"ذرة فشار" و"رسائل محبة" في "باص السينما"
تاريخ النشر : 2021-08-31 23:32

"أخيرًا أصبح الحلم حقيقة"، يقول الطفل محمد حسونة 13 عامًا لـ"نوى"، ويصف مشاعر تجربة دخول "السينما" لأول مرة: "شيء يشبه السحر، أشعر بسعادةٍ لا توصف".

لطالما سمع محمد عن "السينما" من صديقٍ له زار دولةً عربية يقيم فيها جده. شاشة العرض الضخمة، والكراسي المصطفة بنظام لتتسع لعشرات الحضور، حتى "ذرة الفشار" التي تُكسب المشاهدة نكهةً من متعة، جعلته يتمنى -ولو لحظة- أن يخوض التجربة.

يقول: "لم أشاهد في حياتي عرضًا سينمائيًا حقيقيًا، كنت كثيرًا ما أترك لخيالي فرصة التفكير بمشاعر تلك التجربة، وتمنيتُ من قلبي أن تُبنى سينما في غزة"، مستدركًا والفرح يتراقص بين حروفه: "لكنني اليوم عشت التجربة بحذافيرها. صحيح أن المكان مختلف، لكن العبرة في الفكرة".

في التفاصيل: تمكن الطفل حسونة من دخول "باص السينما"، وتناول الفشار أثناء متابعة فيلم "أنيميشن". يضيف محمد: "ضاقت الدنيا بفرحتي، كان عرضًا مشوقًا، وكانت تجربةً مثيرة أتمنى أن تتكرر".

بلهفة ممزوجة بالدهشة يتوافد الأطفال إلى "باص السينما" المفتوح من جانبيه، بينما هو مجهز بكافة الأدوات والمعدات اللازمة، ليحاكي بالفعل قاعة السينما.

وهو فكرة انبثقت عن مبادرة شبابية باسم "سينما الشارع" –تبعًا لمحمود الهرباوي منسق باص السينما في مؤسسة إنقاذ المستقبل الشبابي- تم تنفيذها في أحد أحياء المحافظة الوسطى، وكان من مخرجاتها مطالبات مجتمعية من قبل السكان والأهالي، بضرورة تكرار الفعالية.

يقول لـ "نوى": "هنا بدأنا فعليًا بالتفكير في كيفية توفير قاعة سينما قادرة على استيعاب كل الفئات التي نهتم بها، سواء الأطفال، أو الطلائع، أو الشباب، وبعد مشاورات وجلسات عصف ذهني، توصلنا إلى فكرة باص السينما".

العرض الخارجي (والحديث للهرباوي)، هو عبارة عن شاشة "بروجكتور" خارجية، تأخذ أكتر من مستوى في العرض، "عالٍ جدًا أو منخفض"، بمعنى أنه من الممكن أن يُعرض الفيلم بمستوىً عالٍ جدًا ليكفي مساحةً أوسع من الحضور، قد تصل لـ 500 شخص خارج الباص.

ويتسع باص السينما لستين مشاركًا، وثلاثة من ذوي الإعاقة الحركية، تم تجهيزه لتمكينهم من الصعود إليه والخروج منه بسلاسة، وبدون الحاجة لأي مساعدة حسب الهرباوي.

تجدرُ الإشارة إلى أن دور السينما كانت مزدهرةً في قطاع غزة إبان حقبة خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تتعرض للإحراق حين تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م، وقد جرى إصلاحها وإعادة افتتاحها بعد ذلك لكنها تعرضت للحرق مجددا بعد بضع سنوات، تحديدًا عام 1996 وسط موجة جديدة من التوتر السياسي.

لماذا "باص السينما؟"، يجيب الهرباوي بقوله: "أردنا أن نصل لجميع الأطفال في أماكن تواجدهم، دون أن ننتظر قدومهم الذي قد تحكمه الظروف أو الأماكن، كان من المهم أن نجد وسيلةً تمكن السينما من الوصول إلى كافة المناطق، ولهذا اخترنا باص السينما".

واجه المشروع عقبة إدخال "باص" إلى قطاع غزة، الأمر الذي استنزف الوقت، "لكن الاتحاد الأوروبي "ممول المشروع"، تدخّل حتى تمكن من جلبه، لنبدأ بعدها بعملية تجهيزه حتى أصبح قاعة سينما" يزيد.

ويتميز باص السينما بأنه يفتح من جانبيه، بينما يتحرك كمركبة عادية في غير أوقات العمل، ويحتوي على أجهزة تهوية، وتكييف، كما أنه موصول بالطاقة الشمسية، ونظام طوارئ، وأجهزة إنذار، وشاشة عرض داخلية، مع نظامٍ صوتيٍ متكامل، وأخرى خارجية، مع نظام صوتي مماثل.

ويشرح الهرباوي أن الباص الذي يتسع لستين طفلًا، يمكن أن يستوعب أضعاف هذا العدد عبر عرض الفيلم في الشاشة الخارجية، ملفتًا إلى أن المؤسسة نفذت حتى اليوم ما يقارب 600 عرض، بمشاركة 50 طفلًا –لكل واحد- ليصبح إجمالي المشاركين، من العرض الأول 28 ألف مشارك.

وتشمل الفئة المستهدفة الأطفال من عمر خمس سنوات إلى 13،  والطلائع من عمر 14 لـ 18 سنة، وفئة الشباب من عمر 19 لـ 29 سنة، تبعًا للهرباوي، الذي تابع: "معظم العروض نفذناها في الأماكن الحدودية، والمهمشة، والمدارس والجامعات ورياض الأطفال، وشارك في كثير منها أطفال مع أولياء أمورهم"

يؤكد الهرباوي أن الهدف من "باص السينما" ليس ترفيهيًا وحسب، "فجميع الأفلام التي يتم عرضها تحمل هدفًا ورسالة، على سبيل المثال: نبذ العنف، والمحبة، والسلام، الأمر الذي يتيح نقاشًا مع المشاركين بعد انتهاء الفيلم.

ويوجد لدى مؤسسة "إنقاذ المستقبل الشبابي" توجهٌ لتطوير قدرات وأداء الباص، ذلك لتعزيز ثقافة السينما في قطاع غزة، بعد أن نجحت اليوم في تحقيق أحلام الكثير من أطفال وشباب غزة المحرومين بفعل الحصار، من أدنى مقومات الحياة، ومن ممارسة الحياة التي يستحقون.. وأقلها أن يكون لديهم دار سينما.