره متداوِل يذهب لشخص آخر"، مستدلّة على ذلك بصرف بعض الجهات مبالغ مالية، من أجل عرض إعلانات ممولة، لحث الناس على الدخول في هذا العالم، الذي وصفته بـ"الغامض".

ولم يحسم إذا ما كان التسويق الهرمي ضمن التجارة الإلكترونية، لكن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن قيمة مبيعات التجارة الإلكترونية عالميًّا وصلت إلى 2.35 تريليون دولار، مع نهاية عام 2018، لتبلغ نسبتها 15% من حجم مبيعات التجزئة عام 2021 بعد أن كانت 7.4% عام 2015.

رأي الدين

وأصدر مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين ثلاث فتاوى في الأعوام ٢٠٠٥، و٢٠١٠، و٢٠١٧ حرّمت جميعها التداول الشبكي أو الهرمي، إذ يقول مفتي محافظة خان يونس الدكتور إحسان عاشور: "إن هذا شكل من أشكال التداول المحرم في الشريعة الإسلامية، ولا يمكن أن نطلق عليه مصطلح تجارة أو بيع، فهو فيه من المضاربة والربا والتدليس الكثير، إذ يقود إلى سلب المال بدون حق، أو الحصول على أموال بطريقة غير شرعية"، داعيًا الجميع للتوقف عن التعامل به، وأن يتم حظره على الفور، لما فيه من ضرر على الناس وعلى الاقتصاد".

الشيخ عاشور: هذا عين الربا بنوعيه وهو محرم شرعًا

وقال عاشور: "إنه في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها الناس، وجد التسويق الشبكي طريقة إلى نفوس الكثيرين، فأغراهم زيفه وخدعوا به، وعاشوا حياة الأحلام الوردية بالغنى الفاحش السريع.

وأوضح عاشور أن الشخص يدفع مبلغًا للاشتراك وشراء منتج، مقابل حصوله على أرباح كبيرة، وهو في الأصل لا يريد شراءه، "وهذا عين الربا بنوعيه، ربا الفضل والزيادة، وربا النسيئة والتأجيل، وحكم الربا محرم بالنص والإجماع".

ووفق عاشور فإنه في الحالة الثانية يشتري المشترك السلعة أو المنتج على أمل تحصيل العمولات المرجوة، وإما أن ينجح في جلب عملاء كثيرين أو قليلين، وقد لا ينجح، ما يعني أن العائد المنتظر مجهول أو معدوم، وهي حقيقة المَيسر "القمار".

وفي حالة أخرى، وفق عاشور، يبذل المشترك جهدًا كبيرًا في إقناع مشتركين جدد، أو دعوتهم لمحاضرات أو دورات تعريفية؛ لإقناعهم بالاشتراك، سالكين بهم طريق الإغراء بأرباح خيالية، والإغراق في وهم لا حقيقة له، "وهذا الجهد المبذول حرام، لأنه يعتمد على الغش والتدليس والاحتيال، وابتزاز البسطاء والتغرير بذوي الحاجة".