ضحكاته ترنُّ في أذن أمه: "ولا عُمره بيموت عُمر"
تاريخ النشر : 2021-08-31 09:51

شبكة نوى | قطاع غزة:

لم تُسلّم بفكرة موته! قالوا لها "شهيد"، قالت: بل هو معي.. "ولا عمره بيموت عمر". والدة الطفل عمر أبو النيل ما زالت تصغي إلى صوت ضحكاته تتسلل من تلك المسافة الضيقة تحت باب غرفته. هناك ملابسه، وحقيبته المدرسية، وهناك نافذةٌ تطل منها لتناديه منذ استشهد، فترى وجوه الكل "هو"..

عمر (13 عامًا) ابن حي التفاح شرق مدينة غزة، كان قد أصيب بجروح حرجة جراء استهدافه برصاص قناصٍ إسرائيلي في منطقة الرأس، خلال مشاركته في مسيرةٍ دعت إليها فصائل المقاومة قرب الحدود، قبل نحو أسبوع، للمطالبة برفع الحصار عن غزة.

وزارة الصحة أعلنت استشهاد عمر السبت 28 آب/ أغسطس الجاري متأثرًا بجراحه. منذ ذلك الحين، وأمه تغرف الحزن من قعر الحياة، "وأي حياةٍ تلك التي سأحياها بدونه؟" تسأل.

تتحسّس أم عمر قميصه المدرسي، تشمّ رائحته وتمسك بعضًا من ملابسه، ثم حقيبته المدرسية، تتذكر آخر طعامٍ أكله، وآخر حديثٍ، وآخر طلب، وآخر واجب مدرسيٍ ساعدته في حله. تخرج إلى الشارع فتراه في كل الوجوه. تناديه بقلبها، وتتألم. ثم تناجي الله بأن يكون ما تعيشه "كابوسًا" ستصحو منه قريبًا.

تقول: "ابني طالب في الصف الثالث الإعدادي. ما الخطر الذي يشكله لقناص؟! لقد مكث أسبوعًا في العناية المشددة وتحمل ألمًا لا تطيقه الجبال"، مستدركةً بعاميةٍ بسيطة: "اليوم، أنا كل طفل بعمره بشوفه عمر إبني".

تصمت، وتشرد بذهنها إلى حيث ذلك اللقاء الأخير، تلك الضحكة، وذلك القلب الذي لم يعرف من الحياة إلا الحب والعطف والمودة. تسأل نفسها بينما هي في منتصف اللقاء: "يا ربي ما هذه الدوامة؟ ألن تنتهي؟ وينك يا عمر؟ وينك يا حبيب أمك؟" وتبكي.

"ليس غريبًا على الاحتلال أن يقتل أطفالنا، لكنني أتساءل لماذا؟ طفلي ذهب إلى هناك يرفع علم فلسطين مجردًا إلا من حبه لوطنه! لم يحمل سلاحًا، قنصه جندي فسقى تراب "ملكة" بدمه" تزيد، وتتابع: "قالوا لي بأنه ابتسم فور إصابته، وكأن شريط حياته يمر أمام عينيه، وكأنه يرى شيئًا لم يره غيره".

تعود لصمتها، ثم تتمنى لروحها صبرًا جميلًا، وتصف قتله بـ "الجريمة"، "جريمةٌ بحث الإنسانية، طفل يصابُ مباشرةً في رقبته! لماذا؟! هذا جنوحٌ بحق الإنسانية".

عن يوم إصابته، تقول: "عرفتُ أنه سيستشهد. صحيحٌ أنه مكث في العناية المشددة أسبوعًا، لكنني كنتُ على يقينٍ بأنه قتل في أرضه يوم أصيب".

تستذكر أم عمر لحظات فرح عاشتها مع طفلها. ووعده لها بأن "يكبر، ويتفوق في الثانوية العامة كي يرفع رأسها"، "لكنه قُتل" تتمتم أمه، "وسوف لن يفرح بشهادة التوجيهي" تضيف.

أم عمر سوف لن تغسل قميص مدرسته هذه المرة "كي تبقى رائحته فيه"، لقد وعدها بأن يعيش مميزًا، "وها هو تميّز فعلًا أن مات "شهيدًا" فوق أرضٍ يسميها الفلسطينيون أرض العودة، على أمل عودةٍ قريبة إلى بلادنا السليبة" تعقب.

وبحسب اليونيسف، فإن "إسرائيل" قتلت تسعة أطفال فلسطينيين بين 7 مايو و31 يوليو من العام الحالي، وأصابت 556 طفلًا، باستخدام الذخيرة الحية والرصاص المطاطي، كما اعتقلت ما لا يقل عن 170 طفلًا فلسطينيًا خلال نفس الفترة في مدينة القدس.