غزة تهزم حصارها بسيارة سباق صنَعَها "فتحي"
تاريخ النشر : 2021-08-01 15:49

الوسطى:

ليس صعبًا على من يدخل قرية "المصدّر" أقصى شرق المنطقة الوسطى في قطاع غزة؛ الاستدلال على منزل السيد فتحي أبو غرابة. بسهولة سيجيبك أحد المارة: "فتحي مخترع السيارات؟ اتجه إلى أقصى الشارع الزراعي، وانحرف جنوبًا ستجد بيته، ودكانه، وورشته".

للوهلة الأولى، حين تصل الفسحة الصغيرة أمام منزل فتحي، ستجد نفسك أمام ورشة ميكانيكا صغيرة: مفكّات، وبراغي، وأدوات لِحام، وغيرها، من تلك المستخدمة في ورش تصليح السيارات.

تتوسط الساحة سيارة غريبة الشكل، تشبه تلك التي نراها في سباقات السيارات، لكن هذه صُنعت بيد فتحي. يقول لـ"نوى": "كان حلمي منذ سنوات، لكن قبل سبعة أشهر اتخذتُ القرار بإنجازها مهما كلفني الثمن". من الخردة –بقايا السيارات المحطمة- كانت البداية، وهذه هي الحكاية:

أبو غرابة (46 عامًا)، وهو أبٌ لسبعة أبناء، يعمل بائعًا في دكانٍ خاص به، لكن ومنذ صغره كانت تستهويه ميكانيكا السيارات، فتدرب عليها، وبرع فيها رغم أنه لم يمارسها كمهنة. ورغم مشاركاته البارزة كلاعب في الدوري الفلسطيني المحلي، حتى اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، إلا أن فكرة صناعة السيارات –التي طبقها عمليًا- كانت المسيطرة عليه.

يقول الرجل الذي لم تفارق الابتسامة وجهه: "قبل عام نجحتُ في صنع سيارة رش زراعي من الخردة، كانت صغيرة الحجم تعمل على أنبوبة غاز موفرة وقليلة الثمن، أُعجب بها مزارعون في منطقتي، فاشتراها أحدهم، وأقام بها مشروعًا خاصًا، حيث يعمل حاليًا في رش الأراضي الزراعية".

بعد نجاح تجربته التي لم تكن الأولى، قرر أبو غرابة صنع سيارة "سبورت" شخصية، تكفيه وزوجته وطفله فقط، ومن بقايا سيارات محطّمة؛ أصبح لديه سيارة رخيصة الثمن استخدمها في التجوّل. يعقّب ضاحكًا: "بتفسّح مع زوجتي وطفلي فيها، أما باقي أولادي كبار، بيتفسّحوا لحالهم".

لكن السيارة التي التقط أحد الصحافيين –بالصدفة- صورةً لها، بينما كانت تسير قرب شاطئ بحر النصيرات؛ اشتراها رجل بثمن بسيط لا يزيد عن (800 دولار).

أما سيارة السباق الحالية، فهي مشروعه الأبرز –وفق تعبيره- رغم كل ما واجهه أثناء تجميعها من صعوبات، لا سيما ما يتعلق بالموتور، والكوشوك، اللذان لا تسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدخولهما إلى قطاع غزة.

فالموتور الخاص بسيارة السباق -يوضح أبو غرابة- يختلف عن موتورات السيارات العادية، واسمه دورة سريعة، يضيف: "بحثت طويلًا حتى عثرت على هذا الموتور القديم، وهو ياباني من نوع ياماها 200cc بستون 4 سلندر. لم يكن صاحبه يريده، وكانت به بعض الأعطال فأصلحتها".

أما الكوشوك، فكل واحدة من مكان "حتى شكل كل واحد منها يختلف عن الآخر، كانت الأربعة بحاجة إلى إعادة تأهيل، وهذا ما فعلته حتى أصبحت جاهزة للاستخدام من جديد"" يزيد.

كان انقطاع التيار الكهربائي 8 ساعات يوميًا، أبرز ما واجهه من معوقات على مدار سبعة شهور متواصلة، قضاها في تصنيع السيارة التي تسير حاليًا بسرعة 360كم في الساعة.

كان يستثمر كل الوقت من أجل إنجاز مهمته خلال فترة وصل الكهرباء، التي يحتاجها في القص واللِحام، "ونظرًا لنقص المعدّات، كنتُ أستخدم النار في ثني الحديد والتحكّم فيه، وهذا ما عرضني للكثير من الإصابات" يقول.

سبع شهور متواصلة من التعب والإرهاق مرّت حتى تمكّن من صنع سيارة سباق تشبه تمامًا تلك التي رسمها في خياله. يعقب: "كلفتني 3500 دولارًا، والأصل ألا تكلّف شيئًا فهي بالكامل من الخردة، لكن كنت مضطرًا لشراء كل قطعة فيها بمبلغ ما".

ويجزم أن السيارة لن يمكنها العمل بشكل واسع، فقطاع غزة منطقة جغرافية صغيرة لا تتجاوز 365 كيلو مترًا مكتظة بالسكان، في حين حلبة سباق السيارات تحتاج إلى مساحة واسعة جدًا لن تكون متوفرة، لذا فالرجل الطموح يكتفي باستخدام هذه السيارة على نطاق ضيق، في أراضٍ واسعة نسبيًا، قريبة من قريته.

يتابع :"أنا رجل أهوى تصنيع السيارات، وهذه ليست المحاولة الأولى، في مناطق وضعها أفضل من قطاع غزة كان يمكنني الحصول على فرصٍ مهمة للعمل، لكن ها أنا هنا بائعٌ في دكان أنشدُ رزق عيالي السبعة، وبينهم طالبتين جامعيتين، إحداهما تدرس الطب في مصر، والثانية هنا".

يصمتُ قليلًا قبل أن يكمل: "ليس أمامي سوى الصمود من أجل المواصلة داخل طوق الحصار الخانق. في نفس الوقت، لن أنسى هوايتي التي أحب، سأستمر حتى يأتي يوم الفرج".

الرجل الذي ما زال رأسه يحمل الكثير من الأفكار، يطمح لأن يتمكّن ذات يوم، من أن يصنع سيارة "فورمولا ون"، وهي مختلفة كليًا عن سيارته الحالية، "فهي شديدة الدقة، ولا تقبل أي اختلاف بين كوشوك وآخر، وأي خطأ في تصميمها يعني موت اللاعب حتمًا".

رغم أنه يعي جيدًا قلة الإمكانيات لتطبيق ذلك داخل قطاعٍ ناهز عمر حصاره العقد والنصف، إلا أن أبو غرابة يمتلئ أملًا بقدرته على تحقيق حلمه ذات يوم.