حكاية قلمٍ عاش "صاخبًا".. ورحل بـ"صمت"
تاريخ النشر : 2021-09-14 20:54

رام الله:

لسنواتٍ تخطّت الثمانين ظلّت الشاعرة الفلسطينية، والكاتبة والباحثة السياسية، سلافة حجاوي قابضةً على جمر الكلمة، حتى ترجّلت عن صهوة جواد العمر هذا اليوم، ليُعلن عن وفاتها داخل بيتها في مدينة رام الله، تاركةً خلفها إرثًا فكريًا وأدبيًا وإنسانيًا عظيمًا.

حبيبي ضاع
حبيبي ضاع، كحل العين في جفنيه بيسان
وحيفا، فلقة الرمان في خديه شطآن
له شعر كموج البحر عكا فيه أطياب
ويافا فوق مبسمه مواويل وأكواب..

هذه الكلمات الرقيقة، هي جزء من قصيدةٍ للراحلة سلافة، السيدة التي قررت دراسة "العلوم السياسية" على وقع هزيمة عام 1967م، فزاوجت بين موهبتها كشاعرة، وبين التحليل السياسي كصاحبة قضية، وهنا كانت انطلاقتها للعمل في مكتب الدراسات الفلسطينية كـ"محللة سياسية".

وُلدت سلافة حجاوي عام 1934 في مدينة نابلس، وتلقّت تعليمها الثانوي في المدرسة العائشية، سافرت مع عائلتها إلى العراق وهناك نالت شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد عام 1956، ثم الماجستير في العلوم السياسية عام 1987م.

تزوجت بعد تخرجها من الشاعر العراقي كاظم جواد، وانخرطت في الحياة الثقافية في العراق خلال حقبة الستينات، حيث عملت في مجال البحث والترجمة، وتدريس العلوم السياسية بجامعة بغداد، ثم استقالت لتلتحق بالعمل الوطني الفلسطيني في تونس.

وشاركت حجاوي في تأسيس اتحاد الكتاب، بالتعاون مع الأديب جبرا إبراهيم جبرا، وفرع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في بغداد.

شغلت منصب عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وعملت مديرة لمركز التخطيط الفلسطيني منذ تأسيسه في فلسطين عام 1991م، حتى تقاعدها منه عام 2007م.

بدأت سلافة حجاوي نشاطها الأدبي مبكرًا، حيث نشرت قصائدها في مجلة الأدب اللبنانية، وأصدرت العديد من المؤلفات الشعرية والنقدية.

الباحث جمال البابا، كان من أوائل من عملوا معها في قطاع غزة، عندما أسست مقر مركز التخطيط الفلسطيني في فلسطين عام 1991م، يقول لـ"نوى": "كانت تهتم بشكل كبير بالترجمة، وتولي اهتمامًا واضحًا بالشؤون المحلية على كل المستويات، بالإضافة إلى شؤون المفاوضات، وفي الشؤون الإسرائيلية، والأمريكية، والإقليمية، من خلال الدوائر المختلفة للمركز".

كانت حجاوي على تواصلٍ دائم مع القيادة الفلسطينية، تزودهم بتقديرات الموقف، وقد أسست مجلة مركز التخطيط، كواحدةٍ من أهم المجلات البحثية في المجال السياسي، علاوةً على ذلك فهي ذات مهارات قيادية وإدارية عالية، ظّلت ترأس تحرير مجلة مركز التخطيط حتى تقاعدها عام 2007م، حيث تفرغت للأعمال الأدبية، وفقًا للبابا.

قليلةٌ هي المقابلات الصحفية التي كانت تجريها حجاوي، وهي رغم إنتاجها العديد من الأعمال الأدبية المهمة والدور السياسي الكبير الذي كانت تقوم به، إلا أن ذلك تم دون حصولها على تكريمٍ واضح.

"أنت لست مثقفًا، سواء كنت فلسطينيًا أو عربيًا أو أجنبيًا، إذا لم تنتصر للضعفاء والفقراء" تقول حجاوي في إحدى تصريحاتها لصحيفة "السفير" اللبنانية قبل ثلاث سنوات، فـ "القضية الفلسطينية، ينبوع العذاب، هي هدية للمبدع والمثقف العربي والعالمي، ومن لم يتحدث بكلمة حق بخصوصها، فلا يليق به لقب شاعر، أو كاتب، أو مثقف".

الشاعرة الراحلة، أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى عام 1975م، حينها كتبت عنها الصحافة العربية من المحيط إلى الخليج، وكانت حجاوي عقّبت على هذه المرحلة بقولها في إحدى المقابلات الصحفية: "كتبوا عني حينها أنني أنبئ بمولد أكبر شاعرة عربية، ولكنني خيّبت آمالهم لأنني انشغلت بالقضايا السياسية، وتوجهت إلى الدراسات الأكاديمية لأسباب معينة، وقد عدت إلى الشعر في أواسط الثمانينات، لأكتب نمطًا جديدًا من القصائد".

وعن قلة عدد الشاعرات، كانت تقول: "عدد الشاعرات إجمالًا في ساحتنا الفلسطينية قليل، وهذا يعكس الواقع، لأن كتابة الشعر تتطلب حرية نفسية، والمرأة في مجتمعنا بشكل عام لا تتمتع بهذه الحرية، إضافة إلى أن الشعر يتطلب ثقافة، وقد تشعر النساء الفلسطينيات –على الأغلب- بخوالج وأحاسيس، ولكنهن لا يستطعن التعبير عنها بالشكل المطلوب، فالفرصة في مجتمعنا أمام المرأة ما زالت ضئيلة".

وزارة الثقافة الفلسطينية، نعت الفقيدة حجاوي التي رحلت بعد عمرٍ من النضال والمسيرة الإبداعية المشرفة. عن نفسه قال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف: "إن المناضلة والأديبة حجاوي، لعبت دورًا رياديًا في حركة الكفاح الوطني، سواءً على صعيد دورها السياسي، أو التربوي، حين عملت في حقل التعليم، أو الإبداعي من خلال تجربتها الشعرية، وكتاباتها التي ساهمت في تحقيق حضور القضية الفلسطينية.

اتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين أيضًا نشر بيانًا نعى فيه الشاعرة الراحلة، أكد فيه أن رحيل الشاعرة والمترجمة موجع بقدر ما قدمت للوطن السليب، وما عاشت من أجله مناضلة ومبدعة عريقة. "لقد كرست حياتها من أجل أهدافها السامية، فهي عاشت آلام شعبها، وهاجرت من الوطن بوعي الصبية، وانفتح عليها حنين الذكريات في طفولة غير مكتملة، لتعيش المنافي بصقيعها".

ويكمل الاتحاد في بيانه قوله: "لقد أثبتت نفسها في كل الميادين، وكانت من الكتيبة الأولى لتأسيس الاتحاد، وبرحيلها، فإن جرحًا جديدًا يَشق جسد الثقافة الوطنية، وإيلامه سيكون شديد الوقع إلا من تدبير ما تركت لنا من منجز أدبي، وسيرةٍ نضاليةٍ تفخر بها الأجيال القادمة".

أصدرت حجاوي العديد من المؤلفات أبرزها:

• أغنيات فلسطينية – مجموعة شعرية.

• سفن الرحيل – مجموعة شعرية.

• حلم - شعر للأطفال.

• اليهود السوفييت – دراسة في الواقع الاجتماعي.

• في التاريخ السياسي لفلسطين – فلسطين المكان.

ترجمتها:

• Poetry of Resistance in Occupied Palestine

• لوركا قيثارة غرناطة.

• التجربة الخلاقة – دراسة في الأدب الحديث.

• ادغار ألان يو – حياته وأعماله.

• ما هو النقد – مجموعة مقالات فلسفية.

• المفاهيم الصهيونية للعودة.

• الأصدقاء – رواية يابانية لليافعين.