رمضان الزمن الجميل "ساق الله" على أيام الثمانينات
تاريخ النشر : 2021-04-22 18:08
بوجي وطمطم

غزة:

إن كنت أربعيني فأكثر؛ فحتمًا أنت عايشت أجواء شهر رمضان في ثمانينات القرن الماضي، بلا أحبال زينة ولا "كومة" من الفضائيات تعرض كمّا من المسلسلات المعدّة خصيصًا لهذا الشهر، بل إن الجيبات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكن قد انسحب من قطاع غزة بعد كانت تصول وتجول في الشوارع والمخيمات.

"نوى" تعيد ذكريات الثمانينات مع الأربعينية موناليزا المصري -وهي محامية وباحثة-، التي رسمت على وجهها ابتسامة عريضة بمجرد بدء الحديث عن تلك الأيام.

أيام "بوجي وطمطم" وعمو فؤاد، وفوازير شريهان وفوازير فطوطة، ومسلسل رأفت الهجان وليالي الحلمية، مَن ينسى كل هذا الجمال، بشوق تتحدث موناليزا عن تلك الأيام.

لنعود إذن من البداية- تقول موناليزا- حين كنا نتابع كل الأخبار عبر التلفزيون المصري قبل أن يصبح لدينا تلفزيون فلسطين أو حتى نعرف الفضائيات، وبمجرد إعلان الشهر الفضيل كان مدفع المسجد يضرب وتبدأ الاحتفالات.

كان الناس يستعدون للتحضير لشهر رمضان قبله بمدة، من خلال جلب المواد الغذائية الخاصة به من السوق ومعظمها منتجات مصرية، ومع إعلان أن غدًا شهر رمضان يطوف الأطفال في الشوارع وهو يغنون "حالو يا حالو رمضان كريم يا حلو"، وتبدأ معايدات الناس على بعضهم غالبًا بلا أي أحبال زينة، ويبدأ التلفزيون المصري بث أغاني رمضان.

وتحكي موناليزا :"كنا نعمل فوانيس رمضان من علبة حليب النيدو الصغيرة، نستخدم مسمارًا لعمل ثقوب ثم نضع فيها شمعة ملونة"، ورغم توفر الفوانيس المصري المكونة من قاعدة حديدية يعلوها قفص بلاستيك وعصفور صغير بداخله، إلا أن الفانوس الصنع اليدوي يظل أجمل بالنسبة للأطفال لأنه صنع يديه.

تضحك موناليزا بشدة وهي تتذكر :"كانت واحدة من المواقف المكررة أن تسقط الشمعة ولا نستطيع تثبيتها، ثم يأتي الطفل الذي يقلّد نفسه زعيم أطفال الحارة ليثبّتها لكل من تسقط شمعته".

كان الاحتلال يفرض حظر التجوّل الليلي يوميًا من الثامنة مساءً حتى فجر اليوم الثاني، واقع كان الناس قد اعتادوه واستبدلوه بالسهرات المنزلية العائلية، خاصة أن الحياة كانت بسيطة والعائلات ممتدة.

وللشهر الجميل طقوسه في تشجيع الأطفال على الصيام حينها، خاصة وأن النهار كان أقصر نسبيًا والطقس لم يكن حارًا كما الآن، واعتاد الناس حينها الاستماع للآذان عبر المسجد فقط، فالتلفزيون يبث آذانه حسب موعد مصر، أما صلاة التروايح فكان يؤديها الرجال ثم يعودوه للبيت قبل الحظر.

وفي البيوت، ثمة لمّة عائلية جميلة أمام التلفاز كبير الحجم قبل معرفة الريموت كونترول، فتغيير القنوات يتم من خلال التلفزيون مباشرة حين كان الناس يتابعون فوازير رمضان نيللي وشريهان ومسلسلات رأفت الهجان وليالي الحلمية الذين يختفي الناس من الشوارع وقت عرضهما.

لكن بمقارنة رمضان الثمانينات عن اليوم تروي:"للأسف كل شيء تغيّر، كنا نحضر بوجي وطمطم وماما نجوى الذي تقدمه الفنانة نجوى إبراهيم، تصحح أخطاء بُقلظ من خلال التوجيه، وبرنامج عمو فؤاد الذي كان يقدمه الفنان فؤاد المهندس، كانت برامج مسلية وتربوية، وهذا مختلف عن العنف الذي تزرعه برامج الأطفال حاليًا".

وتضحك موناليزا بشدّة وهي تقول :"عندما تابعنا بوجي وطمطم وهما قرد وأرنبة أشقاء لا أدري كيف كنا نصدّق أنهم إخوة"، لكنها تجزم إن شكل الحارة وعم شكشك في المسلسل يزرع الكثير من القيم النبيلة حول التعاون.

حتى المسلسلات كما ترى موناليزا مختلفة عما يتم عرضه اليوم:"كانت مسلسلات "متعوب عليها" القصة والفكرة والقيم كلها شغل متميز، وليس شغل تجاري كما نرى في مسلسلات الآن، على كثرتها لكن غير هادفة" وتسحب نفسًا عميقًا وهي تقول :"من منا ينسى مسلسل بابا عبدو للفنان عبد المنعم مدبولي، وحتى صوت الفنانة زوزو نبيل".

في الحياة العامة، كان الاحتلال يصول ويجول ويمارس انتهاكات في قطاع غزة حتى في شهر رمضان المبارك.

موناليزا كانت تسكن في حي النصر قرب مخيم الشاطئ حينها، تقول :"كان الاحتلال كثيرًا ما يفرض حظر التجول خاصة على مخيم الشاطئ الذي كان يشهد اشتباكات بشكل كبير".

ولا تنسى مشهد الدبابة التي تغلق المدخل المؤدي إلى المخيم عند فرض حظر التجول؛ لكن كانت النساء حينها هي من تخرج من البيوت لجلب احتياجات الأسرة، لكن داخل المخيم فالبيوت صغيرة ومتجاورة وتستطيع الجارات التزاور وتبادل الأطباق والحلويات.

أما الزيارات العائلية الرمضانية في الثمانينات فكثيرًا ما تأثرت بحالات حظر التجول التي يفرضها الاحتلال، لكن سرعان ما تعود مع رفع حظر التجول.

وتكمل :"كانت زيارات بلا مواعيد، فلم تكن الهواتف النقالة معروفة وحتى التلفونات كانت محدودة جدًا، وهذا جعل البيوت مجهّزة لاستقبال الضيف في أي وقت، فسيدة البيت ترتب غرفة الضيوف بشكل دائم والباب عادة مفتوح".

أما العادة التي انتشرت حينها واختفت بمرور الوقت فهي الاستقبال، حين كانت الجارات يتجمعن لزيارة واحدة منهن كل يوم، وكان التكافل والتضامن شيئًا متوارثًا، فلا يمكن لعائلة أن تمضي رمضان تشتكي الفقر، فالناس يسألون عن حال بعضهم خاصة أنهم كانوا يتبادلوا أطباق الطعام، ولأن الناس أذكياء؛ فهم يعرفوا حتمًا الوضع الاقتصادي لجارهم من خلال طبق الطعام الذي لديه.

"حفلة الكعك" هل سمعتم بها؟ تتساءل موناليزا، إنها ببساطة في أواخر الشهر الفضيل حين تبدأ الجارات بتحضير الكعك والمعمول تمهيدً لاستقبال العيد، فيتم توزيع الأيام بين الجارات يتجمعن كل يوم عند واحدة لإعداد الكعك الذي عادة يكون كميات كبيرة لأنه يتم توزيع جزء منه على الأقارب والباقي يظل في البيت فترة من الزمن بعد العيد.

"كانت تلك الأيام بسيطة ونفوس الناس أكثر هدوءًا رغم وجود الاحتلال الذي ينغّص كل شيء وما يزال"، تقول موناليزا، فحينها كان الوضع الاقتصادي ممتاز بالنسبة للعائلات التي يعمل أحد أبنائها في الداخل المحتل لكنه متواضع بالنسبة للموظفين، لكن القاسم أن الخيرات كثيرة ورخيصة.

تعقّب:"كنا نشتري الحمضيات "شِوالًا" كاملًا، أي حجم كيس دقيق كامل، والخضار نشتريها صناديق وليس بالكيلو كما اليوم، الخير كان وفيرًا والأسعار رخيصة، حتى إن البطيخ لم نكن نشتريه بطيخة أو بطيختين كما اليوم".

تضحك بغصّة وهي تقول:" لا أدري كيف أحدّث أطفالي عن هذا، كيف أقول لهم أن الكهرباء حينها كانت 24 ساعة، وأننا كنا نشرب المياه من الصنبور ولا نضطر لشرائها كما اليوم، كيف أقول لهم أن حياة بلا انترنت ولا تلفونات ولا هواتف كانت أجمل وأرقى".

كل شيء كان راقٍ كما تروي موناليزا، وهي تشعر بالغبطة أنها عاشت تلك المرحلة، وتشعر بحزن عميق على أطفالها الذين حُرموا هذه المتعة والجمال، فما نعيشه الآن شيء غير ممتع وصراع يفقد الأشياء جمالها.

فانوس الثمانينات

فوازير نيللي

فوزاير شريهان

مسلسل ليالي الحلمية

مسلسل رأفت الهجان

ماما نجوى وبقلظ"للفنانة نجوى ابراهيم"

مسلسل بوجي وطمطم