ديزي وولادة عسيرة تحت قصف غزة
تاريخ النشر : 2021-05-16 13:07

* هداية شمعون

ديزي قطة خليل كانت على وشك الولادة، لكنها لم تلد.. مرت أربعون ساعة قاسية وطويلة، أعقبتها ساعات أخرى ومواءها الضعيف يخبو شيئا فشيئا، حاول وضعها في مكان معتم ولكن دون جدوى، جلس بجوارها ساعات دون جدوى، كانت تئن وتنظر إليه متوسلة...! وضعها على سريره وعلى أغطيته، حاول أطفاله ملاطفتها كما اعتادوا لكنها كانت في حالة مخيفة، وعينيها حائرة مذعورة ترتعد أطرافها ما بين وهن الولادة وما بين أصوات القصف التي لم تهدأ في سماء قطاع غزة منذ ستة أيام... مئات الصواريخ الحربية الإسرائيلية جعلت سماء غزة وبيوتها وأرضها جحيما مشتعلا لا يهدأ، أصوات الانفجارات لم تنقطع، البيوت في شمال غزة كأنما زلزال أصابها، وقد اهتزت عشرات المرات في اليوم الواحد...!!

وصل جبروت العدوان الإسرائيلي وقسوته لجسد ديزي الضعيف فعجزت من شدة الرعب على الولادة، ولم تتمكن من مساعدة نفسها، اجتهد خليل (33) عاما مرات ومرات ولم يغفو وهو يراها تحتضر أمام عينه، كتب على صفحته على الفيس بوك أنه بحاجة ماسة لمساعدة القطة ديزي الضعيفة، جاءته عشرات النصائح فهنالك من زوده بأرقام أطباء بيطرية لكن مع استمرار القصف وانقطاع المواصلات والحياة الطبيعية في قطاع غزة جعل الأمر مستحيلا، آخرون زودوه بمواقع على اليويتوب لمساعدته في توليدها بنفسه، حاول لكنها كانت في وضع خطير مع مرور يومين وهي عاجزة عن الولادة فبات يهدد حياتها أيضا..!!

 ديزي لم تتجاوز العشرة أشهر عانت بشدة ألم الولادة لكن الخوف والرعب شل فرائضها ولم تقو على الدفع لأجنتها كي تساعدهم بالخروج للحياة، تعرقت وعلت أنفاسها وزاد وهنها فخشى خليل أن تفقد أجنتها، ومع استمرار الوقت خشي أن يفقدها وهي تئن بجواره لم يتمكن من أن يصمد أمام ألمها، ورغم استمرار القصف في المحيط وضعها في سلة مفتوحة لتكون مكشوفة لأن وضعها في صندوق القطط في هذا الوقت قد يشكل خطرا على حياته هو أيضا، عقد العزم على أن يتوجه لطبيب قريب عرفه من مراسلات أصدقاؤه، إلا أن المفاجأة أن الطبيب أخبره أنها في حالة خطرة جدا، ولن يجدي نفعا مساعدتها لأن الأجنة في بطنها قد ماتت من طول المدة، ويبدو أنها جميعها قد اختنقت، وبدأت تتعفن في بطنها، فجع خليل بتوصيف الطبيب ورجاه أن يحاول انقاذ حياتها دون جدوى.!!..

خرج خليل يائسا وصوت أطفاله وهم يبكون قطتهم في عقله ماذا سيقول لديزي؟؟ ماذا سيقول لأطفاله الذين يعتبرونها من أفراد العائلة؟؟! ماذا سيفعل في وقت باتت حياة كل من هو تحت سماء غزة في موت محقق؟؟!! خليل جابه خوفه على حياته، وخطورة الوضع في قطاع غزة وقرر أن يمشي مسافة طويلة لكي يصل إلى طبيب آخر زوده به الأصدقاء، كانت ديزي بالكاد تلتقط أنفاسها وهو يحملها في السلة المفتوحة تزيد من عزيمته على انقاذ حياتها، قرأ بعضا من السور القرآنية وشد عزمه من جديد وظل يمشي بينما صوت الانفجارات لم يتوقف، وهو يحارب خوفه ورعبه من الشوارع الفارغة، ومن صوت الطائرات التي لم تفارق سماء غزة، حتى أرسل له الله سيارة أجرة من بعيد فهتف بالسائق ليوصله لأقرب مكان للطبيب ووضعها في حضنه وهو يلهج بدعوات إلى الله..

يقول خليل متنهدا: "وصلت راكضا بعد أن ترجلت من العربة وصعدت إلى مكان الطبيب، كان صوت الانفجارات قد ازداد واقترب، وكانت أنفاسي قد باتت لهاثا إلا أن خوفي على ديزي كان أكبر، كانت بالكاد تتنفس وهرع الطبيب لإجراء عملية عاجلة لإخراج الأجنة التي ماتت في بطنها، كانوا ثلاثة أجنة، فقام الطبيب بشق بطنها، وبدأ ينظفها خشية على حياتها في دقائق حاسمة، ووجد رحمها منتفخا وملتهبا وهي باتت بين الحياة والموت، فقام باستئصال الرحم، لينقذ حياتها".

ويضيف:" تركتها لدى الطبيب وعدت أدراجي وصوت الانفجارات يزداد، كانت أمامي رحلة طويلة لأتمكن من العودة بسلام لمنزلي، لم يتوقف هاتفي وأطفالي يتصلون ليطمئنوا علىَ وعلى ديزي، كنت على الأقل قادر أن أخبرهم أنها بين يدي الطبيب الآن وقد كتبت لها النجاة بأعجوبة"

خليل وعائلته لازالوا قلقين ينتظرون بشوق أن تستعيد ديزي عافيتها لتعود للبيت، ورغم بشاعة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلا أن قلوبهم كانت معلقة بإنفاذ حياة ديزي.

خليل مهندس حاسوب يملك شركة برمجيات، (33) عاما، وأطفاله جينا 14 عام، أحمد 13 عام، جودي 10 أعوام، عبد الرحمن 9 أعوام، أديب 5 أعوام

بينما نجح خليل سليم في انقاذ حياة قطة صغيرة لم تتجاوز العشرة أشهر لم يتمكن أي أحد من أفراد عائلة أبو حطب بمخيم الشاطئ بالأمس من النجاة باستثناء الطفل عمر الحديدي حيث قامت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بالإغارة على عائلة أبو حطب وقتلتهم وهم آمنين في بيوتهم، ولم يمض أسبوع على بدء العدوان الإسرائيلي حتى بات عدد شهداء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة بقتل 145 شهيدا منهم 41 طفلا.. لم ينقذهم أحد لا المجتمع الدولي ولا كل اتفاقيات وعهود حقوق الإنسان...!!

ــــــ

(*) كاتبة وإعلامية فلسطينية تعيش في قطاع غزة