قريبًا.. رزق 15 عائلة على ظهر مركبٍ عملاقة
تاريخ النشر : 2021-09-13 14:37

بأدوات محلية الصنع، يتواصل العمل على قدمٍ وساق في مرفأ الصيادين بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لإنجاز مركب الصيد الأكبر في قطاع غزة في الوقت المحدد.

على جنب، كان يقف العم أبو سعيد النجار، الذي كان له من اسم عائلته نصيب، حين سلب لبّه عشق العمل في الخشب، وهو على حد قول المقاول "خالد علوان": "آخر من تبقّى من صانعي مراكب الصيد اليدوية بغزة".

بطول 21 مترًا، وعرض 6 أمتار، تمكّن عدد من العمال بتوجيهات النجار، من تطويع أخشاب شجرة الكينيا، لتشكيل هيكل القارب الخارجي، بعد أن تجاوزوا "المستحيل"، حين تمكنوا من جمع كمية الأخشاب المطلوبة من هذا النوع تحديدًا، بعد صولات وجولات في شوارع القطاع بحثًا عن بيوتٍ تزرعها، ودفع ثمنها –أحيانًا مضاعفًا- لأصحابها من أجل إنجاز المشروع.

يقول علوان، الذي تعاقدت معه مؤسسة "بيت الخير" من أجل إنجاز مشروع قارب الصيادين: "تمويل المشروع ماليزي، وهدفه توفير مصدر دخل لما يقارب 15 صيادًا دون عمل بغزة، ووفق معايير محددة".

ويطلق على هذا النوع من المراكب –تبعًا لعلوان- اسم "مركب جر"، وهو متخصص بصيد أنواع مميزة من السمك، مثل الجمبري، والكابوريا، وغيرها من خيرات البحر المختلفة، التي يتم جرفها من أعماق البحر عبر آليات معينة.

ويروي المشرف على صناعة المركب خالد علوان، كيف تشجع للأمر رغم الصعوبات الكبيرة التي كانت تحيط بالفكرة، كونه يدرك جيدًا واقع وظروف الصيادين بسبب الحصار الذي أتى على كل مقدّراتهم؛ لتعنت الاحتلال في إدخال احتياجاتهم من أدوات صيانة، ومستلزمات صيد، ومواتير للقوارب المعطوبة، وغير ذلك أيضًا.

ويضيف: "ما دفعني للقبول وخوض هذه المغامرة التي تتطلب إرادة صلبة ودراية بكل تفاصيل المهنة، يقيني بأن هذا القارب سيكون سببًا في رزق ما يقارب 15 صيادًا من الفئة الأكثر هشاشة".

ولكن ماذا عن أخشاب الكينيا المصنوع منها هيكل القارب، ونادرة الوجود بغزة؟ سألناه، فأجاب: "ليست الأخشاب وحدها، فكل مرحلة من مراحل صناعة المركب كانت تتطلب عمليات بحث وتفتيش مضنية، بدءًا من الحصول على أشجار الكينيا، التي تطلبت عدة جولات في شوارع وضواحي قطاع غزة، وعمليات تفاوض مع أصحاب هذه الأشجار، والنزول عند اشتراطاتهم وما يطلبونه من ثمن لهذه القطعة أو تلك –وقد يكون مضاعفًا عن سعرها في الظروف العادية".

وذكر علوان المصاعب التي واجهها فريق عمل القارب في مرحلة قص الأخشاب، عندما كانت تأخذ منهم وقتًا وجهدًا مضاعفَين بسبب عدم توفر ماكنات مختصة بقص خشب الكينيا، "وهنا اضطررنا للقص بمنشار بنزين صغير، ومن ثم فرزها وفقًا لاحتياجات كل نوعٍ ومقاس، وليس انتهاء بجولات البحث عن الفيبرجلاس، والماتور، وغيرها من المستلزمات التي يمنع الاحتلال دخولها لقطاع غزة".

يواصل العم أبو سعيد النجار عمله في إنجاز الهيكل الخارجي للمركب، برفقة ثلاثة عمال آخرين، يقول لـ "نوى" بينما كان يطرق قطع الخشب ويوازنها لتأخذ مكانها المناسب: "في الظروف العادية لا تحتاج صناعة مركب مماثلة، أكثر من شهرين، لكن بسبب عدم توفر المواد الخام من أخشاب جاهزة، واضطرارنا للعمل بشكل يدوي، واستخدام منشار البنزين الذي يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير، فإننا لن ننتهي من تشكيل الهيكل الخارجي قبل أربعة أشهر من بدء العمل".

يتمنى النجار أبو السعيد أن تنظر وزارة الزراعة لشريحة الصيادين بعين الاهتمام، وأن تهتم بكافة التفاصيل التي يمكن أن تؤثر على هذه المهنة إيجابًا، بعد ما أصاب أصحابها من تعب ومشقة.

ويكمل: "أنا آخر نجار متمكن من صناعة مراكب الصيد بغزة، وآمل عقد ورشات متخصصة في صناعة وتعليم تصنيع مراكب الصيد قريبًا، حتى لا تندثر هذه المهنة، خاصة أننا في القطاع محاصرون، ونلجأ للتصنيع المحلي".

يشير إلى المركب بفخر، ويزيد: "ربما هي أكبر المراكب التي عملت على صناعتها، لكنني أخشى أن لا نتمكن من صناعة غيرها"، بالإشارة إلى أنه تجاوز الستين من عمره، ولن يعود قادرًا على العمل في سنواتٍ قادمة.

قد تكلف هذه المركب ما يقارب 250 ألف دولار حتى تصبح قادرة على أن ترسو في ميناء غزة، وحتى تغدو نقطة انطلاق لـ 15 عائلة نحو حياة جديدة، فيها من الأمل والعمل ما يبعث على الطمأنينة لمستقبل أفضل حالاً.  "لكن هذا يحتاج إلى السماح لها بالدخول لأكثر من 6 أو 9 أميال بحرية" يستدك علوان، مؤكدًا أن خيرات بحر غزة الحقيقية، توجد على مدّ النظر، بمسافةٍ لا تقل عن 12 ميلًا "وهنا يمكن أن نقول إن غزة أضحت جاهزة لتصبح من أهم مصدري الأسماك، بأنواعه المختلفة" يختم.