كـ"عضو مراقب".. القارة السمراء في قبضة "إسرائيل"
تاريخ النشر : 2021-07-26 08:39

غزة:

"إن حصولها على عضوية في الاتحاد الأفريقي، يضع القارة السمراء في قبضتها"، هذا ما اتفق عليه محللان سياسيان، عندما سألتهما "نوى" عن تبعات الإعلان رسميًا عن حصول دولة الاحتلال الإسرائيلي على "صفة مراقب" في الاتحاد الأفريقي الخميس الماضي.

د.منصور أبو كريم، وأ.ريهام عودة، قالا: "في الوقت الذي لم تضيع فيه "إسرائيل" الوقت، على مدار 20 عامًا من الجهود الدبلوماسية، لنسج علاقات اقتصادية وأمنية، ودعم دول الاتحاد تكنلوجيًا، انشغل الفلسطينيون والعرب بقضاياهم الداخلية، وأهملوا القارة التي لطالما عانت –مثلهم- من ويلات الاستعمار والتمييز العنصري، هكذا، حتى وصلت إلى مرحلة التطبيع الكامل".

وتقيم دولة الاحتلال اليوم، علاقات مع 46 دولةً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، بعد أن أعادت العلاقات مع "غينيا" عام 2016، ومع تشاد عام 2019.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعني القارة الإفريقية للقضية الفلسطينية؟

وفي تموز/ يوليو 2016، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، أول رئيس حكومة إسرائيلية يزور القارة منذ عقود، في جولة زار خلالها أربع دول في شرق أفريقيا؛ هي: أوغندا، وكينيا، ورواندا، وأثيوبيا.

وفي كانون الأول/ ديسمبر من ذات العام، استضافت "إسرائيل" سبعة وزراء، بالإضافة إلى عدد من كبار المسؤولين من أكثر من 12 دولة واقعة غرب أفريقيا، في مؤتمر زراعي دولي عقدته فيها.

المحلل السياسي د.منصور أبو كريم، قال بدوره: "إن "إسرائيل" عادت إلى إفريقيا من الباب الاقتصادي، بمجاليه التجاري والزراعي، وهكذا لم يشعر أحد بأنها تشكل أدنى خطر عليه، حتى حازت صفة مراقب"، ملفتًا إلى أن هذه الصفة، ورغم أنها لا تمنحها حق التصويت، إلا أنها تمنحها الفرصة للإدلاء برأيها تحت قبة الاتحاد الإفريقي، والتأثير في قرارات دوله".

ويشير أبو كريم إلى أن "إسرائيل" تنظر إلى "أفريقيا" كساحة استراتيجية من المهم اختراقها، ذلك لدواعٍ أمنية وسياسية واقتصادية، "وقد سعت لتعزيز علاقتها بدول القرن الأفريقي، من أجل العبث بالأمن القومي للدول العربية، وفرض وجودها في منظومة العلاقات الدولية، وكسر المقاطعة العربية المفروضة عليها" وفق قوله.

وحسب أبو كريم، ففقد نسج الاحتلال شبكة علاقات اقتصادية وأمنية مع العديد من دول أفريقيا، "ويتواجد بقوة في أثيوبيا، وإرتريا، وكينيا، والصومال، ويسعى لتقديم نفسه كجهة يمكن الاعتماد عليها في بناء منظومة علاقات اقتصادية وأمنية، وتقديم خدمات في مجال الزراعة والتكنولوجيا الفائقة، من أجل مساعدة هذه الدولة على مواجهة أزماتها".

اقرأ/ي أيضًا:برلمان جنوب إفريقيا يشبّه "الضم" بـ"الفصل العنصري"

وبما أن فلسطين تحتاج إلى تصويت القارة الإفريقية في الأمم المتحدة، فإنها حتمًا ستتضرر من النفوذ الإسرائيلي الجديد (والحديث لأبو كريم) فوجود مندوب إسرائيلي داخل الاتحاد الافريقي سيؤثر في سلوك دوله، "وسنشهد تراجعًا في عدد المصوتين لصالح قضيتنا، من قِبل دول كانت حليفًا وداعمًا تقليديًّا لفلسطين" يضيف.

ويوضح أن دول الاتحاد الافريقي تبحث اليوم عن مصالحها، وقد شجعها على ذلك تطبيع دول عربية مع "إسرائيل"، التي طرحت نفسها كشريك بوسعه تقديم المساعدة، مستدركًا: "وقد نجحت في ذلك بدفع الكثير من الدول الأفريقية، للتخلي عن ربط علاقتها بـ"إسرائيل" بالقضية الفلسطينية".

ويتابع: "سلطت الاحتلال سعت منذ خمسينيات القرن الماضي للتقارب مع أفريقيا بهدف التأثير على الأمن القومي العربي وخاصة مصر، وهنا لا بد أن نلفت إلى أن الاحتلال، لاعب رئيسي في قضية سدّ النهضة".

وأكمل بنبرة أسف: "كان من انعكاسات مرحلة الربيع العربي، غياب أنظمة عربية مؤثرة في العلاقات الإقليمية، مثل العراق وسوريا، وقد استغل الاحتلال هذه التقلبات لتفكيك البيئة الإقليمية، وطرح نفسه كطرف يمكن الوثوق به".

وحمّل أبو كريم السلطة الفلسطينية مسؤولية الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية، "فحالة الانقسام، والانشغال بالوضع الداخلي، جعلنا نركّز جهدنا على الساحة الداخلية، وبالتالي الانشغال عن مواجهة التحوّلات الكبرى في المنطقة (..) حالة التشرذم أخذت منا الكثير، وينبغي إعادة توحيد الصف لمواجهة كل هذا الواقع".

جهد إسرائيلي مكثف

وتتفق المحللة السياسية ريهام عودة، مع أبو كريم بأن انضمام "إسرائيل" للاتحاد الافريقي ليس وليد اللحظة؛ بل نتاج عمل مكثف لدعم الاقتصاديات الإفريقية، التي بدأت أولًا في مجال الري الزراعي.

ووفقًا لعودة، فإن القارة الإفريقية منطقة ذهبية بالنسبة لـ"إسرائيل"، تتيح لها العمل بسهولة، وتنفيذ مشاريع استثمارية في مجالات الزراعة وتكنولوجيا الري، "حيث تعاني دولها من شحّ المياه، وهذا المجال فتح أبوابًا أخرى لتحقيق الهدفين السياسي والأمني، انطلاقًا من الشعار الذي رفعه نتنياهو: "إسرائيل" تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى "إسرائيل"".

اقرأ/ي أيضًا:الاحتلال يصادق على خطة للتوغل في افريقيا

وتوضح عودة بأن دول إفريقيا تعد ممرًا لبعض تجار السلاح، والاحتلال يريد الرقابة على الطريق الذاهب إلى الشرق الأوسط، وهذا هدف أمني وعسكري، أما على المستوى السياسي –تزيد- فأفريقيا قارة كبيرة لديها عدد من الأعضاء في المنظمات الدولية، ووجود "إسرائيل" في الاتحاد يمكنها من التأثير في أصواتهم، وتحييدهم عن التصويت لمصلحة القضية الفلسطينية".

وإزاء التخوف من تراجع دعم القارة الإفريقية للقضية الفلسطينية، تقول عودة: "هناك دولًا مهمة ما زالت تدعم قضيتنا مثل جنوب أفريقيا، وفي المقابل هناك دول لديها علاقات قوية مع الاحتلال، وهذه ربما تجامله بالامتناع عن التصويت لصالحنا، بما يعني بالمجمل، تراجع الأصوات الداعمة لنا".

وعلينا التذكير-والقول لعودة- بأن دول أفريقيا التي تقيم تعاونًا اقتصاديًا مع الاحتلال، خاصة في مجال الري والزراعة؛ قد تسير باتجاه تنفيذ مشاريع أكبر مستقبلًا، كتبادل الخبراء والوفود الشبابية، وكل هذا، ونحن الفلسطينيون والعرب منشغلون بالانقسامات والصراعات الداخلية التي شتتت جهودنا.

وتضيف: "الدول العربية انشغلت بتغيير الأنظمة، ونحن الفلسطينيين انشغلنا بالانقسام وتبعاته، وبالتالي هناك تقصير سياسي كبير من طرفنا، لأننا تعاملنا مع القارة الإفريقية وكأن أمرها محسوم لصالحنا، وعلى مدار سنوات طويلة لم يبذل المستوى السياسي جهدّا في تلك الساحة التي استغلها الاحتلال لمصلحته".

إلا أن الأمل القائم- حسب عودة- مرتبط بتعزيز العلاقات الدبلوماسية في دول الاتحاد الإفريقي، وعودة التركيز بشكل ممنهج على عمل السفارات الفلسطينية فيها، من خلال أنشطة مكثفة، تعرّف بالقضية الفلسطينية، وتدفع باتجاه تبادل الوفود الشبابية، والزيارات، بين فلسطين وأفريقيا، "ففي تلك الدول، شعوب –مثلنا- عانت ويلات الاستعمار، ولن تقبله لشعب ينشد الحرية" تختم.