قطاع غزة:
كان يضرب الطحين مع الماء في "طشط العجين" بقوة. بالقرب منه وقفت زوجته أم مجدي تراقب، وتدلي ببعض النصائح. كان يسمعها ويبتسم، فهو "على خبرته" كان يشعر بأن "لمستها" -وإن لم تفعل شيئًا- تنثر "البركة"، وتفتح طريق الرزق في مشروعٍ، قصته طويلة.. تمامًا كطول مسافة الرحلة من ماليزيا إلى غزة.
يصنع سعيد وزوجته، فطائر الزعتر، والسبانخ، والجبن بأنواعه، وأصناف أخرى. هو مشروعٌ آمنا برزقه منذ كانا في ماليزيا، عندما بدآه في مطعمٍ صغير ظنّا أنه سيكون طوق نجاةٍ ينتشل عائلتهما من أمواج الفقر في غزة، لولا ما حدث.
كان الرجل يعمل معلقًا صوتيًا في عددٍ من القنوات التلفزيونية، قبل أن يسافر إلى ماليزيا، بحثًا عن فرصة عملٍ جيدة تقيه وأبناءه التسعة ذل السؤال "فكان سوق المعجنات مميزًا هناك"، وكان الإقبال على مطعمه وزوجته عظيمًا حتى أصيب بالسرطان فخارت قواه، وصار استمراره كما كان قبل المرض "ضربًا من ضروب الجنوب".
"المرض جعلني فريسةً سهلةً هناك لعملية نصبٍ وتزوير، أعادتني إلى غزة من جديد كما غادرتها، بخفي حنين" يقول، فتقاطعه زوجته: "عملية الاحتيال تلك جعلتنا نخسر كل ما بنيناه هناك، لم نجد أمامنا خيار سوى العدة إلى بلادنا.. هذا الوطن الذي يستوعب أبناءه بكل أحوالهم".
فكرة مشروع إعداد الطعام من المنزل لم تكن سهلة على أم مجدي في البداية، تقول: "شعرتُ بالخجل بادئ الأمر، لكن البيئة المحيطة بي، أولادي وزوجي، وبعض الأقارب، دعموا الفكرة، وساعدوني في الترويج لفطائري عبر "فيسبوك"، حتى صار عندي عدد كبير من الزبائن".
تتنوع منتجات سعيد وزوجته بين المعجنات وورق العنب والكبة، بل والكثير من الأكلات الشرقية، التي يطلبها الناس عبر الهاتف ورسائل "فيسبوك".
يستقبل الأبناء الطلبات ثم تتحول الأسرة بأكملها إلى خلية نحل، تنجز أشهى الأكلات في موعدها ثم تسلمها لأصحابها.
تصف أم مجدي قلة فرص العمل في قطاع غزة المحاصر منذ 15 عامًا، بأنه "أصعب من وقوع الحرب". هي لا تتحمل رؤية أيٍ من أفراد أسرتها يعاني العوز، هي لا تحتمل فكرة أن يمضي زجها في طريقه بجيبٍ خاوٍ، أو أن يطرق الأبواب هنا وهناك لعله يجد فرصة، ولا يجد.
في مشروعهما، الذي ربما لا يحصّلون فيه الكثير من المال بالنسبة لأسرة مكونة من 11 فردًا، يحمل سعيد نظرةً مختلفة. يقول: "أنا هنا أبحث عن الاكتفاء الذاتي المؤقت، من خلال عمل يجدد التحدي والتصدي لهزيمة المستحيل في هذه البلاد، تمامًا كأن يبدأ الإنسان من الصفر في ظروف مأساوية كظروف قطاع غزّة".
برأيه، هو ليس أمامه إلا تقبل هذا العمل "فهو ضمن المتناول والإمكانيات"، بل "إنه قدر يجب تقبله بالإيمان به، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، يضيف.