"حرب الأبراج".. إسرائيل تدمر أرواح وممتلكات الناس بغزة
تاريخ النشر : 2021-05-15 21:08

شبكة نوى | قطاع غزة:

في مساء 12 من مايو \ أيار الحالي، وبينما كانت السيدة آمنة شاهين (33 عاما) ترتب بيتها الواقع في شارع المخابرات جاءها طارقا يطلب منها ومن الجميع مغادرة البناية لأن مركز المخابرات القريب من بيتها سيتم قصفه خلال دقائق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يشن هجمة عسكرية شرسة على قطاع غزة.

خرجت آمنة بلباس المنزل وتركت خلفها كل شيء، فلم يهمها إلا اصطحاب أبنائها الخمس (بنتان وثلاث صبيان)، وقد كان مشهد هذا الخروج مهولا كما تصف، فالصغار يصرخون والكبار يهرولون مرعبون، بينما طائرة الاستطلاع الإسرائيلية "الزنانة" تضرب البناية بصاروخ تحذيري قبل أن تدمرها كلياً كما فعلت بمبنى مركز المخابرات، لتنضم هذه البناية إلى جملة العمارات المرتفعة والأبراج السكنية التي أخذت دولة الاحتلال منذ اللحظات الأولى لهجمتها العسكرية الحالية بتدميرها.

في الواقع، دمر جيش الاحتلال خلال الـ24 ساعة فقط 3 أبراج سكنية، كان آخرها برج "الجلاء" الذي يتكون 13 طابقاً، ويقع في شارع الجلاء (وسط مدينة غزة).

حيث نفذت دولة الاحتلال ما هددت به بعد إنهاء عدوان العام 2014 -الذي امتاز بقصف الاحتلال الأبراج والبنايات السكنية والمناطق المأهولة- بأن تبدأ في أي معركة لاحقة مع القطاع باستهداف الأبراج السكنية، وذلك بعد أن دمرت طائراتها ومدفعيتها في ذاك العدوان 17132 منزلا بينها 2465 دمرت بشكل كامل. ودمرت في الأيام الأخيرة ثلاثة أبراج سكنية كانت تأوي مئات العائلات. 

 أكوام من الركام 

تحدثنا إلى السيدة آمنة التي اعتقدت أنه كما كل مرة، سيصيب بيتها بعض الأضرار الجزئية كما حدث في عدوان العام 2014، لكن هذه المرة هدمت العمارة عن بكرة أبيها، وبذلك فقدت آمنة منزلها في "برج الوقائي" الذي تقطن فيه منذ 14 عاما، ذاك البيت الذي تمكنت بعد شهور من ادخار المال من إصلاحه وتجديد الأبواب والشبابيك فيه وطلاء الجدران باللون الذي تحبه، وكانت على ثقة أن هذا التجديد سيعجب زائريها في العيد القريب.

تجهش آمنة بالبكاء وتقول بحرقة:" والله أنني لم أحفظ بعد ملامح بيتي بعد التجديد ... عدت إليه قبل أيام بعد أن تركته في أيد عمال البناء".

تشعر آمنة وأبنائها وزوجها أنهم في كابوس مزعج للغاية لم يفيقوا منه حتى بعد مضى أيام على هدم شقتهم، ففي لحظة واحدة فقدوا كل شيء، البيت والذكريات وحتى المال الذي بقي كمصروف للشهر، تقول آمنة آن نفسيتها مدمرة للغاية، خاصة حين ترى صديقا يوفر ملابس لأبنائها أو قريبا يعطيهم مصروفا يوميا، وتضيف: "منذ أيام لا ننام ولا نأكل، الناس تغمرنا بعطائهم، لكن برغم نيتهم الطيبة هذا يضاعف من معاناتي".

 كسر إرادة المقاومة والشعب

تعمد الاحتلال خلال عدوانه المتكرر على قطاع غزة استهداف الأبراج السكنية التي تضم بداخلها عشرات العائلات الفلسطينية، وقد شهد عدوان العام 2014 الهجمة الأشرس على تلك الأبراج حيث دمرت فيها ثلاثة أبراج ضخمة وحيوية، هي "برج الباشا" الذي قع غرب مدينة غزة ويتكون من 13 طابقاً سكنياً كانت تحوى عشرات الأسر والعديد من المؤسسات الإعلامية والمدنية، كذلك دمر الاحتلال "المجمع الإيطالي" الذي يتكون من 14 طابقاً و ضم حوالي 50 شقة سكنية، وانتهى العدوان بتدمير "برج الظافر" المكون من 13 طابقاً سكنياً.

وكما يقول مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة التجارة والصناعة ماهر الطباع فإن الاحتلال بدأ عدوانه المتواصل الآن من حيث انتهى في عدوان العام 2014 التي وضعت أوزارها بعد 51 يوماً على قطاع غزة، بعد أن توعد جيش الاحتلال بأن الحرب القادمة سوف تبدأ باستهداف الأبراج،

 ف خلال الـ24 ساعة فقط، دمر الاحتلال أربع أبراج سكنية في قطاع غزة، بعدما استهدافها بعدد من الصواريخ، أولها كان برج "هنادي" الذي يقع غرب مدينة غزة، ثم برج "الجوهرة" المكون من 9 طوابق، و الذي يضم شققا سكنية وعددا من المكاتب، وكذلك برج "الشروق" الذي يتكون من 14 طابقا الذي وسط مدينة غزة، ويضم عددا من مكاتب الشركات والمؤسسات الصحفية العاملة في غزة، وكان آخر تلك الأبراج الجلاء الذي يضم مقر قناة الجزيرة ووكالات عالمية في غزة.

دمار ينال من بيت الأحلام

أكثر ما كان يقع في مخيلة السيدة نداء الزعيم مع بدء الهجوم الاسرائيلي الحالي على قطاع غزة أن يتم قصف مكان قريب منها فيتضرر بيتها بشكل محدود، لذا كانت أسوة بسكان القطاع تقوم بترك الشبابيك مفتوحة ولم تحمل هم تنظيف الغبار كما اعتادت كل يوم.

في الساعات الأخيرة لانقضاء شهر رمضان المبارك انشغلت نداء في تجهيز طعام الإفطار لعائلتها، وبينما هي كذلك تفاجأت بطلب زوجها منها مغادرة البيت بأقصى سرعة وتأمين خروج أبنائها الثلاثة، تقول لنا: "بالكاد ارتديت حجابي وأنا أسمع صوت الصاروخ التحذيري الذي ضرب على المكان، حتى أورقنا الثبوتية أو أي ذكرى لم أستطع حملها".

كانت نداء أول من سكن برج الجوهرة الذي بني قبل 14 عاما، حتى أن عملها كــ "فري لانسر" كان داخل البرج أيضا، تتذكر نداء معنا كيف آوي بيتها الذي يقع في منطقة حيوية كل من يحتاج لاستراحة من أقاربها ومعارفها.

الآن همها الأكبر أن ينجو صغارها من الصدمة النفسية التي نالت منهم، فبرغم أن زوجها أحمد حاول أن يتغلب على جراحه بخسارة منزله بشراء ملابس عيد غير التي ذهبت مع الدمار إلا أن جهده لم يمحى ويلات المعاناة التي تعيشها تلك الأسرة الآن، فصغاره يعانون كثيرا، وما تزال نداء تغالب أحزانها من أجلهم، فابنها أمير (سبع سنوات) يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة منذ وقع القصف، ويرفض الطعام، تقول نداء: "ذهبت كل ذكرياتنا، أخذوا منا روحنا، أفقد الآن الإحساس بكل شيء".

 

حرب الابراج الشرسة

منذ الأيام الأولى للهجمة العسكرية الحالية وبشكل مخيف تستهدف دولة الاحتلال الأبراج السكنية بغية دفع السكان إلى النزوح من منازلهم وترويع المدنيين.

 ويوضح الطباع في حديثه لـ"شبكة نوى": "بدأ جيش الاحتلال هذه الهجمة العسكرية على غزة باستهداف الأبراج السكنية منذ اللحظات الأولى لبدء القصف، بينما في عدوان 2014 استهدف الاحتلال الابراج السكنية في أواخر أيام عدوانه على مناطق قطاع غزة".

الطباع الذي يراقب الوضع عن كثب، يقول أنه استهداف الأبراج السكنية الآن يأتي بغية ثني المقاومة والشعب عن مواقفهم من الاحتلال وإلحاق خسائر اقتصادية فادحة في ممتلكات المواطنين وكسر عزيمتهم، مضيفا: "تضم الأبراج التي استهدفت وهي برج هنادي والجوهرة والشروق مئات الشركات وعشرات المحال التجارية التي تم تدميرها عن بكرة أبيها، حيث تقدر خسائر   الأبراج الثلاث بعشرة ملايين دولار وحدها دون المحلات والمكاتب والبضائع".