جلسة استماع "فلسطينيات" للصحفيات تفتح الباب لتدخلات نفسية وحقوقية
تاريخ النشر : 2021-07-04 15:13

رام الله

نظمت مؤسسة فلسطينيات في رام الله الخميس "جلسة استماع" لعدد من الصحفيات الفلسطينيات اللواتي تعرضن لاعتداءات مختلفة على أيدي الأجهزة الأمنية أو من عناصر بالزي المدني، خلال تغطيتهن مظاهرات الاحتجاج على " قتل " الناشط والمعارض نزار بنات.

وفي جلسة مغلقة، استمع لشهادات الصحفيات ممثلون عن عدد من المنظمات الدولية والحقوقية، ومن بينها منظمة هيومان رايتس ووتش، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية " أمنستي"، واليونسكو، و"مراسلون بلا حدود"، ومركز القدس للمساعدة القانونية.

وحضر الجلسة ممثلات وممثلون عن مؤسسات تعمل في مجال مناصرة الصحفيات والصحفيين خاصة ودعم المبادرات الإعلامية، منها رئيسة تحرير شبكة ماري كولفن للصحفيات، وممثلة مؤسسة دعم الإعلام الدولية (IMS)، وممثلة عن مركز المرأة للإرشاد. وأدار اللقاء منسق مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية وعضو مجلس إدارة مؤسسة " فلسطينيات" محمود الإفرنجي.

وقال الإفرنجي في مطلع الجلسة إن الاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون في الاحتجاجات على " مقتل" نزار بنات، مثلت انتهاكا لكرامة وضمير كل مواطن، ومن بينهم الصحفيات والصحفيين.

وشدد الإفرنجي على أهمية توثيق شهادات الصحفيات وكل شخص تعرض لاعتداء، للضغط دائما والتذكير بأهمية حماية حقوق الإنسان " التي كلما ابتعدنا عن مبادئها وتطبيق أدواتها زادت خطورة الجرائم المرتكبة بحقها".

النضال المستهدف

ووضعت مديرة مؤسسة فلسطينيات وفاء عبد الرحمن، الاعتداءات على الصحفيات في سياق الرد على الدور المتصاعد للنساء في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال وفي العمل النسوي السياسي عامة.

وقالت عبد الرحمن إن الاعتداءات على الصحفيات ليست مفاجئة، بل بدت مصممة بتخطيط مسبق من الأجهزة الأمنية التي لا تتصرف بردات أفعال كما هو معلوم.

وذكّرت بسلسلة متصلة من استهداف النساء والاعتداء عليهن وتشويه صورتهن ومكانتهن في مجتمعاتهن منذ المظاهرات الفلسطينية التي رافقت " الربيع العربي" بعد عام 2011، وما تلاها من احتجاجات المطالبة برفع العقوبات عن غزة، وليس انتهاءً بالاحتجاجات على مقتل نزار بنات.

ورأت عبد الرحمن إن تصدر الفتيات المظاهرات وسط مدينة رام الله خاصة، في مواجهة قمع الأجهزة الأمنية،  كان تعبيرا عن فشل القيادات التقليدية وخطاباتها الذكورية التي لم تقدم حلولا للمجتمع ولمنظومة حقوق الإنسان على مدى سنوات طويلة.

ثم إنها ليست صدفة كما قالت عبد الرحمن، إذ يأتي نضال الفلسطينيات مؤخرا استمرار لمشاهد تصدر المرأة المقاومة في القدس منذ نشاط المرابطات في المسجد الأقصى، مرورا بصمود نساء سلوان وقيادتهن المواجهة في الشيخ جراح وتصدير قضيته للعالم، ثم تصدر المظاهرات في الداخل الفلسطيني أيضا. وقالت إن "ما حدث في رام الله استكمال لهذا المشهد وليس منعزلا عنه".

تقول عبد الرحمن إن مشاركة النساء في الاحتجاجات طبيعي، لأنهن الأكثر حساسية لما يواجهه المجتمع من أزمات. كما أنه مرتبط بظهور جيل جديد من الناشطات النسويات وممثلات المؤسسات، أكثر فعالية وجرأة من سابقاتهن، وأكثر فهما لحقوق الإنسان والحقوق الوطنية عامة وأكثر جرأة في الدفاع عنها.

وعلى خلفية هذا الدور المتصاعد يمكن تفسير الاعتداءات المتركّزة على الصحفيات خاصة. التي اعتبرتها " رسالة لردع وتخويف كل النساء اللواتي قررن صناعة المشهد".

كما رأت في استهداف الصحفيات، ومصادرة هواتفهن ونشر صور ومواد خاصة بهن على وسائل التواصل الاجتماعي مع موجة تحريض عليهن، رسالة تهديد للعائلات والمجتمع عامة بأن " ضبوا بناتكم".

وقبيل الاستماع لشهادات الصحفيات، قالت عبد الرحمن إنه من المهم عدم الاكتفاء بالنظر إليهن باعتبارهن ضحايا فقط، ولكن باعتبارهن مناضلات في سبيل حقهن في ممارسة عملهن بجرأة، لذلك " شهاداتهن ليست استماعا لضحايا فقط بل لنساء جريئات قررن عدم السكوت".

اعتداءات متنوعة

وخلال الجلسة، قدّمت ست صحفيات شهادات متنوعة عن تعرضهن للضرب المباشر. وعرضت مؤسسة فلسطينيات في فيديو من توثيقها، شهادة الصحفية نجلاء زيتون واستهدافها بالضرب العنيف ومصادرة هاتفها وتناقله بين عناصر بالزي المدني.

وحضرت الصحفية فيحاء خنفر الجلسة مع جبيرة على يدها اليسرى جراء الاعتداء عليها في تغطيتها مسيرة السبت (26 حزيران 2021) في رام الله احتجاجا على مقتل نزار بنات. وتحدثت عن سلسلة متصلة من استهدافها والاعتداء عليها ومصادرة هاتفها ومحاولة استدراجها إلى مقرات الأجهزة الأمنية لتسليم هاتفها. ثم تشويه صورتها لاحقا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كما قدمت مراسلة موقع "ميدل إيست آي" شذى حماد، شهادتها عن استهدافها ومنعها من التغطية ومحاولة مصادرة هاتفها ثم كسره، قبل أن تصاب بقنبلة غاز لازالت آثار جروحها بادية في وجهها.

وكشفت حماد خلال شهادتها، عن إهمال مجمع فلسطين الطبي (مستشفى رام الله الحكومي) في التعامل مع إصابتها فور وصولها بالإسعاف. وقالت إن تدخل الطبيب المسؤول تم إلحاح زملاء صحفيين رافقوها وهي في حالة نزف شديدة من الوجه.

وطالبت حماد ممثلي المنظمات الدولية في الجلسة بالتدخل من أجل استعادة حصانة الصحفيين كجهة محايدة في الميدان، والعمل على الضغط من أجل محاسبة المعتدين على الصحفيين كي لا يتكرر استهدافهم.

كما تحدثت الصحفيتان فاتن علوان وجيهان عوض عن منعهن من التغطية في عدة مراحل من مسيرات الاحتجاج منذ الخميس وحتى الأحد، ثم التحريض عليهن في مواقع التواصل الاجتماعي عبر نشر أسمائهن في " قائمة العار" كما سُميت، والتي ضمت أسماء عدة صحفيين شاركوا في تغطية الاحتجاجات.

وروت الصحفية سجى العلمي حادثة منعها من التغطية ثم ملاحقتها من قبل عناصر باللباس المدني داخل البنايات المحيطة بمنطقة الاحتجاجات وسط مدينة رام الله، بهدف اعتقالها ومصادرة هاتفها، واضطرارها للتخفي في ظروف خطيرة جدا.

كما قدمت الصحفية إيريكا زيدان من بيت لحم شهادتها حول تعرضها للإهانات وتشويه السمعة عبر موقع الفيسبوك، وكذلك الضغط عليها لعدم تناول الاحتجاجات في برنامج إذاعي كانت تقدمه على إحدى الإذاعات المحلية قبل أن تعلن استقالتها على خلفية ذلك.

وأشارت الصحفيات إلى ضغوط وآثار نفسية شديدة خلفتها الاعتداءات عليهن، خاصة من تعرضن للضرب المباشر، ومع وصول بعضهن وعائلاتهن تهديدات مباشرة، ثم نشر صور مفبركة مع أسمائهن بعضهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

توثيق وبلاغات

وبعد الاستماع لشهادات الصحفيات، أكد ممثلو المنظمات الدولية والحقوقية المحلية على توثيق شهادات الصحفيات ورفعها للمؤسسات الشريكة.

وعبر ممثلو المنظمات الدولية والمحلية عن استعدادهن للعمل من أجل ضمان تسجيل صوت الصحفيات وتوصيله للجهات الدولية. إلى جانب إمكانية العمل مع بعضها والتنسيق لأية تدخلات تحتاجها الصحفيات على خلفية الاعتداءات التي تعرضن لها. وخاصة في التدريب على آليات حماية الصحفيات والصحفيين خلال تغطية الأحداث في الميدان.

وفي خطوة عملية، أعلن منسق مجلس منظمات حقوق الإنسان محمود الإفرنجي، خلال الجلسة، عن تقديم مجموعة من المؤسسات الحقوقية بلاغ جزائي أمام النائب العام الفلسطيني، يطالب بفتح تحقيق شامل في الاعتداءات التي ارتكبتها جماعات بالزّي المدني أثناء المظاهرات السلمية التي شهدتها رام الله من الخميس (24 حزيران 2021) وحتى الأحد (27 حزيران 2021).

تدخلات "فلسطينيات"

وفي ختام جلسة الاستماع، شددت مديرة مؤسسة فلسطينيات على أهمية انتظام اللقاءات مع مؤسسات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية وتوثيق الاعتداءات كي لا " تشعر السلطات المسؤولة بأنها تستمد قوتها وشرعيتها من صمت المؤسسات الدولية في حال غاب صوت الضحايا".

كما أكدت على أهمية اللجوء إلى الآليات الدولية في التوثيق والاحتجاج من أجل تشجيع الصحفيات في الانخراط بهذه الأدوات، كخطوة مهمة على طريق التأثير والحد من الاعتداءات على الحق في العمل الصحفي بحرية وتحييد الصحفيين في الميدان خاصة.

وقالت عبد الرحمن إن تدخلات المؤسسات الأهلية الفلسطينية، ومنها "فلسطينيات"، تأتي اليوم بعد محاولات حثيثة لعزل المجتمع المدني وتشويه صورته، غير أن الأحداث الأخيرة عادت ووضحت أهمية دور هذه المؤسسات في الوقوف إلى جانب الصحفيات والضحايا عامة.

وأعلنت مديرة " فلسطينيات" عن تنظيم جلسات دعم نفسي جماعية خلال أيام لدعم الصحفيات اللواتي تعرضن لاعتداءات والعاملات في الميدان عامة، تمهيدا لفرز أية احتياجات للتدخل فرديا. وذلك بالتعاون مع شبكة ماري كولفن للصحفيات.

وأشارت وفاء عبد الرحمن إلى سلسلة تدخلات بدأتها مؤسسة " فلسطينيات" في قطاع غزة، فور انتهاء العدوان الإسرائيلي في أيار/مايو المنصرم، والتي شملت رحلات ترفيهية لأكثر من 150 صحفية إلى جانب 70 صحفيا على دفعات.

وكذلك تدخلات للتفريغ النفسي شملت 120 صحفية، و40 صحفيا، في ظل الحاجة الملحة بعد العدوان الذي طال أيضا مقر مؤسسة فلسطينيات في مدينة غزة، وفي ظل غياب الأجسام النقابية التي يجب أن تضطلع بهذا الدور.