كيف حال المسنين مع الحصارين؟
تاريخ النشر : 2021-04-25 15:02
صورة تعبيرية

غزة:

"حصار فوق حصار، لم أعد أطيق هذه الحياة" تشكو المسنة مريم غانم حصار الاحتلال وحصار كورونا الذي أطبق على أنفاس الفلسطينيين في قطاع غزّة، سبقه 14 عاماً متواصلة على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.

الحاجة مريم 72 عاماً، اكتشفت إصاباتها بفايروس كورونا بعد فحص أجرته إثر أعراض مرضية حادة بدأت تظهر على حالتها، تقول إنها لم تكن تتوقع أن يصلها الفايروس لإجراءات الوقاية التي اتخذتها بعزل نفسها منذ بدء تفشي الوباء في القطاع قبل عام.

ورغم استقرار الحالة الوبائية خلال الأشهر الماضية؛ إلا أن الشهر الماضي وحده سجّل معدّل إصابات مرتفع في قطاع غزة، يتجاوز الألف حالة يوميًا، إثر اكتشاف إصابات بالطفرة البريطانية سريعة الانتشار.

وتضيف: "حرمت نفسي من لمة عائلتي، لا أستقبل الضيوف، أسلّي نفسي بتصفح الهاتف وأحياناً التلفاز" لكن انقطاع التيار الكهربائي كان يعكر مزاجها بشكل يومي، فتبقى معزولة عن العالم الافتراضي لساعات أيضاً.

الحاجة مريم:ماذا لو كنت في بلد غير هذا البلد؟ هل سأكون محاصرة بالمرض وبالموت

كيف يغدو العيش الآن بمساحة غرفة لا تتجاوز الثلاثة أمتار؟ بعد تضييقها على أكثر من مليوني إنسان يحاصرون في القطاع بمساحة 365 كيلو متراً لعقد ونصف، فقدت فيه أرواح الكثيرين من الناس، موت من العدوان ومن الحصار ومن الفقر ومن قلة الإمكانات الطبية والأدوية والتحويلات العلاجية، أي بؤس هذا الذي يتحمله الناس قسراً هنا؟

منذ أيام، تعاني مريم أوضاعاً صحية صعبة، تخبرنا أن معنوياتها ووضعها النفسي تحت الصفر بسبب الوباء، لم تنفك عن التساؤل بينها وبين نفسها "ماذا لو كنت في بلد غير هذا البلد؟ هل سأكون محاصرة بالمرض وبالموت هكذا أم هنالك سبيل للخلاص في أماكن أخرى من العالم؟"

مريم ليست وحدها من اتخذت تدابير الوقاية الاحترازية ووقعت بمصيدة الفايروس، بل إن أيمن وفتحية في الستينات من العمر، كانا ضحية للفايروس أيضاً برغم ابتعادهما عن أسرتها وإقامتها بـ "شاليه" سياحي استأجراه لفترة من الزمن، لحين تحسن الأمور وأعداد الإصابات.

يتحدث أيمن وهو أب وجد إنه حرم نفسه وزوجته من أبنائهما وأحفادهما هرباً من الوباء، استقرا بشاليه سياحي، لا يستقبلا أحداً، بل يفتحان الباب فقط للحصول على الأطعمة ويلتقيان بعائلتهما عن مسافة تبعد 4 أمتار على الأقل.

الحاجة هيام: الأماكن التي أذهب إليها محدودة، سوق الخضار ملاذي ومنفسي ومكاني الترفيهي وكل شيء

تقاطعه زوجته فتحية قائلة "ظننا أن الأمر هكذا أفضل لنا وللأبناء، لم نرغب بحرمانهم من ممارسة حياتهم في ظل انتشار الوباء وقررنا عزل أنفسنا كي لا يشعروا بالذنب بحال أصبنا" إلا أنهما وبكل أسف بدأت تظهر أعراض المرض الشديدة عليهما حتى تأكدت إصابتهما، بخلاف بقية العائلة التي ظهرت نتائجها سلبية.

قصة العزل الاحترازي ليست هيّنة للمسنة هيام شاكر، منعت نفسها مراراً الخروج من المنزل لكنها لم تستطع، فهي لا تتنفس إلا خارج المنزل – تخبرنا -.

وتضيف: "الأماكن التي أذهب إليها محدودة، سوق الخضار ملاذي ومنفسي ومكاني الترفيهي وكل شيء".

تتابع أنها برغم معاناتها من مرض السكري ولديها أزمة صدرية، إلا أن الجلوس في المنزل والحجر الاحترازي من شأنه أن يقتلها أيضاً، فهي تهرب من البيت وهمومه ومشاكله بمشوار السوق الذي لا يتجاوز الساعتين يومياً.

لماذا السوق تحديداً؟ تجيبنا هيام أنها في السوق ترى الناس، تستمتع بمشاهدة الخضار والبضائع وإن كانت لا تشتري، تشعر أن صحتها النفسية تتحسن، تضع كمامتها وتحاول قدر الإمكان ألا تحتك بغيرها بالرغم من استحالة الأمر، لكن أمر الحجر ووقعه على صحتها أشد فتكاً من الفايروس – بحسب وصفها –

"يعني هو فقر وقلّة كيف؟" تختم بهذا المثل الشعبي الذي يقال عندما يرفض الفقير الاستسلام للظروف المحيطة في أشد الأوقات حرجاً.