شارع الوحدة.. وحيداً يفتقد أبناءه وبنيانه
تاريخ النشر : 2021-06-21 11:02

شبكة نوى | قطاع غزّة:

لسنا بخير.. وأي خير هذا الذي يمكن أن يمرّ على إنسان يعيش وسط الخراب؟ نحن نتحدث اليوم عن أكثر الشوارع حيوية في قطاع غزّة "الوحدة" هذا الذي صار اسم على مسمّى، بين ليلة وضحاها استيقظ سكانه على أنفسهم "وحيدين" موحدين عراة أمام الموت الذي باغتهم بينما كانوا آمنين في منازلهم، والعشرات منهم باتوا في عداد النائمين إلى يوم القيامة.

ليلة الـ 16 من مايو، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي عددا من الأهداف التي تقع وسط شارع الوحدة الممتد من شرق غزّة إلى غربها، ما خلّف نحو 45 شهيداً وشهيدة وأدى إلى تدمير عمارات بأكملها، بالإضافة إلى عشرات البنايات السكنية والتجارية.

لم تبدأ القصة بالقصف، ولم تمر فقط بهول المجزرة التي دفن ضحاياها أحياء، بل أن قصصهم أدمت القلب حين حاول بعض الجرحى طلب الاستغاثة من تحت الركام، حاولوا الاتصال بأقاربهم وإرسال رسائل كتابية تناجيهم التدخل لإنقاذهم من دون جدوى! فالسماء تمطر على غزّة بالصواريخ، الطائرات تقصف الهدف وتعاود قصفه مجدداً لإعاقة إسعاف الجرحى، إنها سياسة إسرائيل في العدوان.

"مجزرة الوحدة" بدأ يظهر أثرها حين انتهت جولة العدوان. حين استيقظ الناس من صحوة الموت منبهرين أنهم لا زالوا أحياء! فهذه كانت آخر توقعاتهم على مدار 11 يوماً من سيل الدماء النازف بصواريخ الاحتلال، إنها معجزة حقيقية كفيلة بأن تؤكد للإنسان أن زمن المعجزات لم ينته.

لا يدرك "الغزاوية" بعد ما حدث، أكثر جملة تتردد على ألسن الناس العابرين من الشارع "يا الله، كيف بعد كل هذا طلعنا عايشين، والله إنها معجزة". هنا كان يجلس العم أبو محمد، وهناك كانت دعاء تنتظر سيارة تقلها للعمل صباح كل يوم، وأمام باب منزل اشكنتنا كان يلعب الأطفال الضحايا.

لم يعد يجلس أبو محمد هنا، ولم تعد دعاء تطل من منزلها، لم يعد لها منزل بل صار ذكرى كصاحبته، وكذلك أطفال عائلة أشكتننا. جميعهم قتلوا، جميعهم دفنوا تحت الركام بعد محاولات أرواحهم التقاط المزيد من الوقت أملاً في النجاة. لكن الاحتلال لم يسمح بذلك، فلا الصواريخ سكتت ولا عداد الموت توقف.

يفتقد الشارع أبنائه وبناته، يفتقد سيارات الأجرة ومناوشات السائقين مع الركاب، يشكو دخان الحرب ورائحة الصواريخ التي تجرعتها جدرانه. يكره الناجين فيه ساعات الليل! يكرهون سماع ارتطام باب يطرق بصوت قوي، يظنون أن العدوان قد عاد يطرق أبوابهم.

يمرّ العابرون مشاة على أقدامهم، يحملون هواتفهم ويلتقطون مقاطع الفيديو للدمار ولعمليات إزالة البنايات الآيلة للسقوط، لا يخفون انبهارهم من هول المجزرة التي ضربت أساسات الشارع وكل بناياته، ينشرون الصور ويعبرون عن سخطهم للحياة تحت الاحتلال ويتساءلون "إلى متى سيبقى كل هذا الوجع يا الله؟".

منذ 15 عاماً، فشل الفلسطينيون في غزة بتحديد مفهوم الحياة. هل تعني أن نتنفّس فقط؟ حتى بهذه لم نفلح بسبب تلوث الهواء بالنار والبارود. حسناً، لنحاول مرة أخرى، هل تعني الحياة أن ننجو؟ نجونا مرّة ومرّتين وثلاثة ورابعة، ماذا عن الخامسة؟

لا يكف الناس عن الأسئلة، فإن أكثر ما نتقنه اليوم في هذا البلد هو طرح الأسئلة التي يصعب على الدجالين حتى إيهامنا بأجوبة لها. نحن نكذب حين نسأل عن حالنا ونجيب أننا "بخير". لسنا بخير، ولا أحد منا بخير، نحن نظن أننا هكذا لكن الحقيقة بعيدة تماماً عن هذا الحال. نحاول التعايش، الذكريات تلاحقنا وتؤلمنا وتضربنا في مقتل. قلوبنا معلقة بذكريات العدوان والموت وترتجف كلما مرت عن الركام!

يستغرب الناس أننا بتنا لا نضع الكمامات وتعايشنا مع "كورونا". أنا آسفة، يكفينا دخان الحرب الجاثم فوق صدورنا، أنا مستسلمة لفكرة الموت قطعة واحدة على أن أموت مفتتة بصواريخ الاحتلال وقذائف مدفعياته!