هذه حكاية "النور المقدس" الذي لا يحرق المؤمنين!
تاريخ النشر : 2021-05-04 12:37

غزة – مها شهوان

في سبت النور حسب التقويم الميلادي، يذهب كل عام أحد رجالات الطائفة الأرثوذكسية بغزة إلى كنيسة القيامة في مدينة القدس ليحصل على "النور المقدس" ويعود في ذات اليوم إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون "ايرز" شمال قطاع غزة والذي يسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي.

هذا الشخص غير محدد، فمن يمتلك تصريح دخول للأراض المحتلة في سبت النور يكلفه بطريرك الكنيسة بإحضار "النور المقدس"، وعند عودته ينتظره عدد من أفراد طائفته وهو يحتضن بحرص الفوانيس المضيئة ثم يهرعون إلى كنيستهم لتوزيع النور، لتبدأ في اليوم التالي الاحتفالات بعيد الفصح المجيد.

ويعتبر "النور المقدس" من أكثر المعجزات المصدّق عليها في أنحاء العالم المسيحي، وقد وُثقت المعجزة لأول مرة عام 1106 ميلادي، واليوم نسرد عبر "نوى" الحكاية.

حسب المعتقدات المسيحية في يوم سبت النور يقوم بطريرك الروم الأرثوذكس ومعه رئيس أساقفة الأرمن بمسيرة كبيرة ومعهم كثير من رجال الدين من كل أنحاء العالم يرددون الترانيم والأناشيد، ويطوفون ثلاث مرات حول كنيسة القيامة بالقدس ثم يأتي بطريرك "اورشاليم" أو رئيس أساقفة الأرثوذكس ويقوم بقراءة صلاة معينة ثم يبدأ بخلع ملابسه ويدخل القبر وحده الذي يعتقد بأنه قبر السيد المسيح.

وللتوضيح قبر السيد المسيح للدلالة على البعث بعد الموت كما في بقية الديانات، فهم يدركون أن سيدنا عيسى عليه السلام رُفع إلى السماء.

وقبل دخول البطريرك إلى المكان يتم فحصه من قبل الشرطة الإسرائيلية للتأكد من أنه لا يحمل أي مادة أو وسيلة لإشعال النار كما يتم فحص القبر أيضًا.

ويبقى رئيس أساقفة الأرمن منتظرًا في حين يردد الجمهور في الخارج (كيريا لايسون) وتعنى يا رب ارحم، ثم بعد ذلك تنزل النار المقدسة على 33 شمعة بيضاء مرتبطة ببعضها بواسطة البطريرك ثم يكشف البطريرك عن نفسه ويقوم بإشعال 33 أو 12 شمعة أخرى ليتم توزيعها على المصليين في الكنيسة لتكون شعلة مضيئة بقوة القيامة وبأن المسيح قد قام وهزم الموت (بحسب المعتقد المسيحي).

ويتهافت الجميع على ملامسة النور المقدس والحصول على شعلة منه لإضاءة بيوتهم ونيل البركة، فلا يقتصر الاحتفاظ به على مسيحي القدس بل كافة أبناء الطائفة الأرثوذكسية في العالم ومنهم ساكنو قطاع غزة من الروم الأرثوذكس.

وتحرص السيدة غادة أبو داوود على التواجد داخل كنيستها منتظرة وصول "النور المقدس" تحكي لـ "نوى" أنها حضرت "فج النور" داخل كنيسة القيامة ثلاث مرات وهي صغير وشعرت "بقشعريرة" حينها، مشيرة إلى أن العاملين في الكنيسة يطرقون أبواب أبناء الطائفة ويوزعون عليهم النور حيث يتم المحافظة عليه طيلة العام في فانونس تغير فتيلته كلما اقترب من الانطفاء.

وتذكر أبو داوود أنها تشعر ببركة النور، وعند الحصول عليه تصلي صلاة النور وتبارك بيتها كما اعتادت منذ صغرها حين كانت ترى والدتها تفعل ذات الطقوس.

وعن تجربتها حين لامست النور وهي في كنيسة القيامة، تقول "وضعته على يدي ولم أشعر بالألم"، مفسرة "المؤمن لا يؤلمه النور".

وعن تجهيزاتها لعيد الفصح الذي يأتي في اليوم الثاني من "النور المقدس"، تذكر أنها تجهز الكعك المنقوش والشوكولاتة للضيوف، وكذلك تسلق البيض وتلونه بالأحمر لتوزيعه على الصغار، لافتة إلى أن الاحتفال هذا العام كسابقه فبسبب جائحة كورونا اقتصرت الاحتفالات داخل الأسرة الصغيرة وتبادل التهاني داخل الكنيسة مع التباعد الجسدي.

وفي ذات السياق يقول كامل عياد مدير العلاقات العامة في كنيسة القديس بيرفيروس للروم الأرثوذكس بأن وصول النور المقدس إلى قطاع غزة ليس سهلًا، حيث يتم التنسيق لمن سيذهب ويحمله للكنيسة ليتبارك به أبناء الطائفة، مشيرا إلى أنه في حال لم يحصل أحد على تصريح يأتي كاهن من كنيسة القيامة يحمل النور على معبر إيرز ويتسلمه أحد أبناء الطائفة بغزة.

ويوضح عياد لـ "نوى" أن النور الذي "يفج" ويوزع على كثير من البلدان يكون لونه في البداية أزرق ثم يتحول إلى لون النار العادي، مشيرًا إلى أن النور يبقى مشتعلًا في الكنيسة طيلة العام حيث يُوضع في قنديل معين فيه زيت الزيتون وكلما أوشكت الفتيلة على الانطفاء تُبدل بأخرى لتُبقى النور مشتعلًا ويؤخذ منه البركة.

وبحسب قوله، فإن الأهالي يحرصون على توعية أبنائهم بأهمية النور ويسردون عليهم حكايته خاصة أنها تعزز فكرة الايمان بالبعث بعد الموت، مشيرًا إلى أنه حين كان طفلًا صغيرًا في عمر الثامنة كان بصحبة والده وحضر فج النور في كنيسة القيامة فرغم صغر سنه إلا أنه أحس وقتها بشعور غريب.

عياد وغيره من أبناء الطائفة الأرثوذكسية دومًا يحيون طقوسهم وأعيادهم المسيحية داخل قطاع غزة بدلًا من ممارستها في كنيستي القيامة وبيت لحم، كون الاحتلال دوما يتلاعب في منحهم التصاريح فتارة يمنح الصغار دون العاشرة تأشيرة الدخول للأراض المحتلة ويحرم ذويهم.

يذكر أن عدد مسيحيي قطاع غزة حوالي 1030 مواطنًا، يتبع نحو 70% منهم لطائفة الروم الأرثوذكس، بينما يتبع البقية لطائفة اللاتين الكاثوليك.