باتريك لاما.. الموسيقار الذي انحاز لـفلسطين بـ"أوبرا كنعان"
تاريخ النشر : 2021-03-15 18:24

باريس:

طوال سنوات، ظلّت أصابع عازف البيانو الفلسطيني "باتريك لاما"، وهو يقدّم مقطوعاتٍ موسيقية باسم "أوبرا كنعان"، ترسم ملامح الثقافة الفلسطينية في فضاءاتٍ لا تعرف عن أرض فلسطين إلا الحرب والموت.

هذا العام، قررت وزارة الثقافة الفلسطينية، تكريم الموسيقار السبعيني الذي يعيش في العاصمة الفرنسية "باريس"، ومنحه لقب "شخصية العام الثقافية"، لتفتح بذلك الأبواب واسعةً أمام كثيرين ممن لم يسبق لهم أن تابعوا إنجازاته الإبداعية، تلك التي حاكت من موهبته نضالًا لا يُستهانُ به.

وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف، قال بمناسبة يوم الثقافة الوطنية –الذي يصادف يوم ميلاد شاعر فلسطين الكبير الراحل محمود درويش: "إن منجزات لاما الموسيقية كان لها دور كبير في التأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية، وعمق ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه، خاصةً عبر الأوبرا الشهيرة كنعان".

أبو سيف:منجزات لاما الموسيقية كان لها دور كبير في التأكيد على الهوية الوطنية الفلسطينية

وُلد باتريك لاما عام 1940 في مدينة القدس، وكان أبوه "أوغستين لاما" يعمل عازف أورغ في كنيسة القيامة بالمدينة المقدّسة، وهذا ما هيأ لـ "لاما"، ظروف الترعرع على الموسيقى الدينية، الخاصة بكافة الطوائف المسيحية.

يقول "باتريك" في أحد الأفلام الوثائقية: "كان والدي يدعو أصحابه، ويعرّفهم على الموسيقى الغربية الكلاسيكية حين كنت أبلغ خمس سنوات، بدأتُ بالتجاوب مع أصوات الموسيقى وأُغرمت بها، أعجبتني جدًا".

فرِح والد باتريك حين وجد في ابنه وريثًا لهذا الفن، شعرَ أنه مرغمٌ على ذلك بعض الشيء، إلا أنه عادَ بتلك التوقعات إلى الوراء، عندما اقتنع بأن "باتريك" يعشق هذا الفن، ويمارسه حبًا.

يعقب في نفس الفيلم: "كنت سعيدًا جدًا، كنتُ أنظر إلى والدي بإعجاب شديد، وهو يعزف، كان يبهرني بتواضعه وحبه للتاريخ".

باتريك:أنتجت أول المقطوعات الموسيقية بعد حرب 1967، كنتُ فردًا من شعبٍ تعرض لنكسةٍ هزّت كيانه

عندما أصبح باتريك شابًا، سافر إلى فرنسا لدراسة الموسيقى، وهناك كان لا بد من خضوعته لسنة تمرّس، قبل أن يصبح لديه تقنية العزف على البيانو. واصَل طريقه حتى أنهى دراسته، والتحق بعدة دورات تأليف مع أستاذه "هنري ديتلييه" في دار المعلمين للموسيقى بباريس.

يركز "باتريك" على أهم محطات حياته، فيقول: "أنتجت أول المقطوعات الموسيقية بعد حرب 1967، كنتُ فردًا من شعبٍ تعرض لنكسةٍ هزّت كيانه، وهنا كانت البداية"، مضيفًا: "أذكر ذلك اليوم، عرضتُ ما أنتجته على والدي، فقال: طوال حياتي كنتُ أعلّمك الموسيقى الكلاسيكية، من أين أتيت بهذا الأسلوب المعاصر؟".

تأثّر باتريك الشاب بما تتعرض له فلسطين على يد الاحتلال الإسرائيلي الذي عاث في الأرض خرابًا، وهنا، انضمَّ إلى اتحاد الطلبة الفلسطينيين في الستينيات، وكان عددهم 30 طالبًا فلسطينيًا، فنشط للتعريف بالقضية، إلى جانب زملائه، وكان من بينهم حينذاك الشهيد محمود الهمشري، والشهيد عز الدين القلق، وداوود تلحمي، وجورج حنا، وسلمان الهرفي، وغيرهم.

لاحقًا، أقنعه صديقه الصحفي اللبناني الراحل غسان عبد الخالق بتأليف "أوبرا كنعان"، ولم يكن حينها بوسعه فعل ذلك، "فالأمر بحاجة لأكثر من آلة، لكن صديقه الذي كان مغرمًا بالحضارة الكنعانية دعاه إلى لبنان، وهناك حدثّه أكثر".

باتريك:باسم "أوبرا كنعان"، دمج الموسيقار الشهير قصائد للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، والشاعر بدر الدين شاكر السياب، وغيرهم. بالموسيقى

يزيد باتريك: "في عام 1995 اتصلت به، وأخبرته أنني سأقوم بتأليف مقطوعات بتقنية أوغاريت، وأعطيته نصوصًا فرنسية ليترجمها إلى العربية، وهنا تمخّض بين أيادينا أجمل نص".

لكن المعضلة التي واجهها باتريك – كما يقول- هي ضعفه في الموسيقى الكلاسيكية العربية، وهنا بدأ بتعلّمها، وألّف لاحقًا كتابًا عن الموسيقى الشعبية الفلسطينية.

وباسم "أوبرا كنعان"، دمج الموسيقار الشهير قصائد للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، والشاعر بدر الدين شاكر السياب، وغيرهم. بالموسيقى باتَ يُعرّف بالقضية الفلسطينية، ولعل أشهر مقطوعاته التي أنتجها هي "أور سالم" أي مدينة السلام، ويقصد بها القدس.

قدّم باتريك العديد من الدراسات والأبحاث في مجال الموسيقى، فقلّده الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الثقافة والعلوم، تقديرًا لإنجازاته في هذا الصدد.

وحسب رأي "باتريك"، فإن المثقف الفلسطيني يقدم إنجازاتٍ من صميم جهده الذاتي، "وهذا بسبب ضعف الإمكانات في بلدٍ محتل، لديه العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية". يضيف: "هذا يُحسب للمثقفين الذي اجتهدوا ليقدموا أعمالًا جبّارة".