فعاليات فوق الركام.. ما رسالة الفلسطينيين؟
تاريخ النشر : 2021-06-08 13:39

غزة:

كان حجم الدمار الذي خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية بعد 11 يومًا من العدوان كبيرًا، 256 شهيدة وشهيدًا ومئات الجرحى، ناهيك عن تدمير 17 ألف وحدة سكنية، (1447 كلي) و(13 ألفًا جزئي).

يضاف إلى ذلك تدمير 205 من البنايات و33 مقرًا لمؤسسات إعلامية، وتضرر 68 مدرسة، و490 منشأة زراعية، كمية هائلة من الدمار تقدّر بنحو 35 كيلو مترًا، جعلت المشهد في القطاع رماديًا بالكامل.

رغم ذلك، أصر الفلسطينيون على بث الحياة في هذا المشهد القاتم، إذ تزايدت مؤخرًا الفعاليات المبهجة التي تحمل رسائل صمود، ما بين أبٍ يزين ركام منزله ببقايا الذكريات، وآخر يؤدي ألعابًا بهلوانية فوق الركام لرسم البسمة على الوجوه.

تستعرض نوى من خلال تقريرها الآتي بعضًا من هذه النماذج، وتسلّط الضوء على الهدف منها:

تحويل الركام إلى لوحات

بعد تدمير برج الشروق في حي الرمال وسط مدينة غزة، حزن الفنان التشكيلي الشاب مهند صيام كثيرًا على مكان كان يضم مكان عمله، لكن رفض الانزواء بل سرعان ما جند طاقاته الفنية لتحويل حالة الدمار إلى حياة تبعث الأمل في النفوس خلافًا لِما أراد الاحتلال.

مهند صيام واحدًا من مجموعة شبابية تحترف الرسم والفن التشكيلي، قبل سنوات انضم إلى المركز الثقافي الفلسطيني بغزة وشارك في العديد من النشاطات والفعاليات الفنية المحلية.

يقول صيام لـ "نوى" أنّه سخر موهبته في الرسم لإيصال رسالة المنكوبين في غزة إلى العالم، فهم يُصرون على العيش مناضلين من أجل الوطن"، وتابع:" الرسم لغة يفهمها الجميع ويُوصل الرسالة بشكل إنساني بعيدًا عن الخطابات السياسية".

أبدع صيام ورفاقه جدارية فنية تحكي قصة شعب لا يُهزم مهما تكالب عليه الخائنين المغيبين لقضيته، فهو ينهض من تحت الركام ويُولد من رحم الوجع، فظهر الشعب الفلسطيني في اللوحة متدثرًا بمقاومته وملتحفًا بأبنائه كلٌ بمهارته لتُعطي معنى القوة والتحدي أن هذا الشعب لا ينكسر ولا يُهزم.

تنقل مهنّد بين البيوت المدمّرة باحثًا عن قطعٍ مناسبة من الجدران المناسبة لتكون لوحة يُجسّد فيها قصة من وحي الحدث، وبريشته وألوانه.

ولفت :"الرسم على الجدران المتهالكة يُبرز للعالم الإجرام الإسرائيلي وكيف شرّد سكان المنازل وقضى بنزوحهم في المدارس اللجوء التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، كما أنها تُلامس قلوب المتلقين تشرح ببساطة المعاناة الفلسطينية التي يُسببها الاحتلال ويُعمق تأثيرها في كل عدوان يشنه على الفلسطينيين في قطاع غزة.

باركور ونفخ في النار

يتخذ الكابتن أحمد أبو حصيرة ( 37 عامًا) وفريقه من رياضة الباركور ومهارة نفخ النار وسيلة في توصيل رسالة التحدّي والإصرار على التمسّك بالحياة، رغم كل مشاهد الموت والدمار الذي يحفّ قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، ويقدّمون انطباعًا مختلفًا للعالم الذي يعزف عن مشاهد القتل والدم والسلاح.

يؤكد أبو حصيرة لـ "نوى" أن ممارسة الرياضة أو الألعاب التي تُثير الفرح في نفوس الأطفال والأهالي في قطاع غزة، خاصة بعد العدوان من شأنها أن تلفت أنظار العالم إلى الممارسات العنجهية للاحتلال ومحاولته القضاء على أي مظهر للحياة في القطاع.

يتابع :" الدمار لوحده كصورة لا يلفت إلا فئات معينة وبشكل آني ينتهي بانتهاء المؤثر، بينما الرياضة أو الفعاليات مهما كانت فهي تُعطي رسالة أقوى وأكثر تأثيرًا.

قدّم الشاب الفلسطيني على أنقاض المنازل المدمرة في قطاع غزة عروضًا مبهجة بالنفخ في النار وبعض الحركات البهلوانية قوبلت بالترحيب، وكان أكثر المشاهدين لها الأطفال الذين ظهروا في العديد من المشاهد يُقلدون حركات الفريق ويتفاعلون معه بفرح.

رسائل متعددة

ومع ذلك، فبعض الفعاليات تجد انتقادات من أصحاب بيوت مدمرة، إذ يرفض الصحافي الفلسطيني علاء شمالي الذي فقد منزله الكائن في عمارة أنس بن مالك (شارع اليرموك) في 16 من مايو الماضي، احتفال الآخرين على الركام ويعتبره أمر "معيب جدا" لكون أصحاب المصاب خلال العدوان لم يفيقوا بعد من صدمتهم.

ويضيف شمالي: "رسالة الانتصار الحقيقية أن نشد أزر من فقد بيته أو فقد شخص، ونرفع من معنوياته ونقف معه بكل كلمة وتصرف وفعل".

بيد أن شمالي يؤكد أنه يقصد من يقوم بالأعراس وأعياد الميلاد فوق الركام، فيما يرى أن فعاليات كالرسم والباركور وغيره قد تحمل رسالة مختلفة تعزز صمود الناس، وتصل للمجتمعات الغربية بصورة مختلفة، معقبًا: "أما طريقة الاحتفال والطبل والزمر لا تحمل أي رسالة مهمة سوى عدم الاهتمام لمن دُمر بيته".

 الأثر النفسي

ورغم نظرة البعض بشكل سلبي لمثل هذه الفعاليات، باعتبارها تتنافى مع حالة الحزن التي يعيشها الناس؛ إلا أنها آخرين يعتبروها وسيلة تحدّي وصمود قوية للاحتلال وغيره، وفيها الكثير من رسائل الصبر والأمل.

تفسّر الأخصائية النفسية منى أبو علبة هذا السلوك من الشباب الفلسطيني، بأنه محاولة حثيثة للعودة إلى الحياة الطبيعية، كما يُراد منها إثبات أن الحياة ما زالت ممكنة ومستمرة بمن بقيت قلوبهم على قيد النبض.

تضيف أبو علبة لـ "نوى" أنه بعد كل عدوان إسرائيلي ورغم كل الخسائر؛ إلا أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يثبت إنه الأقدر والأسرع في تجاوز المحنة واستعادة حياته، وسبب ذلك هو إيمانهم العميق بقضيتنا، ومصير الشهداء الذين يدخلون الجنة.

فالشعب الفلسطيني- وفقًا لأبو علبة- يمر حالة شفاء يصرّ على تطبيقها بنفسه، ويرسل رسائله للاحتلال الذي يعمل على القتل والدمار أننا ما زلنا قادرين على الحياة ودفع ثمن التحرير.