صحفيو وصحفيات القطاع.. قلوب خصبة للألم النفسي
تاريخ النشر : 2021-06-23 14:51

غزة:

سوف لن تنتهي آثار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، فهذا أمر مفروغ منه بالنسبة للأحياء بين جولات التصعيد المستمرة والعدوانات الكبيرة، بل الأصح أنهم المرشحين للموت لاحقاً. يتحدث المصور الصحفي نضال الوحيدي.

مع كلّ فرصة للنجاة بعد تصعيد أو عدوان، يخرج الناس بغزة لتهنئة بعضهم البعض بالسلامة، يتبادلون الهداية والزيارات ويحاولون التعايش في محاولة للنهوض مجدداً وترميم نفوسهم بالمواساة، لكن كيف هو حال الأثر النفسي؟

اختارت "نوى" هذه المرّة صحفيين وصحفيات، للحديث عن فترة ما بعد العدوان الإسرائيلي، لتسليط الضوء على قصصهم/ن خصوصاً أن متابعة الأثر وملاحقته هو واحد من أبرز مهام مهنتهم/ن.

يقول نضال إن أثر القصف والموت الذي تسبب فيه الاحتلال لم يفارقه، يراه على هيئة إنسان يصاحبه في المقاهي والشوارع وكل زوايا المنازل وحتى أنه يجده يجلس بينه وبين رفاقه على مائدة واحدة، يمازحون بعضهم ويضحكون لكنه يعود ينكّد عليهم بلسان واحد منهم "ياه يا شباب، متخيلين إنه العدوان خلص ولسه أنا عايش؟".

ويضيف: "حتى بيني وبين نفسي، لا أكف عن التفكير بعودته قريباً، الإحساس سيء والتوقعات قاتلة كلما فكرت بفقدان عزيز جديد على قلبي".

لا يخفي الشاب خوفه ولا ينكره أيضاً، فهذه الحالة الطبيعية للناجين مرة ومرتين وعشرة من العدوان! يتساءل "كل مرة نفقد زميل أو واحد من عائلاتنا أو المحيطين بنا والناس عموماً هنا، فكيف لهذا أن ينتهي بانتهاء الحدث؟".

صور الأحياء تحت الأنقاض يتنجدون، أكثر ما يرتطم بذاكرة المصور إلى جانب مشاهد النازحين يهربون تحت ضربات الصواريخ إلى أي مكان يحميهم، دون جدوى، فغزة ليست آمنة، والاحتلال بالتأكيد لا يوفر أدنى فرصة يمتص فيها المزيد من دماء الفلسطينيين.

عن إمكانية الدعم النفسي، يرى نضال أن القطاع كلّه يشعر بـ "الاكتئاب" إثر العدوان، حتى المعالجين النفسيين هم أكثر من يحتاج لذلك، فليس من المنطقي أن يعالج مريض العدوان، آخر مثله وقع الضرر ذاته عليه – وفق تعبيره -.

للصحفية أحلام حمّاد قصة مشابهة، يرعبها هاجس قصف منزلها ويزيد خوفها فكرة الفقد، فأسرتها هي مصدر قوّتها بالحياة، كيف لو فقدت أحدهم؟ وكيف لو قصف منزلهم؟ أسئلة تلاحق تفكيرها فتحاول إعدامها والهرب من كلّ ذكريات العدوان – تخبرنا -.

في أيام العدوان، تقوم الأم باحتضان أبنائها واحتوائهم، تخفي ضعفها بصنع أصناف من الحلويات مجبرة، تلعب بـ "الطينة والكوتشينة وحاكم الجلاد" لانتزاعهم من تدمير الأرواح الذي تشنه إسرائيل على سكّان القطاع.

هذا بالنسبة لفترة النهار، لكن الرعب الأكثر يضرب قلوبهم جميعاً عند دخول الليل، ينامون جميعاً بغرفة واحدة وعند اشتداد الضربات تحاول أحلام أن تتناقش معهم أي موضوع جدلي لتشتت انتباههم وخوفهم أيضاً.

وانتهاء العدوان بحسب أحلام لا يعني انتهاء العدوان، بل بدء مرحلة أخرى من الألم النفسي، تجد نفسها مفزوعة من سماع أي صوت عالي ليخطر ببالها فوراً أن "الحرب عادت".

لم تسع الصحفية للحصول على الدعم النفسي من أي جهة متخصصة نظراً لأنها لا تثق بأحد يعيش هنا يمكن أن يعطيها الشعور بالأمان، فهي تفضل السفر إلى الخارج بعيداً عن مكان الحدث نفسه لتنسى قليلا وتحاول ترميم نفسيتها – وفق قولها – متفقة مع نضال بأن القطاع بأكمله يحتاج الدعم النفسي.

شروق شاهين صحفية تعمل مراسلة لتلفزيون سوريا، تصف تجربتها الأولى بتغطية العدوان بـ القاسية والمؤلمة".

تقول إنها كانت تعود لمنزلها عند العاشرة مساءً من مدينة غزة إلى شمال القطاع. وبمجرد التحرك بالسيارة في هذا الوقت كانت قصة مرعبة لها، تصمت طوال الطريق المشبعة برائحة الصواريخ والموت، وتناجي الله بأن ينتهي هذا "الكابوس"..

شروق واحدة من الصحافيات اللاتي فقدن مقر عملهن بالقصف الإسرائيلي الذي استهدف برج السوسي غرب غزة، وهذه قصّة أخرى زادت من معاناتها النفسية. فلا مكان آمن هنا، الموت يتربص بنا وكان لازماً أن نكمل مسيرتنا المهنية - تتابع -.

شروق كزملائها الصحفيين والصحفيات، لا يجدون سبيلاً للعلاج النفسي في القطاع الذي لا يتجاوز 360 كيلو متراً، كل مكان وكل شارع وكل زاوية تحمل من ذكريات الحرب، الجميع هنا متساوون بالألم، لم تكن الضربات على فئة دون أخرى.

المنازل مستهدفة، المصانع مستهدفة، الشوارع مستهدفة، العيادات والمستشفيات مستهدفة، أين الخلاص؟ وأين البيئة المناسبة للدعم النفسي؟ بالتأكيد ليست هنا – تختم -.