كهرباء غزة.. "الموت البطيء" في حر "آب"
تاريخ النشر : 2021-08-03 12:53

غزة:

"إشاعةٌ سمجة" تلك التي تقول إن العدوان انتهى. إنه يزور "غزة" على هيئة أشباح: شبح البطالة، وشبح الفقر، وشبح الكهرباء، وشبح الموت.. الموت الذي يأتي بأشكالٍ كثيرة ليطال "الناجين" هنا، يبقيهم أجسادًا حيّة، وهو يطعن في عيونهم معنى "الحياة".

"نحن ميتون مع وقف التنفيذ" تعلق شابة كانت تستقل إحدى سيارات الأجرة، عندما احتدم الحوار بين الركاب حول انقطاع التيار الكهربائي، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة "التي حولت منازلهم –مع بدء شهر آب- إلى أفران تحرق أجساد وقلوب ساكنيها".

80% من سكان القطاع يقضون معظم حياتهم في الظلام الدامس، هذا ما خلصت إليه دراسة أجريت من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ لا يتوفر التيار الكهربائي إلا لمدة 10 أو 12 ساعة يوميًا في أحسن الحالات.

وتؤكد الدراسة أن النقص المزمن، والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في غزة، يخلف خسائر نفسية فادحة يتكبّدها السكان، إذ أفاد 94٪ من الذين شملتهم الدراسة أن صحتهم النفسية قد تضررت بفعل هذا الوضع.

"إن لم تقتلنا الحرب سيقتلنا الحر"، عبارة يتفق عليها الناس هنا. فـ"إسرائيل" التي أمطرت رأس غزة بالصواريخ، تراقب بهدوء كيف يتسلل "الموت البطيء" إلى قلب القطاع كلما أمعنت بحصارها.

تقول آمال سكر لـ"نوى": العالم لا يلتفت إلى غزة، إلا يوم يسيل دمها فيغرق شاشات الأخبار، لا يعلم شيئًا عن الأحياء الذين يموتون كل يوم بسبب حصارٍ اقتصّ من أعمارهم عقدًا ونصف".

وتضيف: "في الليل أشعر أننا فراخ تشوى على نار هادئة دون مبالغة، فأهرب مع أطفالي إلى بلاط المنزل عل أجسادنا تكتسب بعض البرودة".

وأحيانًا، تغسل آمال الأرضيات عدة مرات خلال اليوم، كي يبرد بلاطه، فيبرّد جو البيت، وأجساد الاجئين إليه من رطوبة وحرارة الجو "ودون جدوى أيضًا" تعلق.

ولا تقف تعاسة انقطاع التيار الكهربائي هنا، بل تمتد ليتبادل الجيران زجاجات المياه الباردة إن وجدت، فالثلاجات أُفرغت من الطعام ليس من باب الاكتفاء بالضروري هذه المرة، وإنما خوفًا على الطعام من التلف، بعد أن تحوّلت الثلاجات إلى "خزانات" بحسب وصفها.

ووفق دراسة الصليب الأحمر، فإن جولة العدوان الأخيرة أدت إلى تدمير البنية التحتية، كما تسببت بنقص كبيرٍ في الإمدادات عبر شبكات الكهرباء الرئيسية، وبالتالي حصول السكان على الكهرباء فقط لمدة 4 أو 5 ساعات يوميًا.

وأوردت الدراسة، وجود  500,000 شخص على الأقل في غزة لا يستطيعون تحمل تكاليف إمدادات إضافية من الكهرباء من خلال المولدات، ويضطرون إلى قضاء معظم يومهم دون كهرباء".

كما أشارت إلى أن 82٪ من المشاركين في الدراسة، لم يتمكنوا من الاحتفاظ بالطعام في الثلاجة بسبب الوضع، في حين قال 27٪ ممن شملتهم الدراسة إنهم لم يتمكنوا من تأمين أي بديل عن الكهرباء التي تزوّدهم بها البلدية، ومن بين هؤلاء 91٪ لا يستطيعون تحمل نفقات شراء المزيد من الكهرباء.

أمر أكده محمد النعيزي الذي يعمل بائعًا في أحد المحلات التجارية، وهو أب لخمسةٍ من الأبناء. يقول: "فواتير فوق فواتير، ندفع للمياه والكهرباء والتلفون والإنترنت، ولا شيء مما ندفع له يخدمنا بشكل متواصل، إننا نشكو من جميع الخدمات".

ويكمل: "لا أقوى على دفع المزيد من الفواتير لصالح "مواتير الحارة" التي تمد المنازل بالكهرباء، فهناك حد أدنى بقيمة 50 شيكلًا في الشهر، علي أن أدفعها سواء استخدمها أم لا"، وبالإضافة إلى ذلك، "المبلغ سيزيد أعباء المستلزمات المنزلية فوق عاتقي، وأنا الذي لا يتجاوز راتبي 1200 شيقلًا شهريًا".

يهرب محمد يوميًا خلال ساعات النهار، وساعات الليل الأولى، إلى البحر برفقة أسرته، ليس من باب التنزه، بقدر ما هو من باب "الهرب من نار المنزل التي أكلت الأجساد وأبلت الأرواح" وفق تعبيره.

ووفقًا للصليب الأحمر، فإن 57٪ من الذين أجريت عليهم الدراسة قالوا إنهم يستطيعون الوصول إلى وسائل بديلة لتوفير الكهرباء، ولكن ليس بالشكل الكافي لتلبية احتياجاتهم في الحياة والعمل.