"الشيكل" الذي أبكى أبو شادي صار شعار "رزقه"
تاريخ النشر : 2021-08-31 19:29

على قدم وساق يسير العمل في كافتيريا العم أبو شادي طومان. يقتسم الرجل وأبناءه الأربعة العمل. شادي يستقبل الزبائن، ويقدم الطلبات، ويتقاضى الحساب، أما مؤمن فهو "صاحب الخلطة" ومخترع العصائر ذات النكهات المميزة، ومهندس الديكور للأكواب التي تُقدم بها.

في زاويةٍ ثالثة يجلس موسى، الذي لم تمنعه إعاقته من المساندة. هناك، هو المسؤول عن تقديم المشروبات الساخنة بأنواعها، ليبقى الرابع "إبراهيم"، الذي يسميه والده "جندي الكافتيريا المجهول" إذ يبيت هنا كحارسٍ في الليل، ويمارس أدوار الأربعة معًا وقت الصباح، عندما يطرق باب الكافتيريا ممارسو الرياضات المختلفة هناك على شاطئ مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

شعار العم أبو شادي "بشيكل واحد وبس"، "ناهيك عن نظافة المنتج المقدم، وطعمه المميز" على حد تعبير زبونٍ كان يشتري عصير المانجا.

"كافتيريا طومان" هي عبارة عن عربة متنقلة، تحولت إلى مصدر رزقٍ لأصحابها، بعدما تعطل والدهم عن العمل قبل عام بسبب جائحة كورونا. يقول لـ "نوى": "لم يكن بإمكاني أن أقف مكتوف الأيدي أمام حاجة أسرتي، وأن أنظر لأبنائي  الذين تخرجوا من كليات مختلفة، وهم يصارعون الحياة من أجل بناء أنفسهم، دون جدوى، في ظل شح الفرص العمل في تخصصاتهم أو حتى غيرها".

أمام عمق هذه القتامة، لم يجد أبو شادي إلا أن ينتفض ويتحرك نحو توفير فرصة له، وتسنده في تحقيق مستقبلٍ لأبنائه الشباب الأربعة. يضيف: "فكرت برفقة زوجتي كثيرًا، كيف يمكن أن نخرج من ضيق الحال هذا؟ وهنا بدأنا. كانت الخطوة الأولى شراء عربة بمبلغٍ بسيط (وهذا لا يتأتى إلا بواحدة مستعملة) لكنني عملت على تجديدها وتحسين مظهرها الخارجي، ليكون السؤال التالي: ماذا سنبيع؟".

يتابع ضاحكًا: "قررنا أن نخصصها لبيع المأكولات السريعة، والمشروبات بنوعيها الساخنة والباردة". "لكن.." لم يتمكن الرجل فعليًا من تجهيز متطلبات المشروع إلا بعد أن باع قلادةً ثمينة، كانت كل ما يملك من مال وذكرياتٍ أيضًا". يعقب: "ما كنتُ لأبيعها لولا الحاجة، المنطق حينذاك كان يقول: الذكرى محفورة في الوجدان، لكن المستقبل هو الذي ينتظر".

يقاطعه ابنه شادي ليكمل عنه: "كان علينا أن نصل إلى هذا القرار، أن نفتتح مشروعنا الخاص مهما كلفنا الأمر، فالعمل في المحلات لوقتٍ يفوق 12 ساعة يوميًا، لا يزيد أجره في أحسن الأحوال عن 20 شيقلًا يوميًا، ناهيك عن بقائنا أسرى لقرارات صاحب المحل، يطلبنا أو يسرحنا حسب حاجته وحركة السوق، هنا كان لا بد من حل لهذه الإشكالية".

يتجه العم أبو شادي في ساعات الصباح الباكر نحو السوق. يشتري مستلزمات العربة من خضار ولحوم وغير ذلك، ثم يعود إلى المنزل ويبدأ بمساعدة زوجته في تحضير السلطة وتجهيز اللحوم إلى حين موعد الذهاب للعمل، الذي يمتد إلى ما بعد منتصف الليل.

تذكرة الشراء والجلوس في كافتيريا أبو شادي لا تتجاوز شيكلًا واحدًا، "وهذا ساعد في جذب الزبائن" لا سيما بعد أن ذاع صيت الرجل ومشروعه الذي أنشأه من عدم، ليقي أسرته وأبناءه الأربعة شر الحاجة وسؤال الناس.

يقول العم أبو شادي: "الشيكل الذي قد يظن الناس أن لا قيمة له، كان يبكيني في بعض الأيام التي لم أكن فيها قادرًا على توفيره لابني حين يطلبه، بهذا الشيكل أعيش، ويعيش آخرون".

يزيد: "صحيح أننا أصبحنا نوفر قوت يومنا، لكن مخاوفنا لا تتوقف بعد هذا النجاح الذي حققناه، بأن نضطر للتوقف خلال الشتاء، لا سيما وأن مشروعنا أقيم في مكانٍ مفتوح".

أبو شادي الذي ما زال محتفظًا بروح الفنان التشكيلي التي انطفأت مع عثرات الحياة، يطمح  لأن يتمكن من بناء مطعمٍ ثابتٍ على شكل مركب، يكون واجهةً لشاطئ بحر دير البلح، ومشروعًا  يُشغِّل عشرات الخريجين من المتعطلين عن العمل.