"جرّة قلم" تجعل النساء والشباب تحت الوصاية
تاريخ النشر : 2021-02-15 17:37

غزة:

"لو أن سيدة أرملة وإخوتها ليسوا عندها، يمكن أن تبحث عن أحد أحفادها ليمنحها ورقة موافقة من أجل السفر".

هكذا عقّبت العشرينية غالية على تعميم قضائي أصدره المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة يقيّد حرية الحركة والتنقّل للنساء، سواء كانت بِكرًا أو ثيّبًا- أي سبق لها الزواج-.

التعميم الذي صدر بتاريخ 14 فبراير 2021 تضمن خمسة بنود نص الرابع منها صراحة على منع الأنثى البِكر والثيب من السفر دون إذن وليّها، بل ومنح الوليّ الحق في منعها من السفر حال ترتّب على ذلك ضرر محض، ومنع أيضًا الشاب الذي تجاوز 18 عامًا من السفر حال ترتّب على سفره ضرر محض عبر دعوة قضائية في المحكمة، دون أو يوضّح طبيعة هذا الضرر.

ورغم أن البند الأول في التعميم لم يعترضه أحد، كونه نصّ على منع الأب من السفر برفقة أطفاله المشمولين بحضانة أمهم دون موافقتها؛ إلا أن البند الثاني أجاز للأب أو الجد منع الطفل الذي لم يتجاوز 12 عامًا من السفر إذا ترتّب على سفره ضرر محض، دون أن يوضح التعميم ماذا يقصد بهذا الضرر.

هذا البند تحديدًا جعل الشابّة ولاء تعقّب بمرارة: "ماذا لو عُدت من الخارج برفقة طفلي وأراد جدّه منعي من السفر بالطفل".

"جرّة قلم" إذن كانت كفيلة بعودة النساء إلى الوصاية حال تم التطبيق، فالتعميم كان مستفزًا وضاربًا للكثير من المجهودات النسوية والشبابية التي سعت إلى تمكينهم من التمتّع بشخصيتهم القانونية وتعزيز مشاركتهم الاجتماعية والسياسية.

عدوان:هذا التعميم يتناقض بشكل رئيس مع المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان والحريات العامة

المؤسسات النسوية والشبابية والحقوقية، انشغلت منذ صباح اليوم بمتابعة هذا التعميم، ورأت عندليب عدوان مديرة مركز الإعلام المجتمعي، أن هذا التعميم يتناقض بشكل رئيس مع المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان والحريات العامة التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني، وهو يحدّ من حرية الحركة للمواطنين في قطاع غزة وهي محدودة أصلًا بسبب الحصار الإسرائيلي.

"لا يخفى على أحد أن الشاب حين يبلغ 18 عامًا وهو سن الرشد، يصبح له الحق في أن يقرر حياته الخاصة من دراسة وزواج وممارسة كافة شؤون حياته كشخص بالغ عاقل، فكيف يصدر اليوم تعميم ينتقص من هذه الشخصية"، تقول عدوان.

ماذا لو افترضنا أن هناك شبّانًا يريدوا السفر من أجل التعلّم والالتحاق بدورات تدريبية، هل يوجد مبرر يحدّ من حريتهم على السفر- تقول عدوان- فهذا مؤشر على انعدام الثقة بين الأهل وأبنائهم، وحتى إن وُجدت مشاكل أسرية فهذه ليست الطريقة المناسبة لمعالجتها.

لكن الأسوأ وفقًا لعدوان هو التمييز ضد النساء غير المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج، فهن سيصبحن ممنوعات من السفر إلا بّإذن ولي الأمر، وهذا ينطبق حتى على النساء اللواتي يتقلّدن مواقع قيادية، داعية جميع المؤسسات للوقوف في وجهه.

بنات:هذه الوصاية تنطبق على العلاقة بين الشباب والنظام السياسي القائم، فهو كله يؤمن بالأبوية

فؤاد بنات، باحث في قضايا الشباب، يرى في التعميم شكل من أشكال المنظومة الأبوية وعدم قبول الآخر أو فتح المجال للشباب، وهو احتكام للعادات والتقاليد التي ساهمت بشكل كبير في التقليل من أدوار الشباب وحدّت من فرص تغيير الواقع والخروج من الوصاية.

كشباب نرفض هذا التعميم ونعتبره رجعي ويحدّ من حقوق الإنسان المكفولة والمتعارف عليها، فلا يجوز منع الناس من حرية التنقّل إلا في ظروف قضائية خاصة" يقول الشاب بنات، بالتالي فهو انتهاك أصلًا للقانون.

هذه الوصاية- وفقًا للشاب بنات- تنطبق على العلاقة بين الشباب والنظام السياسي القائم، فهو كله يؤمن بالأبوية وتطوير دور الشباب طبقَا لها فقط، بالتالي فإن مستقبله- أي التعميم- إلى الذوبان وعدم القبول من قبل القوى الوطنية.

موجة عارمة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، غلب عليها طابع الاستنكار والرفض من حيث المبدأ كونه انتقاص من الأهلية القانونية للشباب والنساء، بينما حاول آخرون التخفيف من وقعه عبر القول أنه لا يوجد أحد في قطاع غزة يسافر إلا بمعرفة أهله والتعميم من الناحية الفعلية لا يعرقل شيئًا- حسب رأيهم-.

الجوجو:نحن فعّلنا قوانين موجودة لماذا لم تعمل المؤسسات على تعديل هذه القوانين منذ زمن

رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي د.حسن الجوجو الذي بدا متابِعًا لهذه الانتقادات، رد بان التعميم جاء استجابة لحاجة مجتمعية ملحّة مع إعادة فتح معبر رفح، حين أرسلت هيئة المعابر طلبًا لتوضيح الفئات الممنوعة من السفر والفئات المسموح لها.

وأضاف الجوجو أن الاعتراضات كانت فقط على المادتين الثالثة والرابعة، فمنع سفر الشاب الذي يترتب على سفره ضرر محض هي مادة ليست إلزامية كما الرابعة، موضحًا إن وجه الضرر أنه يد يكون هذا الابن هو المعيل الوحيد لأهله أو لديه عليه نفقات ويريد التخلص من الأعباء المالية أو حتى يسافر مجازفة ظنًا منه أن في الخارج المن والسلوى، بالتالي يأخذ أهله حكمًا بالمنع.

ونفى في حديثه لنوى أن تكون هذه الأحكام جزافًا، فهناك سلطة تقديرية للقاضي، والقضية تمر عبر مراحل التقاضي الثلاثة، وإذا كانت أسباب الأهل غير واقعية يمنح حقه في السفر، لكن لدى سؤاله حول إن كانت هذه التفاصيل موَضحة أجاب :"لا دخل لي بتوضيحها".

وبخصوص المادة الرابعة، قال الجوجو إن من صلاحيات القضاء إنفاذ القانون ونحن نحتكم إلى قانون الأحوال الشخصية المعمول به من العهد العثماني، وفي المادة 499 من قانون الأحوال الشخصية ينص على أن حضانة الأنثى سواء كانت بكرًا أو ثيبًا هي للعصب من الرجال، خاصة وقد وصلت المحكمة شكاوى من أهالي سافرت بناتهن دون علمهم.

الحضانة هنا بمعنى الحفظ كما يقول الجوجو، فهو يمنعها من السفر إذا ترتّب عليه ضرر محض حسب قوله، بالتالي يتوجّب عليها عند السفر أخذ موافقة من ولي أمرها يصدرها من المحكمة الشرعية تمامًا كما في حالة الحج والعمرة، إلا أن هناك سلطة تقديرية للقاضي حال كانت السيدة كبيرة السن.

ولدى سؤاله إن كانت السيدة تشغل منصبًا مرموقًا وتريد تمثيل مؤسستها خلال سفرها، أجاب بأن هذا التعميم يشملها أيضًا، مضيفًا:"إذا كان أبوها يتفهّم سفرها أين المشكلة في أن يذهب إلى المحكمة الشرعية ويمنحها ورقة بالسفر".

لكن الجوجو عاد ليستدرك:"نحن فعّلنا قوانين موجودة لماذا لم تعمل المؤسسات على تعديل هذه القوانين منذ زمن، ماذا بوسع القضاء سوى أن يطبّقها"؟،

وختم بقوله :"الكل يعرف موقفي من قانون الحضانة وأنا منذ سنوات أطالب بتعديل القوانين لأن فيها عوار شديد، لكنها مسؤولة المجلس التشريعي، إن حدثت انتخابات نرجو أن تتغير القوانين وتنتهي كل القصة".

النحال:إصدار التعميمات ليست ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الشرعي

المحامية ميرفت النحال مديرة الوحدة القانونية بمركز الميزان لحقوق الإنسان، قالت عن إصدار التعميمات ليست ضمن صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الشرعي طبقًا للقانون رقم 3 من عام 2011 الذي حدد صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في مادته الثامنة، وليس من ضمنها إصدار التعميمات.

وتابعت:"هذه القوانين تسعى المؤسسات منذ سنوات نحو تعديلها، فلماذا يفعّل هو قوانين قديمة، كنا سابقًا نعمل على المطالبة بتعديل القوانين الآن علينا العمل على المطالبة بالتعديل وأيضًا إلغاء هذه التعميمات"، فمنع الأبناء من السفر ليس هو الحل لمعالجة قضاياهم الاجتماعية، إنما عبر خطط تنموية تبقيهم هنا، لا بزيادة المشكلة بالمنع.

وأكملت إن التعميم فيه مساس بحقوق الإنسان المكفولة، ومن ضمنها حرية الإقامة والتنقل وفقًا للمادة 20 من القانون الأساسي الفلسطيني، وأن الأشخاص يتمتعوا بشخصية قانونية وفقًا للمادة 53 من القانون المدني المعمول به في فلسطين، والذي نصّ على أن بلوغ سن 18 عامًا يجعل صاحبه كامل الأهلية أمام القانون لإبرام العقود ويتحمل المسؤولية القانونية حال ارتكب جرمًا، ومن باب أولى فهو قادر على إدارة شأنه الخاص في أن يتنقّل.

تضيف التعميم تضمن تمييزًا على أساس الجنس ضد النساء؛ فعدم السماح لها بالتنقّل إلا بموافقة وليها هو انتقاص من مكانتها وأهليتها وفيه نظرة دونية للمرأة، واستند إلى معيار "الضرر المحض" وهو تعبير فضفاض غير منضبط يختلف من شخص لآخر، كذلك يسمح للقضاء بالتدخل في حياة الأشخاص الشخصية ويصادر حرياتهم في التنقل، كما تضمن التعميم خلطًا في التواريخ.

وتابعت إن الميزان سيرسل مذكرة قانونية إلى المجلس الأعلى للقضاء الشرعي لتوضيح المخالفات القانونية فيه والمطالبة بإلغائه، وكذلك ستفعل باقي المؤسسات التي ستستخدم ما لديها من أدوات قانونية لوقفه.