"فلسطينيات" تربّت على قلوب صحفيّات بعد حرب
تاريخ النشر : 2021-09-16 13:44

قطاع غزة | نوى:

"لأول مرةٍ منذ أن انتهت الحرب، أشعر بأنني لست وحيدة"، تقول الصحفية وفاء أبو حجاج لـ "نوى". تهمس إحداهن معترضة: "وهل تنتهي الحروب على غزة؟!".

تصف وفاء الفترة التي يعيشها الفلسطينيون اليوم بـ "الوقت المستقطع" ذاك الذي يمكن أن يأخذ فيه الفلسطيني نفَسَه بين كل موتٍ وموت! فعلى حد تعبيرها: "نحن لم نعد نفكر بالحرب التي مضت، بقدر ما نفكر بدوامة الدم القادمة، كيف سيكون شكلها ومن ستسحب معها هذه المرة؟".

في لقاء دعمٍ نفسي، عقدته مؤسسة "فلسطينيات" ضمن برنامج الرعاية الذاتية، اجتمعت 16 صحفية من صحفيات قطاع غزة اللاتي غطّين عدوان مايو/ آيار المنصرم، في جلسةٍ مصغّرة.

 بأصواتٍ مرتجفة، ودموعٍ كانت حبيسة المُقل، حاولن تفريغ خوفهن، وتحدّثن عن ما مر بهن هن هذه المرة، فكنّ بطلات حكاياتٍ –قد لا يعير أحد لها انتباهًا- وسط مطر القذائف المنهمر على رؤوس الأبرياء بغزة.

تخبرنا وفاء أنها لم تحظ بهذه الفرصة من قبل، "البعض لا يلتفت لآثار العدوان على قلوبنا نحن ناقلات القصص، وكأن قلوبنا صنعت من حديد".

المشاهد التي رصدتها خلال تغطيتها الصحفية للعدوان الأخير، "ضيفة الصحو والمنام أيضًا"، تعبّر وفاء، وتكمل: "تباغتني كوابيس، أرى نفسي ميتةً تحت القصف! أنا لم أنس مشاهد الهرب من مرمى القذائف والصواريخ أثناء العمل حتى اللحظة".

تحاول وفاء الهرب إلى البحر باستمرار، "لكن كل الهواجس تبقى حبيسة جدران القلب، عندما لا أجد استجابةً إلا صوت هدير الموج" تضيف.

عندما سمِعت وفاء تجارب زميلاتها، شعرت أنها ليست وحدها التي تمر بهذه المشاعر، استمدت القوة للمواجهة، وارتوت بجرعة أمل جديدة "دعم الصحفيات لبعضهن كان مهمًا، اتفقنا على نفس الهموم والمشاكل والمخاوف، ليت مثل هذه الجلسات تستمر، حتى ولو وديًا بيننا نحن الصحفيات فيما بعد" تختم.

تتفق معها الصحفية ديانا المغربي، لكنها تؤمن بأن الصحفيات لديهن عمق في النظرة للكثير من الأمورن، وهذا ربما يدفع نحو ضرورة انتقاء سبل التفريغ والتدريب على تحسين الصحة النفسية.

تعبر الصحفية عن استياءها من الاهتمام بالصحة النفسية للأفراد بغزة، وترى الأمر عبارة عن "كيك وعصير" إلا لدى من رحم الله، في الوقت الذي تحاول فيه هي وبشكلٍ شخصي، البحث عن برامج أكثر جدارة، لإنقاذ نفسها وبناتها الثلاث من آثار عدوانٍ أمطرهن رعبًا وخوفًا.

تقول: "بناتي لم ينسَين أحداث تلك الأيام، وأنا أيضًا أشاركهن نفس الهم"، ملفتةً إلى أن ما يشعرن به –وهي معهن- يحتاج متخصصًا من الخارج لاستيعابه! "فكل المختصين هنا، عاشوا ظروف الحرب ويعرفونها جيدًا، وقد اعتادوا سماع أثقل القصص وأكثرها رعبًا، ولهذا قد لا أجد من يمكنه مساعدتي هنا".

وبنظرة أخرى للأمر، تستدرك بعد بضع لحظات من الصمت: "لكن حتى المختصين في الخارج، لن يقدروا الموقف أو الأحداث والصراع الذي نعيشه مثلنا".

هي دوامةٌ لا حل لآخرها، وفق ما تشير الصحفية حنان شبات، التي أكدت أن الصحفيات بغزة –بالفعل- بتن بحاجةٍ إلى تفريغ نفسي، "فهذه المهنة تعرف بأنها من المهن المتعبة، التي تجعل صاحبها تحت الضغط النفسي، والعصبي المستمر، فما بالنا ونحن نغطي الحروب، والأزمات، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد؟" تتساءل.

وعن لقاء الصحفيات، قالت: "شعرتُ باستفادةٍ كبيرة على مستواي الشخصي والمعنوي –ودون أدنى مبالغة- أعطتنا الجلسات التي عقدتها مؤسسة فلسطينيات دفعة لاستكمال حياتنا بشكلٍ طبيعي على الأقل".

تشير حنان إلى أنها وزميلاتها كن بحاجة ماسة لمثل هذه الجلسات، معربةً عن أملها بتكرارها مرارًا "فيومين –هما فترة لقاء الدعم- ليسا كافيين للتفريغ عن المشاعر التي راكمتها في القلب 15 عامًا من الحصار والقصف والحروب والموت".

من جهتها، تعلق الأخصائية النفسية، ختام أبو شوارب، التي أدارت جلسات الدعم النفسي بالقول: "الصحفيات مررن بظروف قاسية، لم يسعفنِ الوقت لسماع كل قصصهن، لكنني حاولت برفقة زميلتي، إعطاءهن تقنيات جديدة للتعامل مع الضغوط النفسية والحياتية التي يواجهنها".

وقدمت الأخصائية للصحفيات أفكارًا جديدة لحماية أنفسهم من أي آثار سلبية، نفسية، وصحية، يعشنها، في حال لو تعرضت إحداهن لموقف أو ضغط جديد، "كيف يكون لديها مرونة في التعامل مع أي مشكلة؟ وكيف تتفادى الوقوع أسيرة هذا الضغط أيضًا؟".

خلال اللقاء، تحدثت الصحفيات عن تجاربهن الخاصة، وعن قصصٍ سمعنها، وغطينها بأنفسهن، وكشفن عن كل الندب التي تركها العدوان في قلوبهن. لونت الصحفيات أحلامهن على الورق، وآمالهن بالعيش الآمن، كما انخرطن في أنشطةٍ ذهنية ورياضية، ساهمت في خلق أجواء من الضحك والراحة لديهن جميعًا.