لكن الكلمة باقية.. اسرائيل تدمر أكبر دار نشر في غزة
تاريخ النشر : 2021-05-21 19:03

غزة - شبكة نوى :

في شارع الجامعات بغزة هنالك مكتبة مزروعة تحت بناية مكونة من 6 طوابق، المكتبة ذات واجهة زجاجية تعرض عشرات الكتب والعناوين المهمة المُلفته، وتتغير الكتب المعروضة من وقت لآخر لتنبيه المهتمين من المارة بوصول كتب جديدة، يعتلي الواجهة الزجاجية يافطة صفراء كُتب عليها "مكتبة سمير منصور"، قد كانت حقًا تسر الناظرين!.

 يجاورها رتل من مكتبات بيع القرطاسية والهدايا وطباعة الأبحاث، محل لبيع ألعاب الأطفال ومكتبة اسمها "اقرأ".

تأسست سمير منصور الكائنة في شارع الثلاثيني وسط غزة عام 2008، إنه شارع حيوي وعلى مدار اليوم كانت لا تخل من الزوار من جميع الأعمار، فزيارتها تكاد تكون ورد شبه يومي للقراء المهتمين؛ وهذا ليس مستغربًا، لأن من يعرف هذه المكتبة، يعي تمامًا أنها من أغنى المكتبات في قطاع غزة، وذلك للتنوع الذي تجده في كتبها وموسوعاتها العلمية والثقافية والتاريخية وغيرها،

هذه المكتبة لم تعد موجودة الآن؛ فقد دمرها الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الذي يشنه على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 10 أيام، قصفت الطائرات الإسرائيلية المبنى الذي تتواجد فيه المكتبة وتم تسويته بالأرض تمامًا.

لم يخسر أهل غزة المكتبة فحسب، بل خسروا كل ما يحتويه المبنى من مراكز لتعليم اللغات، وتطوير المهارات والكمبيوتر، هذه المراكز كان يستفيد منها الطلاب من جميع المراحل وكل شخص مهتم بتطوير معارفه وتنميتها.

مكتبة سمير منصور ليست متجرًا لبيع الكتب فحسب؛ بل هي دار نشر تتبنى نشر واصدار مؤلفات الكتّاب في جميع المجالات، وتُعنى بالأقلام الشابة، كما أنها تمنح هذه الإصدارات فرصة المشاركة في المعارض الدولية، وهي بذلك تكسر الحصار الثقافي المفروض على قطاع غزة.

سمير منصور صاحب المكتبة ودار النشر عبر لـ "نوى":"إن تدمير المكتبة تسبب لي بألمٍ كبير، هذه الكتب بمثابة فرد من أفراد عائلتي، وحلم إنشاء المكتبة هو عمل وجهد متواصل بدأته منذ 20 عامًا".

 إن تأسيس دار النشر التي أخذ على عاتقه من خلالها تنشيط حركة الطباعة والنشر، لم يكن سهلاً في ظل حصار مفروض على القطاع ووضع اقتصادي متردي.

موجة من الحزن والغضب سادت وسائل التواصل الاجتماعي، وتضامن مع منصور أشخاص من غزة وخارجها، عرب وأجانب، معبّرين عن تضامنهم ودعمهم، فقد كان مشهد بعض الكتب التي جاهدت للخروج من تحت الأنقاض مؤلمًا، كأنها مؤلفة من لحم ودم.

"هذا الدعم والمساندة رفع من معنوياتي، جعلني أشعر بحالة أفضل"، قال منصور، وأضاف: "بفضل دعمهم سنعاود بنائها بشكل أفضل مما كانت عليه، وسأبدأ في العمل في أسرع وقت ممكن".

فاطمة محسن إحدى القراء الذين يترددون على المكتبة باستمرار لاقتناء الكتب والاطلاع على كل جديد، تعتبر أن تدمير المكتبة "خسارة كبيرة"، موضحة: "لقد كانت المكتبة المفضلة لدي وهي خياري الأول كلما أردت البحث عن كتاب ما"، وتمتلئ غرفتها بالكتب المتنوعة والتي حصلت على معظمها من ذات المكتبة.

كان لدى فاطمة مخطط تنتظر تنفيذه فور انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، "أردت مكافأة نفسي بعد تحمل هذه الأيام الثقيلة المرعبة، ففكرت أن زيارة للمكتبة واقتناء كتاب أرغب به ستكون أجمل مكافأة، لكن الاحتلال لم يبق لنا أي متنفس"!.

"ضرب المراكز الثقافية والمكتبات هو ضرب للذاكرة الوطنية، وهو محاولة من العدو كي يفصل بين الانسان في غزة وحياته"، قال الأديب والروائي غريب عسقلاني لـ "نوى"، وأضاف: "تدمير مكتبة سمير منصور بمثابة سرقة لجزء كبير من حياتي التي أفنيتها في تأليف كتبي وجمعها والتي أشرفت الدار على إصدارها".

 وبحسب عسقلاني فإن تدمير دار سمير منصور التي كانت تتصدر دور النشر في قطاع عزة، سيحد من نشر الإبداعات المتنوعة والأقلام الشابة، وهذا ما يرمي إليه الاحتلال الذي يسعى إلى تعطيل وإيقاف الهوية الفلسطينية.

وتتفق معه الدكتورة سهام أبو العمرين في أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تدمير المكتبات ودور النشر لطمس الوجود الفلسطيني وتكميم الأفواه، وصولاً إلى استهداف الهوية الثقافية وتشويهها،

تؤكد أبو العمرين في مقابلة لـ "نوى" وهي تعمل في مجال البحث العلمي والأكاديمي أن الثقافة مكوِّن من مكونات النضال الوطني الذي يروّج ويدعم الرواية الفلسطينية ويُجلي الزيف عن الحقيقة، وقد صدر لها عدة كتب عن دار النشر سمير منصور في مجالات أكاديمية وثقافية.

تقول "تدمير المكتبة بهذه الهمجية تسبب لي بغصة كبيرة، فطالما احتضنت الدار المبدعين لاسيما الغزيين ونشرت انتاجاتهم في ظل الحصار والانقسام فضلاً عن الواقع الاقتصادي المتأزم الذي نعاني منه".

"الكلمة باقية"، تقول أبو العمرين مؤكدة أن الكلمات من شأنها البقاء للتعبير عن الذات الوطنية ونضالها وحقها في الوجود على هذه الأرض.

كيف كانت المكتبة قبل التدمير :