ذوو الإعاقة السمعية.. وصوت الحياة في "أُذُن السلام"
تاريخ النشر : 2021-07-12 12:53

غزة- شبكة نوى :

هل تخيلت يومًا أن شخصًا من ذوي الإعاقة السمعية، يُمكنه أن يتفاعل مع غيره من الناطقين بدون لغة الإشارة؟! قد يبدو الأمر غريبًا جدًا، وأحيانًا يدعو إلى السخرية خصوصًا إذا ارتبط بغزة؛ تلك البقعة المُحاصرة سياسيًا وجغرافيًا برًا وبحرًا. لكن مهلًا لا تتبِع الحكم المسبق، فالمُعجزات تتحقق بالإيمان إذا غذّاها الصبرُ والأمل.

هذا ما أتقنَتْهُ شغفًا وأفرغَته إنتاجًا ملموسًا "نادية الخطيب"، ابنة كلية تكنولوجيا المعلومات بالجامعة الإسلامية، عندما تمكنت من اختراع شاشةٍ ذكية، تمكّنُ الصم من قراءة لغة الشفاه، وفهم ما يقوله الناطقون دونما الحاجة إلى  استخدام لغة الإشارة.

شغفها بالذكاء الاصطناعي، ساعدها على تتويج مهاراتها وإبداعاتها التقنية بمنتج "أذن السلام"، الأول من نوعه على مستوى التواصل مع ذوي الإعاقة السمعية.

"أذن السلام" هي تقنيةٌ تحوّل –بمساعدة نظّارة خاصة- اللغة المحكية وترجمتها إلى لغةٍ مكتوبة، تُعرض على شاشة ذكية، بطريقةٍ تتناسب مع قدرات ذوي الإعاقة السمعية من حيث السرعة وحجم الخط، ليقوموا بقراءتها والتفاعل مع الذين يُخاطبونهم بكفاءة عالية.

"نوى" التقت بصاحبة المشروع الرائج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحاولت الوقوف على تفاصيل التقنية، وشروط الاستخدام، البقية تتبع..

شغف الطفولة

منذ نعومة أظافرها، ارتبطت نادية بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فلم تترك فيلمًا كرتونيًا يحكي عنه إلا والتهمته بعينيها، لتقرر بين التفاتة عينٍ وانتباهتها، أن تكون فارقًا في هذا المجال.

بدأت تُطور قدراتها شيئًا فشيئًا حتى تمكنت في مرحلة الثانوية وما بعدها، من المشاركة في العديد من المسابقات، التي أهلتها لكتابة حروف اسمها مستقبلًا، على ابتكارٍ تصنعه بيديها.

تقول: "خضتُ تجارب عديدة، ونلتُ الكثير من الجوائز، لكنني أردت أن يكون لي بصمة خدماتية وإنسانية، فروضت تقنيات الذكاء الاصطناعي لتخدم فئة ذوي الإعاقة السمعية، تلك الفئة التي يصعب عليها التواصل مع المحيط إلا بلغة الإشارة، التي لا يتقنها الغالبية هنا". ترسم على وجهها ابتسامةً وتكمل: "كانت تجربة عظيمة بعظمة الفئة التي تخدمها".

أذن السلام

اختارت "الخطيب" اسم "أذن السلام" لمشروعها، لعلها تحقق بواسطته السلام النفسي والاجتماعي لفئة الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، وتُخرجهم إلى فضاء التواصل الفعّال مع غيرهم من مجتمع الناطقين.

ويعمل نظام النظارة التي اخترعتها "نادية"، على فكرة ارتداء ذو الإعاقة السمعية إياها، ومجالسة صديق لتبادل أطراف الحديث، فيتمكن من فهم كافة كلامه، دون الحاجة إلى مترجم لغة إشارة، ذلك من خلال تحويل الكلام المحكي إلى كلام مكتوب، بحجم خط مناسب، وسرعة عرض جيدة، يقرأه ويرد عليه وفق ما تقتضي الحاجة.

رغم السعادة التي غمرت ملامحها إلا أنها أكدت أن طريق النجاح لم يكن سهلًا، تقول: "بمجرد أن عرضت فكرة مشروعي ساد الوجوم والتعجب على وجوه من سمعوا به لأول مرة، حتى أن البعض أجابني باستحالة تنفيذها، وإخراجها لحيز النور في قطاع غزة المحاصر سياسيًا وجغرافيًا".

وتُضيف: "كان لتلك الكلمات وقعها المعاكس عليّ، فأبيت إلا أن أواصل طريقي رغم كافة المعيقات، حتى كانت المفاجئة حين نجحتُ وبدأتُ أختبر فعالية النموذج الأول لابتكاري"، ملفتةً إلى أن كل من عارضوها وسخروا من إمكانية تنفيذ مشروعها في بيئةٍ كـ "غزة"، أغدقوا عليها بأحاديث الإطراء وتناقلوا مشروعها بإيجابية هوَّنت عليها الشعور الأول، "الذي لن تنسى أنه سبب نجاحها" تقول.

التجربة الأولى

كان الشعور الذي انتقل إلى قلب الفتاة "الخطيب" حين استخدم عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية اختراع النظارة الذكية خاصتها مفعمًا بالامتنان، بأن وفقها الله كي تكون سببًا في تذليل عقبة التواصل الفعال مع المجتمع الخارجي.

راودتها كلمات الانهزام والاحباط الأولى، وتذكرت كيف تحولت إلى كلمات فخر وتعابير فرح، عندما عبر لها الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية، عن سعادتهم باستخدام نموذج منتجها الأول "أذن السلام" تقول: "في قاموس السعادة، لا يوجد كلمة تصف تلك اللحظة، فالتجربة الأولى كانت ناجحة جدًا".

الآن تبحث الفتاة التي نالت درجة البكالوريوس في كلية تكنولوجيا المعلومات عن سبيلٍ لاحتضان المشروع من أجل البدء بإنشاء خط إنتاج واسع، وتزيد: "آمل أن تسعى جهة دولية لدعم المشروع، فذلك سيذلل عقبات وصول القطع والخامات اللازمة لعملية إنتاج الجهاز، وإدخال القطع اللازمة لذلك بعيدًا عن تعنت الاحتلال الإسرائيلي وفقًا لما يزعم أنه استخدام مزدوج للقطع التكنلوجية".

وتُتابع: "عانيتُ كثيرًا للحصول على قطع تقنية خلال عملية الإعداد والتجريب للنموذج الأول، فاضطررتُ إلى استخدام بدائل أثّرت على سرعة إخراج النموذج إلى النور".

مازال الطريق بحاجة لجهد

ويُعد النموذج الأول الذي أنتجته "الخطيب" مجرد نسخة أولية يدوية، مؤكدة أنّه بحاجة ماسة إلى عمليات تطوير تقني مختلفة، ليُصبح منتجًا يتداوله ما يزيد عن أربعين مليون شخص من ذوي الإعاقة السمعية في الوطن العربي، وهو ما يجعلها تُعوّل كثيرًا على احتضان المشروع من جهة دولية خارجية تُتيح لها فرصة عبور القطع الإلكترونية وتقنيات التكنولوجيا الحديثة بأنواعها إلى القطاع، دون عقبات أو عمليات مماطلة وطول انتظار.