عمّال "المياومة".. وهزليّة المقارنة بين "الرزق" و"الصحة"
تاريخ النشر : 2021-03-22 13:12

غزة:

"الطبّ الوقائي وصل"، ما إن قالها مدير المطعم الذي يعمل فيه "تامر" (وهو اسمٌ مستعار)، حتى –فجأةً- اختفى الشاب، وكأنه "ذرة ملحٍ وذابت"!

كان الاتفاق، أن يحضر الطاقم الطبي التابع لوزارة الصحة، في ذلك اليوم، من أجل أخذ عيّنات "فحص" لفايروس "كورونا" من كافة العاملين في المطعم، حفاظًا على سلامتهم، وعلى سلامة الروّاد كذلك، لكن "تامر" كان له رأي آخر.

بالمناسبة: تامر (33 عامًا) لم يكن يعلم إذا ما كان مصابًا أو لا، لكن تصرفه نبَع من خشيته بظهور نتيجته "إيجابية"، وهو الذي لن يحتمل المكوث في البيت "محجورًا" مدة 14 يومًا، دون دخلٍ يقي عائلته ذل السؤال.

تامر:أعمل بأجرةٍ يومية، وبطبيعة الحال، إن اضطررت للبقاء في البيت طوال تلك المدة، لن يدفع لي صاحب العمل أي مال

يقول: "أنا أعمل بأجرةٍ يومية، وبطبيعة الحال، إن اضطررت للبقاء في البيت طوال تلك المدة، لن يدفع لي صاحب العمل أي مال، ستكون نكبة بالنسبة لي ولأفراد أسرتي".

"تامر" هو المعيل الرئيسي لأسرته المكوّنة من 12 فردًا، أجرته اليومية، لا تكاد تتجاوز 30 شيكلًا (6 دولارات تقريبًا)، وهو مبلغٌ بسيطٌ لكنه مهمٌ للغاية بالنسبة للعائلة التي يمكن أن يتعطّل معيلها عن عمله هنا في غزة.

"وكأن كل شيءٍ هنا يخبرني بأنه ضدّي"، يتمتم الشاب لـ "نوى"، ويتابع: "الحصار الإسرائيلي الجاثم على قلب القطاع منذ 15 عامًا، إغلاق أراضي الداخل في وجوه الفلسطينييين منذ عام 2005، وأخيرًا، حتى الدكان الصغيرة التي افتتحتها عام 2007 لإعالة أسرتي في حارتنا، راحت مع القصف خلال عدوان 2008".

تمكًن تامر من الهرب من الفحص، أكثر من مرة، لكن في الثالثة أجبره صاحب العمل على ذلك بمباغتته إياه برفقة الطاقم داخل المطعم، وهنا بدت ملامح المصيبة جليّة "وصلت النتيجة في اليوم التالي إيجابية".

رسالة دوّى وقعُها في منزل العائلة، حيث صار تامر يتبادل اللوم مع أشقائه الذين يخرجون من المنزل، دون الالتزام بإجراءات الوقاية بالشكل المطلوب، بخلاف إخوته الذين وجهوا له الاتهامات أيضًا، "بأنه من نقل العدوى للأسرة كلها من مكان عمله".

فترةٌ عصيبة مرّت على عائلة الشاب، كان سببها الإصابة. "لا حكومة سألت، ولا صاحب العمل، ولا حتى أصدقائي فيه، أولئك الذين يعلمون بحالي ووضعي داخل عائلتي" يزيد، ملفتًا إلى أن الدعم الوحيد الذي كان يصل بيته طول فترة حجره وعائلته "كوبونات غذائية، كان يرسلها المسجد، مكونة من الفول والحمص، وبعض أنواع الجبن، والعدس والأرز".

"لكن هل تكفي هذه المؤونة لعائلةٍ بحجم عائلتي مدة 14 يومًا؟" يتساءل، معلقًا بالقول: "مجرد أن تفكر، بأن المصيبة في إصابتك تكمن بتحصيلك لرزقك، على حساب صحتك، فهذا هو الوباء، وليس كورونا".

رامي:أشعر بأعراض المرض، لكن أبناء عمي ساوموني على عدم الفحص، وطلبوا مني فقط أن ألتزم بالحجر المنزلي

في الضفة الغربية، لا يبدو الوضع أحسن حالًا، حتى لدى عمّال الداخل المحتل. شابٌ سنطلق عليه اسم "رامي"، فضّل إخفاء هويته خشية منعه من قبل الاحتلال من الدخول للعمل هناك فترةً طويلة، يقول: "تخرّجتُ من إحدى جامعات الضفة، لكنني لم أحظَ بأي فرصة عمل في تخصصي، فانتقلت منذ حوالي 8 سنوات للعمل في الداخل".

الشاب الذي يبلغ من العمر (29 عامًا)، تبلغ أجرته اليومية 400 شيقلًا (110 دولارات)، مقسمة ما بين أجرة طريق (60 شيقلًا)، و100 شيقل أخرى كأجرةٍ للحصول على "تصريح عمل"! والبقية بالكاد تكفي للعيش –دون سؤال- في ظل المستوى الاقتصادي المرتفع للحياة في الضفة الغربية.

وتنقسم التصاريح التي تمنح للعمال من قبل الاحتلال أو المقاولين، إلى نوعين؛ الأول: من مكتب عمل يضمن حقوق العامل في حال تعرض لضرر خلال عمله، والثاني: فيتم استصداره تحت مسمى "احتياجات خاصة"، يتنصّل فيه صاحب العمل بشكل كامل من أي حقوق تجاه العاملين، في حال تسبب العمل لهم بأي ضرر أو إصابة، مهما بلغت خطورتها التي يمكن أن تصل إلى حدّ الوفاة.

ويدفع العامل مقابل الحصول على تصريح الاحتياجات الخاصة، مبلغ 2500 شيقلًا (700 دولار)، بغض النظر عن الأيام التي يمكن أن يعمل خلالها به، كونه يقع ضمن نظام "المياومة"، حتى لو بلغ عدد أيام عمله 10 أيام من الشهر فقط، فإنه مُطالب بدفع المبلغ كله.

وفي فترة انتشار الوباء، وبرغم مأساة حاملي تصاريح "الاحتياجات الخاصة"، فقد أجبروا على المكوث في المنزل، ما أجبرهم على البحث عن بدائل "يمكن أن تكتب نهايتهم" للوصول إلى أماكن عملهم، وكان على رأسها "فتحات الجدار" التي كانوا يهربون منها إلى الداخل، في محاولةٍ لانتزاع لقمة العيش كونها "أحلى الخيارات المرة".

تتفاقم المأساة، لدى هروب العمال من "فحص كورونا" –يؤكد رامي-  حتى وإن ظهرت عليهم أعراض الإصابة، قائلًا: "أنا مثلًا أشعر بأعراض المرض، لكن أبناء عمي ساوموني على عدم الفحص، وطلبوا مني فقط أن ألتزم بالحجر المنزلي إلى حين تحسن حالي، أما المقابل، فهو أن يدفعوا لي أجرتي التي أحصّلها من العمل من جيبهم الخاص".

لكن: لماذا قد يفعلون ذلك؟ يجيب رامي: "ببساطة، لأن سلطات الاحتلال، ترفض منح التصاريح لكل العمال الأقرباء من الدرجة الأولى والثانية لأحد المصابين من نفس العائلة".

هذه الإجراءات تدفع العمال لعدم الفحص، ومحاولة إيجاد بدائل على حساب صحتهم وصحة عائلاتهم، خوفًا من الرفض الذي تضربه "إسرائيل" بوجوه كل العاملين من العائلة نفسها، في حال تبيّن أن أحدهم مصاب، حتى لو أكد الآخرون أن نتيجتهم سلبية.

ووفقا للناطق باسم وزارة العمل الفلسطينية، يبلغ عدد العمال الفلسطينيين لدى الاحتلال نحو 98 ألف عامل فلسطيني، يعملون بشكل قانوني في "إسرائيل" قبل تفشي الوباء.

يضاف إليهم، تبعا لأمين عام نقابات عمال فلسطين، نحو 35 ألف عامل في المستوطنات الإسرائيلية.